15-نوفمبر-2018

ما زالت محكمة العدل العليا تنظر حتى يومنا هذا بطعونٍ مقدمةٍ إليها تتعلق بتقاعدٍ قسريٍ لعددٍ من الموظفيين العموميين المدنيين والعسكريين خلال العام 2017، بناءً على قرارين بقانون، واحد شمل المدنيين وآخر للعسكريين، استهدفا عدة مئاتٍ من الموظفين في قطاع غزة وفي الضفة الغربية. بعض المتقاعدين يكاد أن يكون عمرهم 35 عامًا، وبعضهم كانوا نشطاء حراك إضراب المعلمين، كما شمل التقاعد موظفين أكفاء لم تكن علاقتهم على ما يرام مع مسؤوليهم في بعض المؤسسات الحكومية التي يعملون بها.

الموظفون الذين أُحيلوا للتقاعد القسري بعضهم كانوا نشطاء حراك إضراب المعلمين، وآخرون لم تكن علاقتهم على ما يرام مع مسؤوليهم رغم كفاءتهم

غالبية المتقاعدين قسرًا آثروا عدم التوجه إلى القضاء للطعن بقرارات تقاعدهم المبكرة؛ لاعتقادهم بأن القضاء لن ينصفهم، فاستطلاعات الرأي تشير إلى تدني ثقة الجمهور الفلسطيني بعدالة القضاء  لتصل إلى 30% من الأشخاص المستطلعة آراؤهم، بل إن بعض المؤسسات الحقوقية ترددت في حمل هذه الملفات إلى أروقة محكمة العدل العليا بسبب الثقة المتدنية بالقضاء، فيما قررت مؤسسات أخرى المغامرة من خلال محاميها بتقديم هذه الطعون لمحكمة العدل العليا بغض النظر عن النتائج.

أهمية قرار محكمة العدل العليا لا يعود فقط للأثر المترتب عليه للطاعنين سواءً كان القرار لصالحهم سلبًا أم إيجابًا، بل سيعود أثره على خطة الحكومة القادمة لإجبار آلاف  الموظفين على التقاعد في ثاني حملة تقاعدية.

فقد أحال مجلس الوزراء الفلسطيني في جلسته التي عقدت بتاريخ 30/10/2018 إلى الوزراء مشروعًا للتقاعد في قوى الأمن يتيح للضباط التقاعد إن كانت أعمارهم لا تقل عن 35 سنة في بعض الرتب العسكرية، و40 سنة في رتب أخرى، ويمكنهم أن يتقاعدوا بناءً على طلبٍ منهم أو بصورةٍ قسريةٍ بناءً على طلب مسؤوليهم. وضَمِنَ القانون أن لا يقل راتبهم التقاعدي عن 70% من حقوقهم التقاعدية.  وكانت معلومات سابقة قد أشارت إلى إقرار مجلس الوزراء قبل حوالي شهر لمسودة مشروع قانون جديدٍ للتقاعد المدني يستهدف العاملين في الوزرارات المدنية، وهو بانتظار تقديمه للرئيس للمصادقة عليه حتى يصبح نافذًا. بالتالي سينجم عن القانونين الجديدين المتوقع تطبيقهما في بداية العام 2019 تقاعدٌ قسريٌ لمئات الموظفين الفلسطينين،  وبموجبهما  سيتم التخلص من بعض الموظفين الأكفاء لديهم لأسباب شخصية، وسيتم التخلص من بعض الموظفين المتكدسين في  هيئاتٍ عامةٍ لا يوجد لها دور وظيفي على أرض الواقع.

قانونان جديدان يُتوقع تطبيقهما بداية عام 2019، سيتم بموجبهما التخلص من بعض الموظفين الأكفاء لأسباب شخصية

تطبيق القانونين الجديدين مرهون بما ستؤول إليه محكمة العدل العليا في الطعون التي تنظرها، ويتوقع أن تنهي النظر فيها قبل نهاية العام الحالي، وقرار المحكمة سيحدد فعليًا مصير القانونين المقترحين.

 اللافت للانتباه أن غالبية القرارات التي اتخذتها محكمة العدل العليا خلال السنوات الخمسة الماضية كانت لصالح السلطة التنفيذية، وتقدر نسبة قراراتها الداعمة لقرارات السلطة التنفيذية أكثر من 90%، لكنها على خلاف ما ذكر سابقًا، فقد أصدرت خلال الأسابيع الأخيرة أحكامًا مفاجئة أقصي بموجبها موظفان في منصبين رفيعين في السلطة من وظيفتهما،  كانا يصنفان سابقًا أنهما الأكثر قربًا من المحكمة، وهذا أمرٌ وصفه بعض القضاة على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه بداية تمرد على السلطة التنفيذية، فيما رأى مراقبون آخرون تغيرًا في معادلة الصراعات في السلطة وتقاسم النفوذ، وبالتالي فإن الوجهة الحقيقية القادمة للمحكمة ستحددها القرارات المتعلقة بطعون الموظفين المتقاعدين قسريًا أمامها. فإن قبلت المحكمة الطعون فإن ذلك سيشكل ضربة قاسمة لتوجهات الحكومة في حملة التقاعد القادمة، وهذا أكبر تحدٍ للسلطة التنفيذية، فالمحكمة تكون بذلك قد قررت أن التقاعد غير قانوني، وسيصعب على الحكومة أخلاقيًا السير قدمًا في قضية التقاعد القسري. أما إن ردت المحكمة الطعون، فإن الحكومة سترى بذلك ضوءًا أخضر لفرض مزيدٍ من إجراءات التقاعد القسري، وهذا ما تصفه بعض المؤسسات الحقوقية بأنه مجزرة تستهدف الموظفين العموميين.


اقرأ/ي أيضًا: 

التقاعد القسري ينتظر نصف موظفي القطاع العام

بنود "كارثية" في قانون الضمان الاجتماعي

قانون الجريمة الإلكترونية: الأخ الأكبر يراقبك