18-يونيو-2024
الجيش والسياسة في إسرائيل

(Getty) نجح خط نتنياهو ليس في مهاجمة الجيش فقط، بل وضعه في حالة دفاع مستمر عن الذات

منذ عدة أيام ارتفعت وتيرة التسريبات والملاسنات التي يشهدها المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) بين المستوى السياسي من جهة، والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية من جهة أخرى، مما يشي بخلافات جوهرية فيما يتعلق بمستقبل الحرب على غزة ولبنان.

وتستخدم المؤسسة العسكرية والمستوى السياسي في إسرائيل، خلال تناحرهم الإعلامي، وسائل الإعلام والصحف والمحللين السياسيين والعسكريين من كبار الضباط السابقين والمفكرين الاستراتيجيين في السجال. القنوات والصحف الكبرى تصطف إلى جانب الجيش الإسرائيلي، على الرغم من حفاظها على حضور للصحفيين الموالين لنتنياهو، الذي تتبنى روايته القناة الـ14 الإسرائيلية، التي باتت من أكبر الأبواق الدعائية في إسرائيل إلى جانب أكثر الصحف العبرية توزيعًا وهي "يسرائيل هيوم".

ويحتدم السجال كلما سقط عدد من الجنود القتلى، وهو الأمر الذي يرافقه في العادة نشر أنباء عن "استعادة حماس عافيتها"، ويتخذ هجوم الجيش الإسرائيلي على المستوى السياسي شكل إبلاغ الصحفيين، أن حماس تفلح بترميم قدراتها بسبب امتناع الحكومة عن صياغة مخطط لـ"اليوم التالي".

الخلافات بين المستوى العسكري والسياسي في إسرائيل جدية، ولكن نتيجتها تكثيف القصف على غزة ولبنان

وحول الفكرة السابق، يمكن طرح مثال لأوهاد حمو مراسل الشؤون العربية في قناة الـ12 الإسرائيلية، الذي قال:" خلال الشهور الثمانية اﻷخيرة كما أرى، فإن حركة حماس كانت  على وشك اﻻنهيار أو التفتت مرة واحدة وذلك كان في خانيونس، خلال قتال ضار بشكل خاص، اليوم يمكن أن أقول لكم إن هناك إعادة بناء لهذه الحركة وهذه هي الحقيقة التي يجب قولها في كل مكان، وأنا أتحدث مع أشخاص يقولون لي إنهم  يرونهم، يرون عناصر حماس مثلًا في دير البلح وفي مخيمات الوسطى، حيث عادوا للعمل، وأجهزة اﻷمن التابعة لحماس عادت للعمل، الناس يرون المباحث العامة والمخابرات وهم مسلحون في الشوارع، لذلك فمن الواضح للجميع أن عملية رفح لن تشكل تغييرًا كبيرًا كما كنا نأمل، لذلك فإما أن يتم الذهاب إلى عملية أقوى بشكل خاص، أو أن نعيد التفكير من جديد في قضية غزة".

من جانبه، شكك المراسل العسكري في القناة الـ13 الإسرائيلية، نير دفوري، في جدوى العملية العسكرية في رفح على لسان ضابط رفيع في الجيش الإسرائيلي، قائلًا: "السؤال الذي يجب أن نطرحه وهذا ما سمعته من مسؤول عسكري: ’هل الضرر في هذه المرحلة يفوق الجدوى عبر مواصلة العملية العسكرية في رفح؟ لذلك يجب البدء بالتطلع اﻵن لنهايتها، وبحث كيف يمكن خلق بديل يدفع باتجاه التوصل الى صفقة تبادل’".

في المقابل، نقل المراسل العسكري للقناة الـ 14 الإسرائيلية أمنون روزين، عن عدد من الضباط المشاركين في العملية العسكرية على رفح، قولهم:" قيادة الجيش تكبل أيادينا، لكي نحرز النصر ونهزم حماس يجب على المستوى السياسي أن يفرض على قادة الجيش إصدار التعليمات للقوات في الميدان بهزيمة حماس في رفح".

لكن على الأرض وفي اختبار الميدان، تبدو رواية الجيش الإسرائيلي عبر أبواقه الإعلامية غير فعالة، فالدعوات للتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى أو بحث ما يعرف بـ "اليوم التالي لحكم حماس في غزة"، لم تسفر حتى الآن عن بلورة حالة ضغط واسعة النطاق تُجبر نتنياهو والائتلاف الحكومي على الاستجابة لمطالب لهذا الاتجاه، بل أن العكس هو الصحيح.

