06-أغسطس-2019

يتزامن هذا الحوار الخاص مع خليل الحية، نائب رئيس حركة "حماس" في قطاع غزة وعضو مكتبها السياسي، مع تطوراتٍ هامة في الساحة الفلسطينية، في ظل خطوات تقطعها الإدارة الأمريكية لإعلان "صفقة القرن"، وبعد إعلان الرئيس محمود عباس عن تشكيل لجنة لدراسة تنفيذ إلغاء الاتفاقيات مع إسرائيل، وفي ظل أنباءٍ تتردد من حين لآخر عن صفقة تبادل أسرى، وتقدم في "تفاهمات التهدئة" بين إسرائيل وحماس لإنهاء حصار غزة.

يتناول الحوار أيضًا، الزيارة الأخيرة التي قام بها وفدٌ قيادي كبير من حركة حماس إلى إيران، والتقى خلالها أعلى المستويات في إيران، وما أثارته من جدل وانتقادات للحركة.

س: نبدأ من القدس، قبل أيّام هدمت قوات الاحتلال عشرات الشقق السكنيّة لفلسطينيين في "حي واد الحمّص" بالمدينة، كيف تصف "حماس" مجزرة الهدم هذه، وفي أي إطار يُمكن أن نضع كل هذه الإجراءات الإسرائيلية على الأرض؟ 

ج: تأتي هذه الإجراءات الصهيونية وهذا التعسّف وهذا القهر والتطهير العرقي لشعبنا الفلسطيني في المدينة المقدّسة كخطوة ونتيجة من نتائج مؤتمر البحرين، وهي تطبيق عمليّ لجزء من "صفقة القرن"، التي تُريد أن تستهدف مدينة القدس وتُخليها للاحتلال وتُهجّر أهلها منها، ولذلك تأتي من وجهة نظرنا هذه الإجراءات في هذا السياق.

أيضًا تأتي هذه الإجراءات في سياق البلطجة الصهيونية، التي لا تُراعي ولا تُقيم وزنًا لكل القيم والأعراف الدولية، ولا للقوانين والمحاكم الدولية، فجدار الضمّ والتوسّع العنصري الذي حكمت محكمة "لاهاي" ببطلانه، الاحتلال لم يارعِ ذلك إطلاقًا وإنما ذهب ليطبّق ما هو أسوأ من ذلك، أن يعتبرهُ أمرًا واقعًا ويجعل له منطقة حرام يُدمّر هنا وهناك، مع أن هؤلاء لهم تراخيص رسميّة من السلطة الفلسطينية، لذلك نحن ننظر لذلك بعين الرفض والريبة، وهو مُؤشّر خطير على تصفية المدينة المقدّسة من أهلها، وهذا يستدعي تكاتف كل الجهود الفلسطينية والإقليمية لثني الاحتلال عن جريمته الجديدة بكل قُوة.

س: كما قلت هذه الإجراءات إحدى نتائج مؤتمر البحرين، لكن هذه الورشة فشلت بسبب الرفض الفلسطيني الواسع لها من كل مكونات شعبنا، ما هو مستقبل "صفقة القرن" بعد فشل مخرجات المؤتمر؟          

صفقة القرن، هي مجموعة أفكار ورؤى تتدارسها الإدارة الأمريكية الحديثة التي تحاول أن تعمل في العالم كما لو كان شركة خاصّة لدونالد ترمب وفريقه، دون النظر لحقوق الشعوب وإرث الشعب الفلسطيني والعالم والمنطقة، وهم يحاولون تجسيد وقائع على الأرض؛ لتثبيت "إسرائيل" كمكوّن في المنطقة تستهدف مقدّراتها وثرواتها، وتتمدّد بالتطبيع وتُنهي القضية الفلسطينية، وتستهدفها في شؤون اللاجئين، والقدس، والأرض، وفي الجولان، والأغوار.   

هذه الصفقة، تُحاول الإدارة الأمريكية تمريرها، لكن بوحدة شعبنا الفلسطيني وثباته، وتدعيم قُوى الممانعة والمقاومة في المنطقة، وتثبيت دول المنطقة الوازنة برفض هذه الصفقة؛ باعتقادي ستفشل، ولن تجد الإدارة الأمريكية مكانًا طبيعيًا تسوّق فيه صفقتها، إذا ما بقي الشعب الفلسطيني يرفضها، وإذا ما جمعنا القُوى الرافضة حولها.

