12-مايو-2019

بعد مضيّ عام تقريبًا على تناول مفهوم "الدبلوماسية الرقمية" نظريًا وعمليًا على الساحة الفلسطينية، بدأت نواة الدبلوماسية الرقمية بالتبلور والتشكّل كفعل سياسي ودبلوماسي "مضمونًا"،  والمعتمدة على الإعلام الرقمي "شكلًا وأداة" لنقل الرواية السياسية والإعلامية الفلسطينية. 

في هذا المقال سيتم التطرق إلى الجهود الفلسطينية في هذا الحقل المعرفي الحديث على الصعيدين المؤسساتي "الرسمي" والفردي "غير الرسمي" على حد سواء. والتركيز على "دبلوماسية توتير"، التي تنتهجها الإدارة الأمريكية في مقارعة الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية.

   من المهم جدًا التركيز على الدبلوماسية الرقمية لتمتين الرواية الفلسطينية وترويجها دوليًا  

مؤسساتيًا؛ بدأت وزارة الخارجية والمغتربين انتهاج استراتيجية وسائل التواصل الاجتماعي، فطوّرت صفحتها على "فيسبوك" باللغة العربية وبدأت بتحديثها وتغذيتها بالمواد الإعلامية كالبيانات الصحفية التقليدية وبعض الفيديوهات ومواد الفيديوغرافيك -القليلية نسبيًا مع ما هو مطلوب- والتي تتضمن أبرز نشاطات الوزارة وفعالياتها ومواقفها السياسية، ليتجاوز عدد المعجبين بالصفحة الـ22 ألفًا في أيار/ مايو 2019. 

اقرأ/ي أيضًا: الدبلوماسية الرقمية والحرب الباردة الجديدة

وأسست الوزارة صفحة أخرى باللغة الانجليزية تحت مسمى الدبلوماسية العامة الفلسطينية ذات محتوى أعمق وأكثر تركيزًا، معتمدة على تقديم مواضيع تتمحور حول مضامين القوة الناعمة الفلسطينية في مجالات مختلفة من الدبلوماسية العامة بما فيها الثقافية والفنية والسياحية وغيرها، واستندت إلى حدّ ما على نشاطات السفارات الفلسطينية في دول أوروبية أبرزها بريطانيا وبولندا، ما يستدعي بالضرورة المضيّ بهذا الجهد الهادف، والمقصود لتحقيق المبتغى منه، وبما يؤثر ايجابًا على نقل الحقائق والمعاناة الفلسطينية للعالم.
  
وبالتزامن مع تشكيل حكومة محمد اشتية، تم تفعيل صفحة على "الفيسبوك" اسمها "مكتب رئيس الوزراء - دولة فلسطين"، فاق عدد معجبيها الـ 160 ألفًا، وأبرز ما ميّز هذه الصفحة (مبدئيًا) بثّ تسجيل مرئي للمتحدث باسم الحكومة باللغة الانجليزية، أحمد الشامي، يستعرض فيه نتائج ومجريات اجتماع مجلس الوزراء. 

 

اقرأ/ي أيضًا: السلطة والفصائل سقطت في معركة الدبلوماسية الرقمية

أمّا على الصعيد الشخصي، فقد تضمن المشهد الفلسطيني المتعلق بالدبلوماسية الرقمية نشاطًا وحوارًا مهمًا، تمثّل في تغريدة للمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط "جيسون غرينبلات"، علّق فيها على مقال بعنوان "رسالة باسم الشعب للإدارة الأمريكية التي تفكر خارج الصندوق"، للكاتبة الفلسطينية دلال عريقات بشأن "صفقة القرن". وكان غرينبلانت قد علّق على موقف للكاتب الفلسطيني داوود كتاب، المستاء من الصفقة، قائلًا: "أعلم أنك لا توافق على سياساتنا لكنّي سعيد لأنك تؤيد ما هو صحيح"، ودعاه إلى البيت الأبيض للاجتماع معه.

كما هاجم غرينبلات الكاتب الفلسطيني عمر الغول على مقال له وصفة فيه غرينبلات بأنه مصاب بـ"متلازمة دوان"، ما دفع إدارة صحيفة الحياة الجديدة إلى نشر تنويه على صفحتها الأولى قالت فيه إن موقف الغول موقف شخصي ولا يمثل موقف الصحيفة أو سياساتها. وكان قد علق على منشور لمدير المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة "فتح" منير الجاغوب، داعيًا إيّاه إلى التوقف عن بث معلومات مضللة للشعب الفلسطيني على حدّ وصفه.

واستعرض تقرير صحفي نشرته "نيويورك تايمز" الأمريكية في السابع من آذار مارس الماضي، هجوم الرسائل الذي يشنّه غرينبلات عبر "تويتر" على قيادات فلسطينية منها حنان عشراوي وصائب عريقات، الذي اتهمه الأول بأنه يسعى لتشويه صفقة القرن. 

يبدو واضحًا أنّ غرينبلات كممثل للإدارة الأمريكية يسعى لإحداث اختراقات سياسية داخل المجتمع الفلسطيني، من خلال "دبلوماسية تويتر" التي يحاول فيها تجميل السياسية الأمريكية التي لا ترتقي لطموحات وتطلعات الشعب الفلسطيني السياسية والوطنية. 

من المهم جدًا التركيز على الدبلوماسية الرقمية لتمتين الرواية الفلسطينية وترويجها دوليًا، واستهداف مكونات أساسية في بنية المجتمع الغربي ولا سيما الأمريكي، والتصدي لمغالطات وتناقضات السياسة الأمريكية فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، بالمواد الإعلامية المستندة على المعلومة والمعرفة والحقيقة. 

كما إن من المهم التحضير لمرحلة ما بعد ترامب، وتركيز الجهود الدبلوماسية "التقليدية" و"الرقمية" حتى لا تصبح قراراته جزءًا دائمًا من السياسة الخارجية للإدارات الأمريكية، والتصدي لكافة المبادرات التي لا تلبي طموح  الشعب الفلسطيني، والمتمثلة بالانعتاق من الاحتلال.


اقرأ/ي أيضًا: 

أمن الشباب الفلسطيني الرقمي.. فراغ مؤسساتي مقلق

مستودع الأنيس الرقمي.. مركز بحجم عاصمة

وثّق.. أرشفة التراث الفلسطيني رقميًا