ورغم رمزية الجيش الإسرائيلي في العقلية الجمعية الإسرائيلية، نجح خط نتنياهو ليس في مهاجمة الجيش فقط، بل وضعه في حالة دفاع مستمر عن الذات، إذ حشره في قفص الاتهام، وصارت وسيلته المفضلة للدفاع عن ذاته "هي تكثيف الغارات على التجمعات المدنية سواء في غزة أو لبنان"، ولهدف وحيد وهو تفنيد مزاعم مقربي نتنياهو بأن الحرب توقفت منذ زمن في غزة.

وفي موجة جديدة من الاشتباك بين المستوى السياسي والجيش، ادعى المحلل السياسي في القناة الـ14 الإسرائيلية يعقوب باردوغو، والمقرب بشكلٍ خاص من نتنياهو، أن رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي "يسعى للحفاظ على حكم حماس في غزة وإنهاء الحرب".

بعد هذه التصريحات، وبشكل استثنائي، بادر المتحدث باسم جيش الاحتلال بالرد في بيان أبرز ما جاء فيه: أن "الادعاءات الأخرى، التي أثارها باردغو في الأيام الأخيرة، هي محض كذب ومحاولة للإضرار بالجيش الإسرائيلي ورئيس الأركان الذي يقوده، والذي يقود الجيش الإسرائيلي في القتال ضد حماس بتصميم كبير وبنتائج مهمة. علاوة على ذلك، فإن الشخص الذي يحدد السياسة تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل وقطاع غزة هو رأس المستوى السياسي، ويقع على عاتق الجيش الإسرائيلي تنفيذ التعليمات في هذا الشأن".

وحاول المحلل السياسي في القناة الـ13 الإسرائيلية أفيعاد غليكمان، تفسير دوافع الانتقادات والاتهامات التي تستهدف جيش الاحتلال وتبعاتها، بقوله: "الهجوم على المستوى العسكري لم يأت من فراغ، ففي جلسة الحكومة قال نتنياهو ما قاله عن الجيِش، ونجله يائير نشر تغريدة ضد قادة الجيش والشاباك، هذه الأمور لم تأت من فراغ، بل هناك أصابع خلفها، من أجل نزع الشرعية عن المستوى العسكري، وليقال مرة أخرى إنهم هم المذنبون. هناك أمر آخر، أنا خضت تجربة لبنان، وأعرف ماذا يعني أن نكون في لبنان، وأن نراوح مكاننا هناك، ففي اللحظة التي ﻻ يكون فيها ’اليوم التالي’، ونحن ﻻ نعلم من سيحكم غزة، وما هي السلطة التي ستكون هناك، فهذا ما سيحدث، كل يوم سيسقط قتلى، وكل يوم سيسقط جرحى من الجيش، وسنمر بكل ما مررنا به في لبنان على مدى أكثر من عشرين عامًا، وهذا ما سيحدث في غزة".

وعن هجوم الوزراء على الجيش الإسرائيلي، قالت المراسلة العسكرية للإذاعة العبرية العامة كارميلا منشيه: "مرة أخرى، يتم تفضيل المصلحة السياسية الحزبية للقادة على مصلحة دولة إسرائيل، لا يجوز نشر الغسيل القذر علنًا، هذا أمر ﻻ نوصي به في إسرائيل، ولن يبدو جيدًا بالنسبة للخارج أن الجيش والمستوى السياسي ليسا على تواصل و ﻻ يجري بينهما تنسيق، كان هناك خطأ، وكل خلاف من الممكن التجاوز عنه او استيعابه، دون فضح ذلك".

خلاصة التدقيق في السجال الدائر بين الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي أو لنقل تحديدًا نتنياهو وفريقة، لا يشير إلى أنه يقترب من النهاية بل أنه في منحى تصاعدي، خاصة بعد خسارة الجيش تمثيله في مجلس الحرب، إذ كان لديه من يمثله ويدافع عنه ويتبنى مواقفه، أي بيني غانتس وغادي آيزنكوت، والآن في كل اجتماع لـ"الكابينت" سيتعرض قادة الجيش والمخابرات للتوبيخ من إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش، كما رجح رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يدلين في لقاء أجرته معه القناة الـ12 الإسرائيلية، مؤكدًا أن ذلك يعني في الواقع يعني "استمرار الدوران والمراوحة في الدائرة المفرغة في غزة".

على أرض الواقع يعني مفهوم "المراوحة في دائرة مفرغة"، في غزة ولبنان استمرار العمليات الاستعراضية خصوصًا بالقصف الجوي بدون أي هدف عسكري أو سياسي وإنما "الدفاع" عن الجيش من المستوى السياسي وإشباع غريزة الانتقام التي تسيطر على الإسرائيليين منذ شهور طويلة.