خليل الحية: الإدارة الأمريكية تُحاول أن تشتري بالمال العربي الإرادة الفلسطينية وإرادة المنطقة

بعد تصدّع مؤتمر البحرين؛ تُحاول الإدارة الأمريكية أن تُغطّي فشلها بإجراءاتٍ وإقناعاتٍ مالية هنا وهناك، وللأسف هذه الإدارة تحاول أن تشتري بالمال العربي الإرادة الفلسطينية وإرادة المنطقة، لذلك سنقف سدًّا منيعًا في سبيل عدم تمرير ذلك، ولن تُمرّر هذه المشاريع ما بقي الشعب الفلسطيني فيه طفل وامرأة ورجل يرفضون ذلك، نحن على يقين كما أفشلنا مشاريع سابقة سنُفشل هذه المشاريع.

س: كما يبدو أن من بين أهداف الصفقة إعادة ترتيب مصفوفة الأعداء في المنطقة، إذ بات الاحتلال هو الصديق، بالنسبة لبعض الأنظمة العربية التي تُهرول باتجاه التطبيع معه، وإظهار عدوّ وهميّ للأمة العربية والإسلامية، هل هي كذلك بالفعل؟

ج: للأسف الشديد، المنطقة تعيش حالة من السيولة وتبدُّل القناعات والمشاريع، قبل سنوات قليلة كان الانتصار للدين والقيم والعروبة ولمعاني القوميّة العربيّة والإرث العربي والإسلامي ومعالم الوحدة العربية والإسلامية، هو كان الشعار والعمل.

اليوم، تُفتَّت المنطقة أو يحاول خُصومها وأعداءها تفتيتها ونهب خيراتها، وللأسف تفتّت هذه الدول، وبعض مكونات المنطقة من الدول الوازنة أو بعض الأنظمة في المنطقة تريد أن تُثبّت واقعها بأن تكسب رضى أمريكا و"إسرائيل"، ولذلك وكأنه أصبح اليوم أن ثبات بعض الأنظمة إرضاء لـ"إسرائيل" والتطبيع معها، ولم ينظروا لميراث الأمّة والواقع العربي والإسلامي.

هذا ما يُقلق المنطقة اليوم، لذلك تُحاول هذه الأنظمة وبعض قُوى المنطقة اليوم إرضاءً لأمريكا، أن تدفع المال والقرار السياسي الأمريكي، المتمثّل بكيفيّة تمدّد "إسرائيل" في المنطقة، وللأسف وجد ذلك مُسوّغًا، الإدارة الأمريكية اليوم تريد أن تُسوّق مشاريعها بخلق وقائع جديدة وأعداء جُدُد، وهذه تنسجم مع رُؤى وتطلّعات بعض الأنظمة بالمنطقة.

لذلك، للأسف الشديد عندما تكون "إسرائيل" على مدار 70 سنة وما زالت هي العدوّ المركزي للأمة؛ لأنها تحتلّ فلسطين، لا نجد مُبررًّا على الإطلاق أن تتحوّل "إسرائيل" هذه الدولة المارقة والسّارقة، لدولة حليفة في المنطقة، ويتسابق الجميع لإرضائها، بينما تُصبح المقاومة الفلسطينية التي تُقاوم الاحتلال فقط داخل الأرض العربية الإسلامية، فلسطين، عند بعض الأنظمة ومُكوّنات المنطقة عدوًا.

كيف تتحوّل قُوى المقاومة الفلسطينية كحماس والجهاد الإسلامي، لعدوّ لبعض الأنظمة، مع أنَّنا لم نُسئ لهم ولم نتدخّل في شؤونهم، كيف؟ هذه المنطقة تتبدّل، هل يُعقل أن تتحوّل أيضًا دُول وازنة كإيران، ومكونات كحزب الله، تُعادي "إسرائيل" هي العدوّ، كيف يأتي على خاطرة الدول العربية أن يجعلوا من هؤلاء العدو الجديد؟ هل يكون بذلك حمل راية الدفاع عن الأمّة وفلسطين، دينًا وعقيدةً ومشروعًا؟

نحن من يحمل راية مقاومة الاحتلال، كيف يحوّلنا البعض إلى أعداء؟ ولذلك هذا المخيف اليوم، أن تتحوّل "إسرائيل" جزءًا من المنطقة، هذه هي مصفوفة الأعداء التي لا نجد لها مسوّغًا ولا واقعًا، إّلا أن تتغيّر نظرتنا للدين والقومية والعروبة والواقع.

