22-سبتمبر-2023
خبراء إسرائيليون: الانقلاب القضائي في إسرائيل وضم الضفة يسيران جنبًا لجنب

طفل أثناء مظاهرة في قرية بيت دجن رفضًا للاستيطان | تصوير ناصر اشتيه

الترا فلسطين | ترجمة فريق التحرير

يتقدم "الانقلاب على القضاء في إسرائيل"، ومعه "انقلاب أكثر هدوءًا" في الضفة الغربية، والحقيقة أنهما يسيران جنبًا لجنب، وليس بشكل منفصل، فالأول يهدف إلى التعجيل في تحقيق الثاني وتسهيله، وهو خطوة على طريق تحقيق الرؤية اليمينية بخصوص الضفة الغربية، وفق ما أكده قانونيون وناشطون في مجال حقوق الإنسان لصحيفة "هآرتس".

اليوم، لم يعد ممكنًا إخلاء أي بناء استيطاني يهودي غير مرخص في الضفة إلا بموافقة المستوطن يهودا إلياهو. كما أنشأ بتسلئيل سموتريتش منصب نائب رئيس الإدارة المدنية، وسيتم تسليمه لمستوطن

وتؤكد "هآرتس" في تقريرها، أن الضرر الذي لحق بالنظام القضائي الإسرائيلي نتيجة خطة التعديلات القضائية هو مجرد خطوة على طريق تحقيق الرؤية اليمينية بخصوص الضفة الغربية.

وأوضح تقرير "هآرتس"، أن عددًا قياسيًا من تراخيص البناء في المستوطنات صدر منذ بداية العام الحالي، وفي المقابل هناك شللٌ شبه كامل في إنفاذ القانون على البناء اليهودي في الأراضي الفلسطينية ذات الملكية الخاصة، المخالف حتى للقانون الإسرائيلي وليس الدولي فقط، يرافق ذلك زيادة في أعمال العنف التي يقوم بها إرهابيون يهود ضد الفلسطينيين.

وأفاد أن  "الخطوة الأكثر دراماتيكية" التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية هي تسليم الإدارة المدنية، وهي هيئة عسكرية بكل المقاييس، إلى بتسلئيل سموتريتش بصفته وزير داخل وزارة الجيش، والإدارة المدنية هي الجهة التي تنفذ سياسة الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية، وقد طالب سموتريتش حتى قبل أن يتولى المسؤولية عنها، في الوقت الذي تم فيه انتزاع أجزاء منها من الجيش.

وبيّن تقرير "هآرتس"، أن بتسلئيل سموتريتش بعد توليه الإدارة المدنية توصل لاتفاق بشأن تقسيم الصلاحيات بينه وبين وزير الجيش يوآف غالانت، أصبح بموجبه البناء وترخيص البؤر الاستيطاني والطقاة والمياه والنقل والآثار كلها تحت سيطرة سموتريتش، المستوطن الذي يسكن في مستوطنة "كدوميم" المقامة على أراضي كفر قدوم.

بعد هذا الاتفاق، شكل سموتريتش "هيئة إدارة الاستيطان"، وعين على رأسها المستوطن يهودا إلياهو، وهو شريكه الذي أسس معه في السابق جمعية "ريغافيم" المتخصصة بالتحريض على هدم المباني الفلسطينية في الضفة، واليوم، لم يعد ممكنًا إخلاء أي بناء استيطاني يهودي غير مرخص في الضفة إلا بموافقة المستوطن يهودا إلياهو.

وإلى جانب "هيئة إدارة الاستيطان"، أنشأ بتسلئيل سموتريتش منصب نائب رئيس الإدارة المدنية، وسيتم تسليمه لمستوطن، ليكون مسؤولاً فعليًا عن تنفيذ كافة صلاحيات وزير الإدارة المدنية المنوطة بالوزير. والهدف من هذا المنصب، هو الحد بشكل كبير من صلاحيات رئيس الإدارة المدنية المقدم فارس عطيلا.

يقول المحامي مايكل سبارد، إن سموتريتش "يقوم بإنشاء آلية كاملة تحت قيادته، موازية للجهاز العسكري، ويطبق الضم في كل شيء، من دون الحاجة الى الهالة الاحتفالية وقص الشريط وإطلاق الألعاب النارية مثلما فعل بوتين في شبه جزيرة القرم. إنه ضم كامل، يتم بوسائل بيروقراطية صغيرة".

وفي النصف الأول من عام 2023، منحت حكومة الاحتلال التراخيص اللازمة لبناء ما يقرب من 13 ألف وحدة استيطانية، وهو رقم قياسي مقارنة بالسنوات السابقة، كما انخفض معدل هدم المباني غير المرخصة التي أقامها المستوطنون على أرض فلسطينية بملكية خاصة من 25 عملية هدم شهريًا في عام 2023 إلى عمليتي هدم فقط شهريًا.

