02-يونيو-2018

محمد الكرد من حي الشيخ جراح في القدس

"وصولي إلى الولايات المتحدة لم يكن مجرد هروب من واقع سياسي أو معيشي لا يُطاق، او مجرد نزهة، غربتي كانت لأروي قصة وطن عايش نكبات متتالية ويرفض الاعتراف بواقع مليء بآلام شعب مُحتل". محمد الكرد من حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، يقدّم نفسه بهذه العبارة.

محمد (20 عامًا) أعلن شغفه بالكتابة باللغتين العربية والإنجليزية منذ أن كان في السابعة، وسط عائلةٍ سبقته بحب الكتابة والشعر والخواطر مما لاقته من آلامٍ بعدما صادرت سلطات الاحتلال بيتها الكبير في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة عام 2009.

محمـد الكرد، ابن القدس، أعلن شغفه بالكتابة باللغتين العربية والإنجليزية منذ أن كان في السابعة

أولى ذكريات محمد الكرد مع الكتابة كانت حينما يستيقظ على أبياتٍ شعرية كانت تشدوها والدته أمام والده قبل أن ترسلها للنشر في صحيفة "القدس" المحلية، قبل أن يلتحق بكلية "سافانا" بولاية جورجيا جنوب الولايات المتحدة لتعلم فن الكتابة.

في شهر آذار/مارس، نجح محمد الكرد بإصدار مجلةٍ مصورة مليئة بالعناصر الديناميكية والتصميمات بعنوان: "راديكال بلانكيت". (بطانة متأصلة). الترا فلسطين التقى محمد الكرد وكان لنا معه هذا الحوار.

س: كيف بدأت كتاباتك؟

الكرد: شاركت في تمثيل فيلمٍ وثائقي بعنوان (هذا الحيّ لي) قبل سبع سنوات، وقد كان الفيلم يحكي عن عمليات إجلاء المقدسيين من حي الشيخ جراح على يد المستوطنين، حينها أدركت أن الأصوات يجب أن تتعالى تجاه قضية المشردين من منازلهم وما هو مستقبل هذه المدينة المقدسة، وما يملكه النشطاء والمتضامنون من تأثير، وقدرتهم على إيصال تفاصيل تلك الكارثة للمجتمع الدولي.

أن تكتب يعني أن تُتاح لديك ميّزة إطلاق صوتك، وبالتالي امتلاك قوة ونفوذ إلى حدٍ ما. أن تترعرع كفلسطيني شاب يعني أنك تكبر مع العديد من الأبواب الموصدة والكثير من قصص الإخفاق وأشكال القمع. لذا أنا أعدُ نفسي محظوظًا أنني أستخدم قلمي للتحدث في عالمٍ بلا قوة ولا سلاح ولا صوتٍ حُرّ.

س: كيف أثرت تجاربك في القدس على مواضيع كتاباتك؟

الكرد: يصفونني عادةً أنني أحمل توجهاتٍ سياسية، فكيف لا تؤثر القدس على موضوعاتي! إن وجبات العشاء العائلية في فلسطين مغمّسة بالآراء السياسية المؤيدة والمعارضة. كنت سعيدًا بالجدال مع أبي في أي قضيةٍ سياسية، رغم أنها لم تكن يومًا اختيارية؛ بل إن السياسة فرض كما تتنفس كل صباح ومع كل صياح ديك يُعلن شروق شمس جديد.

في أمريكا لا يكون هذا الحال مطلقًا. فالسياسة هنا نوعٌ من المحرمات، وسينظر الناس إلى سؤالهم عن ذلك أنه انتهاكٌ لخصوصياتهم، بخلاف الأمر بالنسبة لي أو أي فلسطيني آخر.

فالسياسة هو الأكسجين الذي تتنفس والتراب الذي تقف عليه، خصوصًا أن الفلسطينيين فقدوا الكثير من أرواحهم وسبل معيشتهم بشكلٍ أبدي بسبب أخطاء غير الفلسطينيين، لذا فإن الفن والحياة لا بد أن يكونا سياسييْن بامتياز.

س: هل تجد اختلافًا في كتاباتك بعد أن ذهبت إلى جامعة أمريكية؟

- ما أكتبه حاليًا ليس مفعمًا بالتأثير كما هو الحال لو كنت في القدس؛ فما زلت أواجه تحديًا كوني أعيش خارج بلادي. لكنني على أي حال استلهمت بعض التقاطع في صراعنا مع الإسرائيليين، ما يماثل الصراع بين الأمريكيين الأصليين والأفارقة السود.