س: ننتقل إلى الشأن السياسي، قبل أيّام أعلن رئيس السلطة الفلسطينية وقف التعامل بالاتفاقيات الموقّعة مع "إسرائيل"، وأشار إلى أن هناك لجنة ستبدأ بوضع آليات لتنفيذ ذلك، دون ذكر مزيد من التفاصيل، كيف تصف "حماس" هذه الخطوة خصوصًا وأنها تأتي انسجامًا مع قرارات سابقة للمجلسين الوطني والمركزي لمنظمّة التحرير؟

ج: نظرنا إلى هذه الخطوة أنها تسير في الاتّجاه الصحيح الذي يجب أن ينبني عليه عملاً حقيقيًا يتجّه نحو الوحدة الوطنية، ولملمة شمل البيت الفلسطيني؛ لمواجهة مشاريع تصفية القضية الفلسطينيّة، ومواجهة مشاريع العدو الصهيوني، الذي يستهدفنا أرضًا ووُجودًا وحضارةً وثقافةً وواقًا ومستقبلاً.

هذه الخطوة تسير بالاتجاه الصحيح، إذا ما أعقبتها خطوات مباشرة، بمعنى أن تكون هذه الخطوة ضمن حالة الوفاق والإجماع الوطني، التي نُجمع على ضرورة قطع العلاقة مع الاحتلال، تبدأ بالتخلّص من إرث ومُصيبة "أوسلو" وارتداداتها، ويأتي في سياق ذلك وقف التنسيق الأمني، وملاحقة المقاومة، وإخلاء سجون السلطة برام الله من المعتقلين السياسيين، ورفع عقوباتها المفروضة على قطاع غزة، هذه بيئة طبيعيّة لتدلّل على مصداقية هذا التوجّه الذي نعتبره يسير بالاتجاه الصحيح.

خليل الحية: ينبغي أن لا يبقى رئيس السلطة في مربع التفرد، وقرار وقف الاتفاقيات يجب أن يتبعه اجتماع المكون الفلسطيني كله

وضمن هذا الإطار أيضًا لا ينبغي بقاء رئيس السلطة في مربّع التفرّد، فهو شكّل لجنة من فريقه لتنفيذ القرار، وأين باقي مكوّنات الشعب الفلسطيني، والحالة والوطنيّة التي ستواجه المخاطر؟ ولذلك خطوة إعلان وقف التعامل مع الاحتلال يجب أن يعقبها اجتماع المكوّن الفلسطيني كلّه، الإطار القيادي ولجنة تفعيل منظّمة التحرير، الأمناء العامّين للفصائل، يجتمعوا مباشرةً لوضع استراتيجية كاملة لمواجهة التحدّيات التي تستهدف القضيّة الفلسطينية، ومواجهة صفقة القرن ومخرجات مؤتمر البحرين، ومواجهة صلف الاحتلال وعدوانه.

نريد أن نرسم خارطة المستقبل معًا، إلّا إذا كان الرئيس أبو مازن يعتبر أنه لا شريك له في الوطن، لذلك إعلانه يسير بالاتجاه الصحيح، لكن يجب أن تعقبها الخطوات السابقة؛ لنصل إلى حالة الوفاق والوحدة الوطنية القائمة على الشراكة، ونأمل أن لا خطوته تكتيكيّة.

س: الفصائل الفلسطينية تدعو مرارًا إلى عقد الإطار القيادي المؤقت للمنظمّة، لكن كما يبدو هناك تجاهل من الرئيس محمود عبّاس وحركة "فتح" لهذه الدعوات، لماذا يرفض الرئيس عقد هذا الإطار؟  

ج: أبو مازن، يُريد أن يبقى متفرّدًا بالشأن الفلسطيني، أبو مازن يريد أن يقول وأن يُخطّط ويفعل دون أن يراجعه أحد، وبالتالي هو لا يريد أي جهة أُخرى وازنة في الشعب الفلسطيني تقوم بمراجعات حقيقية لمسار الحالة الفلسطينية كلّها، لذلك هو لا يريد أن يجمع الأمناء العامّين للفصائل، عيّن مجلسَيْن وطني ومركزي للمنظّمة على عينه، وعيّن لجنة مركزية لحركة فتح، وعيّن لجنة تنفيذية للمنظّمة، هذا ما يريده أبو مازن.