أصدرت حكومة نتنياهو في النصف الأول من عام 2023 تراخيص بناء لـ12349 وحدة استيطانية، وهذا رقم قياسي مقارنة بالسنوات السابقة، وهو أعلى عدد من التراخيص في عام واحد

خطوة "دراماتيكية" أخرى قام بها بتسلئيل سموتريتش، وهي إخراج الاستشارة القانونية للإدارة المدنية من دائرة العمل العسكري. تؤكد الباحثة رونيت ليفين شنيور أن ما يجري الآن في الضفة الغربية هو ضمٌ فعلي، "ومخطئ من يعتقد بوجوب أن يكون هناك احتفال صريح يعلن فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، لأن هذه الأفعال محظورة صراحة في القانون الدولي، لذلك ليس لدى الحكومة الاسرائيلية أي حافز للقيام بشيء يشير إلى أنها تنتهك القانون".

ويعتقد خبراء قانونيون إسرائيليون، وفقًا لـ"هآرتس"، أن انتزاع بتسلئيل سموتريش صلاحية تقديم المشورة القانونية للإدارة المدنية من للجيش الإسرائيلي هي في الواقع إحدى أهم خطوات الضم، "فالحكومة تعمل ليس فقط لتقليل القيود الداخلية المفروضة عليها، ولكن أيضًا للتخلص من قيود القانون الدولي".

وبحسب المعطيات التي جمعتها حركة "السلام الآن" في النصف الأول من عام 2023، فقد أصدرت حكومة نتنياهو في النصف الأول من عام 2023 تراخيص بناء لـ12349 وحدة استيطانية، وهذا رقم قياسي مقارنة بالسنوات السابقة، وهو أعلى عدد من التراخيص في عام واحد، منذ بدأت (السلام الآن) بإحصاء تراخيص خطط البناء الاستيطاني في الضفة الغربية في عام 2012.

وأفاد تقرير "هآرتس" أن بؤرتين استيطانيتين غير قانونيتين أصبحتا أمرًا واقعًا في ظل حكومة نتنياهو، إحداهما بؤرة "حومش" التي تم إخلاؤها قبل 18 سنة، والثانية هي بؤرة "افيتار" التي أقيمت قبل نحو عامين على أراضي بلدة بيتا جنوب نابلس، وقامت الحكومة السابقة بإخلائها لحين دراسة وضع الأرض التي أقيمت عليها، ولكن في شهر حزيران/يونيو الماضي عاد المستوطنون إليها.

وشهد عام 2022 أيضًا زيادة حادة في عدد أعمال العنف التي ارتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين، حيث وصل المعدل 81 جريمة شهريًا، بحسب سجلات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. ولكن في النصف الأول من عام 2023، بحسب المنظمة ذاتها، ارتفع عدد أعمال العنف شهريًا إلى 98 جريمة، ما يعني ارتفاع معدل جرائم العنف في 2023 مقارنة بعام 2022 الذي كان عدد أعمال العنف فيه أصلاً مرتفعًا عن الأعوام السابقة.

واستعرضت "هآرتس" في تقريرها "تآكل آليات إنفاذ القانون" في التعامل مع أعمال العنف الإسرائيلية، فعندما هاجم مستوطنون قرية أم صفا، أمر قائد منطقة رام الله في جيش الاحتلال بوضع نقطة تفتيش مؤقتة عند مدخل مستوطنة "عطيرت"، لفحص السيارات ومحاولة تحديد أماكن "مثيري الشغب" وفق وصفها، ولكن هذا الإجراء قوبل بالرفض من سموتريتش، الذي اعتبر الإجراء عقوبة جماعية، وهو ذاته الذي دعا علنًا إلى حرق حوارة. كما أدان وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير استخدام الاعتقال الإداري ضد المستوطنين الذين شاركوا في الهجوم على أم صفا واللبن الشرقي وترمسعيا.

"ليس هناك كذبة أكبر في السياسة الإسرائيلية من الادعاء بأن المحكمة العليا يسارية أو تهتم بالحقوق الفلسطينية. فهي الأب الروحي للمستوطنات"

واعتبرت الباحثة رونيت ليفين شنيور، أن المحكمة العليا الاسرائيلية هي عراب المستوطنات، وليس فقط الوزراء وأعضاء الكنيست من أحزاب اليمين، وقالت: "ليس هناك كذبة أكبر في السياسة الإسرائيلية من الادعاء بأن المحكمة العليا يسارية أو تهتم بالحقوق الفلسطينية. فهي الأب الروحي للمستوطنات، والخطوط الحمراء التي وضعتها للاستيطان قليلة للغاية".

أما المحامي مايكل سفارد فيؤكد أن المستوطنين في الضفة الغربية هم أكبر الداعمين "للانقلاب على القضاء"، وفي المسيرة لهذا الانقلاب في شهر تموز/يوليو الماضي، حضر بوضوح الصهاينة المتدينون بشكل عام، والمستوطنون بشكل خاص، وكانت إحدى الهيئات التي روجت للمسيرة حركة "ريغافيم" التي أسسها سموتريتش.

ويعتقد مايكل سفارد، أن قانون إلغاء حجة المعقولية سيكون له أثره على حياة الفلسطينيين أيضًا وليس فقط الإسرائيليين. وهو الرأي الذي تؤيده جمعية الحقوق المدنية في التماسها ضد التعديل القانوني، ومن بين ذلك دخول الفلسطينيين إلى الخط الأخضر والقدس لتلقي العلاج.