15-نوفمبر-2024
الصحفي إسلام بدر

(ultrapal) الصحفي إسلام بدر يروي تجربة التغطية الإعلامية خلال الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة

مع مرور أكثر من 400 يوم على حرب الإبادة الّتي يشنّها الاحتلال الإسرائيليّ على قطاع غزّة، ما زال الصحفيّ إسلام بدر، مراسل التلفزيون العربيّ على رأس عمله في شمال قطاع غزّة، يتنقّل من مكان إلى آخر، بعيدًا عن أسرته وأطفاله ومنزله المدمّر، يحمل مستلزمات عمله معه، أينما خلف الاحتلال مجزرة جديدة.

وفي حوار مع "الترا فلسطين"، يقول الصحفيّ إسلام بدر، إنّه اقترب من الموت في أكثر من مرّة جرّاء استهدافات الاحتلال، آخرها عند إصابة المصوّر الصحفيّ فادي الوحيدي، برصاص الاحتلال في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي.

الصحفي إسلام بدر: خشية الموت حاضرة في كلّ لحظة، وفي مرّات كثيرة اقتربنا من الموت

ويروي بدر معاناة الأهالي مع رحلة النزوح، وتوثيقه لبعض المشاهد الصعبة الّتي لا تفارق ذاكرته، بينها مشاهد لأشخاص "ينازعون" الموت في لحظاتهم الأخيرة من الحياة قبل لفظ أنفاسهم، ومشاهد وداع الأهالي للأطفال الشهداء.

وفيما يلي نصّ حوار خاصّ لـ "الترا فلسطين" مع مراسل التلفزيون العربيّ في شمال قطاع غزّة إسلام بدر.


  • لو تعرّفنا عن نفسك في البداية؟

إسلام بدر مراسل التلفزيون العربيّ في قطاع غزّة، صحفيّ فلسطينيّ أعمل في هذه المهنة منذ 17 عامًا وما زلت. حاصل على درجة الماجستير في الصحافة الإعلام، متزوّج وأسكن في شمال قطاع غزّة.

  • بما أنّك في شمال القطاع، لو تضعنا في صورة الوضع لديك مع مرور 400 يوم على حرب الإبادة، وأكثر من شهر على العمليّة العسكريّة في شمال القطاع؟

الوضع صعب للغاية مع مرور 400 يوم على الحرب، وأكثر من شهر على بداية الهجوم الإسرائيليّ الأخير على الشمال، الجيش الإسرائيليّ يمارس الإبادة بأبشع صورها حاليًّا، ويمارس القتل بتوحّش، ويعتبر كلّ فلسطينيّ في شمال قطاع غزّة هدفًا مشروعًا للقتل، باعتبار أنّه أصبح مفهومًا بالنسبة له أنّهم "طالما بقوا في الشمال، فهم يستحقّون الموت"، وفعليًّا تمارس هذه السرديّة، وهذا الفعل على أرض الواقع.

بالإضافة إلى ذلك هناك مجاعة خطيرة وفادحة وقاتلة يمرّ فيها الناس بشكل خطير في عموم قطاع غزّة، وبشكل أكبر في شمال قطاع غزّة.

  • كيف كانت بداية تغطيتك للحرب؟

بداية التغطية كانت منذ اللحظات الأولى للحرب، وكانت أيّام صعبة فرضت علينا جميعًا تغطية صعبة، كانت بداية التغطية في مجمع الشفاء الطبّيّ، وانتقلت منه بعد اجتياحه إلى المستشفى الإندونيسيّ، ثمّ بعد ذلك إلى مخيّم جباليا وشهدت حصاره هناك. ومن ثمّ بدأت التغطية مع التلفزيون العربيّ، مع نهاية الشهر الثاني من الحرب تقريبًا، أي نهاية تشرين الثاني/نوفمبر وبداية كانون الأوّل/ديسمبر في 2023، ثمّ واصلت التغطية حتّى اليوم.

  • ما هي أبرز التحدّيات الّتي تواجه عملك الصحفيّ؟

التحدّيات الأمنيّة والاستهداف المباشر من الجيش هي أصعب شيء، كذلك التحدّيات المهنيّة المتعلّقة بخصوصيّة هذه الحرب وما تفرضه علينا من سلوك خاصّ.

وهناك أيضًا تحدّيات تتعلّق في فداحة الغارات وفظاعتها، وهي تحدّيات كبيرة تُفرض علينا. وأيضًا التحدّيات النفسيّة الّتي تفرض نفسها في ظلّ أشهر طويلة من الحرب والجوع والعطش، كلّ هذه التحدّيات فرضت نفسها علينا خلال تغطية هذه الحرب الطويلة والمستمرة.