س: ما هي قصيدتك المفضلة؟ ولم تُحبها؟

- "لماذا نرقص" هي الأحب إليّ. لأنها سيرة ذاتية تحكي دور المرأة الفلسطينية في المقاومة، فقد تربيت وسط عائلةٍ فيها الكثير من النساء والعمّات والخالات والجارات وما عانينه من الاحتلال. فالصور المطبوعة في مجلتي حميمية جدًا وقريبة من حياتي الشخصية ومنزلي المصادر، إضافةً إلى محادثاتي مع أصدقائي هناك وتجاربهم اليومية مع الاحتلال.

"لماذا نرقص" قصيدتي المفضلة، لأنها سيرة ذاتية تحكي دور المرأة الفلسطينية في المقاومة

س: ماذا تعنيه لك مجلتك المصورة؟ ولم أدرجت الكثير من الصور والتصاميم؟

- مليئة بالصور والتصاميم لأننا أمام عالمٍ لا يُحب القراءة، لذا فإن إدراج أشكالٍ مماثلة قد تعيد الناس إلى حب الشعر. وقد جاء غلاف المجلة باللون الأصفر الذي يشير إلى درجة التحذير، لذا أردت أن أجذب الانتباه تجاه قضايا غالبًا ما سيطويها النسيان.

"تاج الساق" و"الاستعمار في اللحم" هي أيضًا عناوين لقصائد كناية عن تأثير الاستعمار على النساء. فقد صوّرت أرجل العرائس المُدماة والمسيجة بالأسلاك الشائكة واللآلئ المدلاة منها على أنها هدف لقتل عطاء النساء داخل الجدار العنصري من استعمار مُتعطش لموارد تلك البلاد الواقعة تحت الاستعمار.

س: عادةً ما تشير في قصائدك ورسوماتك إلى جدتك "رفقة". ما تأثيرها على قلمك؟

- إنها مصدر إلهامي الكبير في كتاباتي. قد لا أستطيع تلخيص كل شيء حولها، لكنها إحدى الفلسطينيات اللائي عايشن تعقيدات وصدامات في حياتها. لفد استلهمت تكوين شخصيتي من سلوكها اليومي.

س: كونك فلسطيني، كيف تستمر تجاربك في التأثير على أعمالك الأدبية في الولايات المتحدة؟

- أعتقد أنني محظوظ كوني قادر على الحصول على التعليم في الخارج والاستفادة من صوتي في الإلقاء والحديث، لذا فأنا أستغل كل مناسبة لسرد واقعنا الفلسطيني.

ومؤخرًا صنعت صندوقًا على شكل هديةٍ كبيرة، ووضعت بداخله فستانًا مضرجًا بلون الدم يمثل ما فعلته العصابات الصهيونية بمذبحة دير ياسين، وبجانبه قميصٌ شبه محروق يمثل ما فعله المستوطنون بالشهيد محمد أبو خضير، وآخر عليه آثار إطارات سيارة للشهيدة الطفلة إيناس دار خليل التي دهسها مستوطن قرب رام الله قبل أربعة أعوام. كان ذلك في عرضٍ جامعي لطلبة الكلية، وقد شكل صدمةً هائلة لكل من فتح الصندوق.

لذا أنا هنا لأتلقى التعليم وأضع بعض الصور المؤلمة أمام العالم الآخر لما يحدث في فلسطين بشكل فني جذاب.

تمثيل حرق وقتل الشهيد محمد أبو خضير

تمثيل مذبحة دير ياسين

س: هل يمكنك التحدث قليلاً عن كتابك القادم بعنوان "رفقة"؟ وماذا ستناول؟

- ستكون "رفقة" مجموعتي الشعرية الأولى، وستتضمن مقتطفات حول كيف تشكلت المرأة الفلسطينية الثورية وخبراتهن في واقع تحت احتلال وكيف أثرن على شخصيتي. إنه يدور عن فئة مجتمعية لم تُوفّ قدرها من والدها أو جدها أو أخيها أو احتلال يُمعن في قتل نضالها.


اقرأ/ي أيضًا:

ربعي المدهون: الثقافة العراقية أفادتني في القصة القصيرة

أسامة العيسة: نكتب على حواف الجنس والسياسة والدين

أنور حامد: ما زلت مراهقًا.. ولا أعترف بالخطوط الحمراء