اجتماع الإطار القيادي المؤقّت للمنظّمة يعني اجتماع الكلّ الوطني الفلسطيني، وسيسمع رُؤى واضحة بأن هذا صواب وهذا خطأ، وباعتقادي أن هذا لا يريده أبو مازن، ولكن هذا سلوك سلبي وخاطئ والقضيّة الفلسطينية أكبر من الأحزاب والشخصيات جميًعا، القضيّة تحتاج الجهد الكامل والكل ّالوطني، بل وجمع الكل العربي والإسلامي والمناصرين جميعًا لنقف أمام التحدّيات.

س: في إطار المصالحة الداخلية، سمعنا خلال الفترة الماضية عن وجود ورقة مصريّة جديدة للمصالحة، أولاً ما حقيقة هذه الورقة؟ هل بالفعل عُرضت عليكم خلال زيارة الوفد الأمني المصري الأخيرة لقطاع غزة؟ حركة فتح تتمسّك بمصالحة على أساس اتفاق القاهرة/ 2017، ومن الحركة من أرجع رفض حماس للمصالحة إلى تلقّيها تعليمات من الخارج، كيف تردّ؟

القول بأن هناك تعليمات من الخارج هذه اسطوانة مشروخة لا نصيب لها من الواقع، مَدَدْنا أيدينا للوحدة الوطنيّة في 2017، وفعلنا ما لا يفعله أحد، وسلّمنا كلّ شيء، ولكن لم تتقدّم السلطة وحركة "فتح" بأيّ خطوة إيجابية نحو ذلك، إنما تريد أن تتفرّد وتعزل الآخرين.

المشكلة ليست بينَنَا وبين حركة "فتح" وحدها، المشكلة بين الحركة والسلطة من جهة وأغلب مكوّنات الشعب الفلسطيني من جهة أُخرى، وبالتالي نحن نقول لهم ادعوا الإطار القيادي ليقول قوله، بينا وبين الكل الوطني اتفاقيّات، السؤال: لماذا تتهرّب "فتح" من اتفاقيات المصالحة 2005 و2006 و2011 ويناير 2017؟

نحن نتحدّث عن منظومة اتفاقيّات وقّع عليها الكلّ والوطني، فلماذا هم يذهبون إلى إعلان اتفاقية جزئية تخصّ بعض آليات عمل الحكومة في غزة، وينسوا الحالة الوطنية العامّة؟ نحن أيدينا ممدودة لتطبيق كل ما تمّ التوقيع عليه من مارس 2005، حتى نوفمبر 2017، وهذا يحتاج كما قُلنا في كل الاتفاقيّات اجتماع الإطار القيادي المؤقت للنظر في هذا الموضوع.

خليل الحية: هناك مشكلة بين فتح والسلطة من جهة، وأغلب مكونات الشعب الفلسطيني من جهة أخرى

نحن نريد أن نُغادر مربّع القضية بين حماس وفتح، القضيّة بيننا ككلّ وطني، وبالتالي ما هي مشكلة الجهاد الإسلامي مع حركة فتح؟ ما هي مشكلة الجبهة الشعبيّة مع أبو مازن والسلطة وحركة فتح؟ وما هي مشكلة الجبهة الديمقراطية وباقي الفصائل؟ لذلك هناك نداءات من الكلّ الوطني لحل المشكلة العامّة.

نحن جاهزون في حركة حماس، أن نكون جزءًا من الحالة الوطنية العامّة، لتطبيق كل الاتفاقيات التي تمّ التوقيع عليها من مارس 2005 بالقاهرة، حتى نوفمبر 2017 بالقاهرة، مرورًا باتفاق 2011 بالقاهرة، ومخرجات يناير 2017 في بيروت، تعالوا لنطبّق ذلك، ويجتمع الكل الوطني، ما لمانع في ذلك؟ هذا ما تقوله حماس، ونحن جاهزون إذا اجتمع الكلّ الوطني بالموافقة على ما يتوافق عليه الجميع وسنطبّقه حتى لو خالَف رأينا.