  • أنت ربّ أسرة تعيش كغيرها الحرب وظروفها، كيف توازن بين عملك ورعاية وتلبية حاجات أسرتك؟

الموازنة بين الاعتبارات الأسريّة وتغطية الحرب، للأسف تفرض نفسها على الجميع، وأنا للأسف أسرتي نازحة وليست عندي، وبالتّالي خفّفت من حمل المتابعة اليوميّة، ولكنّ هذا يثقل عليّ البعد والفراق عن الأهل، وهو أصعب بكثير، فيمّا لو كانوا بجانبي، ولكنّ هذه حالة فرضت على الجميع.

  • ما هي أصعب التغطيات بالنسبة إليك خلال الحرب؟

كلّ تغطيات الحرب صعبة، لكن بالتأكيد تغطية مجزرة مدرسة التابعين كانت صعبة للغاية؛ لأنّها كانت قاتلة ودمويّة جدًّا، وصلنا للمكان وكان الشهداء ما زالوا على الأرض، كنا من الطواقم الصحفية الأولى التي وصلت لتوثيق ونقل المجزرة، وكانت بعض الجثّامين موجودة، وتنازع في رمقها الأخير. مجزرة التابعين كانت الأصعب.

  • ما هي المواقف والقصص الإنسانيّة العالقة، والّتي لا تنساها خلال الحرب؟

هناك مجموعة من المواقف والقصص، ولكنّ الأصعب تصوير وداع الأهالي لذويهم وشهدائهم، خصوصًا إذا كانوا من الأطفال.

وثقت مشهدًا في بيت لاهيًا لأطفال صغار ينزحون، وكان بينهم شقيقهم، من ذوي الاحتياجات الخاصّة، وهم يجرونه في منطقة مرتفعة صعبة، وكانوا لا يستطيعون فعل ذلك، هذا كان من بين المشاهد الصعبة.

وثقت أيضًا مشهدًا لرجل يمشي في بركة ماء كبيرة نتيجة الشتاء في مخيّم جباليا، وكان يحمل جثمان طفل صغير موضوع في كفن.

  • ترتفع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي من الطواقم الصحفية بشكلٍ يومي، صف لنا المخاطرة المستمرّة في العمل الصحفيّ؟

خشية الموت حاضرة في كلّ لحظة، أنا أصبت خلال الحرب، إصابة مباشرة في 19 كانون الأوّل/ديسمبر 2023، وكانت بجراح متوسّطة.

في مرّات أخرى تعرّضنا للاستهداف، وكان آخرها في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، عندما أصيب الزميل فادي الوحيدي، وكان يمكن أن يصاب أيّ شخص آخر بيننا. وفي مرّات كثيرة اقتربنا جدًّا من الموت.

  • هل ما زال بيتك قائمًا أم تعرّض للقصف؟

بيتي دمّر وبيت أهلي دمّر وبيت عائلتي الكبيرة دمّر، نزحنا أكثر من مرّة في ما يقرّب 20 مكانًا للنزوح، وهذا أمر متكرّر مع معظم أهالي القطاع؛ لأنّ معظم الناس فقدت بيوتها خلال الحرب خاصّة في الشمال.

  • لو تحدّثنا عن تجربة النزوح.

تجربة النزوح صعبة، خصوصًا لأشخاص لديهم اعتياد على الخصوصيّة، وعلى منازلهم وعلى الحياة الهادئة، و"بيتوتيّين" باللغة العامّة.

أن تكون نازحًا، ولست في بيتك، أي في مركز إيواء، أو في خيمة، أو في منزل قريب لك، أو في مستشفى هو أمر صعب جدًّا، وجرّبنا كلّ هذه الأنواع من النزوح بما في ذلك النوم في الشارع، وفي السيّارة، وعلى رصيف الطريق، وفي بعض المرّات لم يكن يتاح لنا النوم أساسًا، فالنزوح صعب للغاية، وهو من أصعب الأمور الّتي قد تتعرّض لها خلال الحرب.

  • ما هي رسالتك كصحفيّ وشخص يعايش حرب الإبادة؟

من يستطيع إيقاف هذه الإبادة عليه أن يبادر؛ لأنّه في الحقيقة طالت هذه الإبادة الكثير، وإسرائيل تقتلنا في كلّ فرصة تتاح لها دون أيّ مراعاة أو خجل أو اكتراث، ويدفع ثمن ذلك الأطفال والنساء والمدنيّين، لذلك كلّه يجب وقّف هذه الإبادة.