س: هل ما زالت هناك جهود مصريّة تُبذل في إطار تقريب وُجهات النظر بينكم وبين حركة فتح، ودفع عجلة المصالحة إلى الأمام؟

ج: نحن نُرحّب بالجهد المصري في كل الأوقات، ونرحّب بأيّ جهد آخر، ونحن على استعداد أن نسمع من الأشقّاء في مصر كل شيء، ولكن في زيارتهم الأخيرة للقطاع لم نتسلّم من المصريين ورقة ولم يعرضوا علينا ورقة، ناقشنا معهم بعض الأفكار نحن والفصائل وليس وحدنا، لكن هذه الأفكار نناقشها على قاعدة تطبيق الاتفاقيات السابقة دون اجتزاء.

خليل الحية: مصر لم تقدم أي ورقة للمصالحة، وكل الأفكار ناقشناها نحن والفصائل معها على قاعدة تطبيق الاتفاقيات السابقة دون اجتزاء

س: بشأن مسيرات العودة وكسر الحصار في غزة، بعد نحو عام ونصف على انطلاقها، وما ترتّب عليها من تفاهمات لكسر الحصار برعاية مصريّة وقطريّة وأمميّة، ماذا حقّقت هذه المسيرات في بُعدَيْها السياسيّ والإنساني للفلسطينيين؟

ج: إبداع الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة الذي لا ينضب، في نهاية العام 2016 ومطلع العام 2017 أُعلن عن "صفقة القرن"، وكانت هناك محاولة لاستئصال القضيّة الفلسطينية، التي تراجع الاهتمام فيها إلى أبعاد متعدّدة، فكان الإبداع كيف نُعيد القضية الفلسطينية إلى وهجها، وإلى طاولة البحث والاهتمام الدولية والإقليمية والمحليّة.

فكانت مسيرات العودة عندما استُهدف حق العودة واللاجئين الفلسطينيين، عندما كان الاستهداف كانت مسيرات العودة، ولمّا كانت غزّة تُستهدف بإغراقها بالمشكلات والحرب الأهليّة والجوع أو الاستسلام، كان الشقّ الآخر من مسيرات العودة وكسر الحصار، بهذَين الشقَّين والهدفَين الرئيسيَين، أُعلنت مسيرات العودة وكسر الحصار، من يومها استطعنا تكذيب الرواية الصهيونية على مدار 70 سنة، وأن نُعيد الاعتبار للقضية الوطنية، القضية اليوم على مدار الأسبوع وفي كل أسبوع تَصدُر إلى العالم كلّه، مشهد الفلسطيني الثائر المقاتل المقاوم صاحب الحق، يقف أمام الدبّابة والجندي الصهيوني المُدجّج بالسلاح ليقول له بشكل سلميّ وشعبي أنا صاحب الحقّ، وأريد أن أعود إلى أرضي ووطني.

هذا المشهد، أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية ومثّل رافعة لها في شقّها السياسي، أيضًا في الشق الميدانيّ مثّلت مسيرات العودة حالة الإجماع الوطني الفلسطيني داخل قطاع غزة، لدرجة أن أَبعَدنا شبح الخلاف والخصومات، مسيرات العودة جسّدت حالة الوفاق الميداني بشكل شعبيّ وسلميّ، وأيضًا في المقاومة تمّ إنجاز غرفة العمليات المُشتركة في المقاومة المُسلّحة، لذلك أنجزت هذه المسيرات حالة والوفاق الوطني والجماهيري والشعبي والمقاوم، وأنتجتًا شعب يُقاوم بشكل سلميّ وجماهيريّ، ومقاومة تُسند هذه المسيرات، هذا في الشق السياسي والوطني والميداني والجماهيري.

أيضًا على صعيد تفكيك وتخفيف حصار غزة، أنا أقول بكل وُضوح إن الذين اتّخذوا قرار حصار غزة والمقاومة الفلسطينية قرارهم ما زال قائمًا، لكن أمام ضغط شعبنا على الاحتلال من خلال مسيرات العودة، وأمام حاجة الاحتلال لذلك يُحاول الاحتلال أن يُخفّف من حالة الحصار التي وصلت لأبعد مدى، لذلك بضغط المسيرات الاحتلال خفّف من منعه لأيّة خطوات للتخفيف من الخارج، لذلك اقدم الأشقاء في مصر وقطر على المبادرة الإيجابية، أنهما اغتنما فرصة رفع الاحتلال لبعض قيوده على شعبنا بالقطاع؛ فساهما في التخفيف من معاناته.

خليل الحية: مسيرات العودة خففت معاناة أهل القطاع، ونناصل لاستكمال تطبيق باقي التفاهمات

لذلك مصر على ما تقدمه من تسهيلات تجارية مع غزة وفتح معبر رفح البريّ بشكل متواصل، خفّف من معاناة أهل القطاع، وأيضًا قطر قدّمت معونات ماديّة، وصلت لثلاثين مليون دولار تأتي إلى غزة كل شهر، منذ أكتوبر 2018 حتى الآن، وهذا انعكس إيجابًا على أزمة الكهرباء، والأسر الفقيرة، وفُرص التشغيل المُؤقّت، لدينا ما يقرب من 10 آلاف عاطل وخريج يعلمون بالمنحة القطرية.

وأيضًا استفاد من المنحة لثلاثة شهور الموظفين بغزة، وما زالت مشكلة الموظفين قائمة، ولكن نناضل وسنتابع هذه القضية حتى يذعن الاحتلال في هذا الأمر، وأيضًا نحن ذاهبون لحلّ أزمة الكهرباء بشكل كبير بدعم الأشقاء في قطر، وتوسيع مساحة الصيد لتصل لأكثر من 15 ميلاً.

على الإجراءات الأُخرى نحن نُناضل من أجل استكمال تطبيق باقي التفاهمات، لكن الاحتلال يتلكأ يُراوغ ويحاول التملّص متذرّعًا بظروفه الداخلية، لكن نحن والفصائل نضغط على الاحتلال، ونُتابع مع الوُسطاء والأشقاء في مصر وقطر، والأمم المتحدة، سُبل إلزام الاحتلال بذلك. المسيرات مستمرّة، كحالة وطنيّة شعبيّة سلميّة؛ لانتزاع بعض حقوقنا التي سلبها الاحتلال بالحصار، والاستمرار في تحقيق الأهداف السياسية والميدانية والوطنيّة.

س: الإعلام العبري تحدّث مؤخرًا عن شرط جديديتعلّق بالمنحة القطريّة على وجه التحديد، وادّعى أنه جرى نقله للوسيط المصري، وهو تحويل أموال المنحة إلى مشاريع بنى تحتيّة فقط، لا أن يتم صرفها على الفقراء ومشاريع التشغيل المؤقت، هل ستقبل حركة "حماس" بهذا التلكؤ في تنفيذ التفاهمات ؟

ج: نحن نُدير مع أشقّائنا في قطر المنحة القطرية بما يعود بالنفع على كل مكوّنات شعبنا الفلسطيني، ولكنّ ما تم تثبيته منذ البداية أن الأُسر المستورة وأصحاب الحاجات سيبقى لهم نصيبهم، والتشغيل المؤقت سيبقى نصيبه، ووقود تشغيل محطّة توليد الكهرباء سيبقى نصيبها وإن كان هناك مشاريع تعود بالنفع على أبناء شعبنا لا مانع لدينا من دراستها، للاستفادة من هذه المنحة لأقصى درجات ممكنة.

س: هل من الممكن أن تُصرف مستقبلاً لموظفي حماس في غزة؟

ج: هذا الموضوع ما زال عالقًا، ونحن نُناضل ونتابع مع الأشقاء في مصر وقطر؛ للضغط على الاحتلال، من أجل التوصّل إلى حل في هذا الموضوع.    

س: في ظل تلكؤ الاحتلال في تنفيذ التفاهمات، وحصاره المفروض على القطاع منذ 13 سنة، وغياب أُفق المصالحة الوطنية، هل يُمكن أن تقود هذه الظُروف إلى مواجهة جديدة بين المقاومة والاحتلال؟

الحصار على قطاع غزة يومًا بعد يوم، رغم كل هذه الجهود، لكن لم يُسعف القطاع بأن يصل إلى العيش بكرامة، المُتوقّع أن تتصاعد حدّة الأزمات في غزة وتصل إلى لا يُحمد عُقباه، وهذا نحمّله للاحتلال بالدرجة الأساسيّة، وعلى كل الأطراف أن يُدركوا هذا الأمر. 

خليل الحية: كنا دومًا في موقع المدافع، وإذا تفاقمت الظروف الداخلية ستنفجر الأوضاع

ج: نحن لا نسعى إلى حروب، نحن نسعى إلى العودة وإنهاء الاحتلال، نحن نسعى لأن يعيش شعبنا بكرامة، ولكن إذا ما تفاقمت الظروف الداخليّة ستنفجر الأوضاع، وجاهزون للدفاع عن شعبنا؛ لأن الاحتلال من يسعى دائمًا للحروب، نحن لسنا سببًا لأيّة مواجهة في السابق رغم حقّنا في مقاومة الاحتلال، لكنّنا دومًا في موقع المُدافع وجاهزون لرد أي عدوان للدفاع عن شعبنا، إذا ما تطلّب ذلك.

س: في سياق آخر، بشأن ملف تبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال، الأخير يتذرّع بين الفترة والأخرى، وينقل عبر وسائله الإعلاميّة أن هناك حراكًا في هذا الملف، هل بالفعل هناك مباحثات حول صفقة تبادل جديدة؟

ج: نحن نرى أن تبادل الأسرى هو الطريق الوحيد للإفراج عن أسرانا في سجون الاحتلال، وهذا ما اعتمدته المقاومة الفلسطينية منذ بداية السبعينات حتى يومنا، وكان آخرها صفقة وفاء الأحرار قبل سنوات، أقول بكل وضوح إن الاحتلال الصهيوني يتلكّأ ويتلاعب وغير جاهز لإبرام صفقة تبادل جديدة، هو يكذب ويسوّق أوهام على شعبه، ويحاول أن يجعل من ذلك مادّة للانتخابات الداخلية.

خليل الحية: الاحتلال لم يتقدم أي خطوة عملية في صفقة تبادل أسرى، وهذا السلوك لا يخدم جنوده الموجودين في قبضة المقاومة

نحن في حماس جاهزون للدخول في صفقة، لكن الاحتلال لم يتقدّم أيّة خطوة حقيقية عمليّة في هذا الاتّجاه، وأقول هنا محذّرًا: هذا السلوك لا يخدم إنجاز صفقة، ولا يخدم الجنود الصهاينة الموجودين في قبضة المقاومة، وحماس وكتائب القسّام.

س: نأتي إلى الزيارة الأخيرة لوفد من حماس برئاسة نائب رئيس الحركة صالح العاروري إلى طهران، وُصفت هذه الزيارة بالتاريخية والاستراتيجيّة، ماذا يُمكن أن نفهم من ذلك؟

ج: هذه الزيارة ابتداءً من مستوى الوفد الزائر والمستوى الذي تمّ مقابلته بدءًا من القائد الأعلى للثورة علي خامنئي، مرورًا بكل مكوّنات الدولة الإيرانية، في سياق استهداف المنطقة ومكوّناتها، واستهداف القضيّة الفلسطينية، تأتي هذه الزيارة لنقول للعالم: حماس والشعب الفلسطيني لا يقبل بتهميش وشطب قضيّتهم، ولذلك نبحث ونطرق كل الأبواب حماية لقضيتنا، وأيضًا تذكيرًا لكل دول المنطقة أن ما تتعرّض له المنطقة من مخاطر يجب أن تتنبّه له تلك الدول.

خليل الحية: زيارتنا لإيران جاءت في سياق علاقات حماس المتوازنة بين كل مكونات الدول، ورفضًا لتهميش قضيتنا

نحن نسعى من هذه الزيارة وغيرها من الزيارات التي تأتي في سياق علاقات حماس المتوازنة بين كل مكوّنات الدول والعالم أن نجمع الدعم والتأييد وتوضيح المخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، وأيضًا تأتي هذه الزيارة في سياق تدعيم خيار الممانعة المقاومة أمام المشاريع الصهيونيّة، وأمام الرغبة الأمريكيّة في نهب ثروات المنطقة وتغيير معالهما، وقطع الطريق لمن يريدون الاستفراد بدول المنطقة أو بمكوّنات الشعب الفلسطيني، ونحن مُوقنون أن الزيارة ستنعكس إيجابًا على تثبيت ودعم شعبنا ومقاومته.

س: ذكرت دكتور أن من بين أسباب الزيارة دعم خيار المقاومة والممانعة، لكن هناك جزء أساسي وهو الدولة السورية، هل يوجد جهود من أجل عودة حماس إلى الحُضن السوري مجددًا؟

- لا تعليق


اقرأ/ي أيضًا: 

عوض عبد الفتاح: حزب التجمع كان خطوة ثورية وحان الوقت لتغيير برنامجه

عبد الرؤوف الحلبي: ربع مليون قضية تنتظر قصر العدل

محمد الكرد: غربتي لأمريكا لأحكي قصة وطن وليست نزهة