04-نوفمبر-2020

تتفاوت أسعار زيت الزيتون من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها، فبينما يمكنك شراء تنكة الزيت بنحو 400 شيقل في جنين مثلًا، فإنّ عليك دفع ثلاثة أضعاف هذا المبلغ لتحظى بنفس الكميّة من الزيت في بيت جالا شمال غرب بيت لحم. 

   يعتقد كثيرون أنّ الفرق الهائل في السّعر يرتبط بجودة زيت الزيتون. لكن هل هذا حقيقيّ؟ وهل العرض والطلب هو من يحدد السعر؟ أم أن هناك قصة أخرى؟ 

في التراث الشعبي الفلسطيني ثمّة مثل يقول "إن طلع صيتك، افرش ونام" ومما يعنيه أنه إذا ما سطع نجمك، أو اشتهرت بضاعتك، فلا تقلق بعد ذلك، كل الأمور ستكون جيّدة. 

تتفاوت أسعار زيت الزيتون من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها

اقرأ/ي أيضًا: ماذا عن إنتاج الزيت في فلسطين هذا العام؟

يقول رامز عبيدو مدير دائرة الزيتون في وزارة الزراعة، لـ "الترا فلسطين" إن الطلب على الزيت في مناطق جنوب ووسط الضفة الغربية هو ما يرفع سعره مقارنة بشمال الضفة التي يرتفع فيها العرض، حيث المساحات المزروعة بأشجار الزيتون هناك تفوق ما ما يزرع في وسط الضفة وجنوبها. فمحافظة جنين لوحدها تحظى بنحو رُبع زيتون الضفة.

المعيار الآخر في ارتفاع سعر الزيت وفقًا لعبيدو، أنّ أذواق المستهلكين ارتبطت منذ سنوات طويلة بزيتٍ من قرية أو بلدة معيّنة دون غيرها، ولا يعني ذلك بالضرورة أن زيت هذه المنطقة هو الأجود مقارنة بمنطقة ينخفض فيها سعر تنكة زيت الزيتون.

على سبيل المثال، يشير عبيدو إلى أنّ بعض المستهلكين ارتبط ذوقهم بزيت منطقة عصيرة الشمالية قرب نابلس، ويدفعون فيه سعرًا أعلى، إلّا أن ذلك قد لا يعني بالضرورة أنّه الأعلى جودة، فالمستهلك -غالبًا- لا يفحص جودة الزيت من حيث كثافته ودرجة الحموضة المثالية فيه وإنّما يتبع "صيت" زيت منطقة جغرافية على حساب أخرى.

وينفي عبيدو وجود علاقة بين المنطقة الجغرافية وجودة الزيت (أن لا تتعدى درجة حموضته 3.3)، لافتًا إلى أنّ ما يحدد الجودة يتمثّل في اتّباع الخطوات الصحيحة أثناء الموسم من القطف والجمع مرورًا بالعصر، ووصولًا إلى ظروف التخزين، مبيّنًا أنّ ذات قطعة الأرض قد تُنتج زيتًا عالي الجودة، وآخر غير جيّد، وفقًا لممارسات المزارع. 

    "ما حدا بقول عن زيته عِكر" أحد أشهر الأمثال الشعبية الفلسطينية عن ادّعاء جودة الزيت  

السبب الثالث لتفاوت أسعار الزيت، مثلما هو الحال في بيت جالا حيث سعر تنكة الزيت 1200 شيقل، يعود لـ "قدسية الزيتون" الذي كان مزروعًا على أراضي الكنائس والأديرة منذ القِدم، كما يوضح عبيدو.

وكان زيت الزيتون يستخدم قديمًا لإنارة الكنائس والأديرة، كما أنّ القديسين كانوا يستعملونه لدهن أجسامهم فهو دهن "الفرح" أو "الابتهاج"، فقد تحدّث الإنجيل المقدّس عن زيت الزيتون بوصفه "النور"، كما أنّ الخالق أقسم بالشجرة في القرآن الكريم، ووصفها بـ "شجرة مباركة"، و"يكاد زيتها يضيء"، وفي الأحاديث المنسوبة للنبيّ محمد (كلوا الزيت، وادهنُوا بِه، فإنه من شجرة مباركة).

وإضافة للاعتقاد العامّ بوجود زيت أعلى جودة من غيره، طبقًا للونه وطبيعة المنطقة التي جاء منها، وكذلك لوجود مناطق اشتهر زيتها، فيحاول مزارعوها الحفاظ على سعره، ثمّة معيار آخر ينبّه له الباحث في التراث الفلسطيني حمزة العقرباوي، ألا وهو وضع الفلاح الذي يبيع الزيت، فمن يحتاج المال يضطر للبيع ولو بسعر أقلّ، أمّا من عنده وفرة في الزيت وليس مضطرًا للمال، فإنه يسير على المثل الشعبي الذي يقول "خلي الزيت في جراره تا تيجي أسعاره)، وبعضهم لا يفكّر بالبيع أصلًا كما يقول المثل "اللي بدوش يجوّز بنته بيغلي مهرها"، فتراه يرفع السّعر كما يريد، كما أنّ بعض من يتوفر لديه المال، سيدفع ثمنًا مقابل الزيت، ولو كان عاليًا.

     "خلي الزيت في جراره تا تيجي أسعاره)، و"اللي بدوش يجوّز بنته بيغلي مهرها" أمثال عن ارتفاع/ رفع سعر الزيت   

ورغم أنّ "ما حدا بقول عن زيته عِكر" إلا أن العقرباوي يبيّن أن الكلمة الأخيرة اليوم فيما يتعلق بجودة الزيت للمختبرات التي أبطلت أحكامها كثيرًا من "القناعات" الشعبية فيما يخص جودة زيت بعض المناطق، فالمخيال الشعبي يركّز دائمًا على كثافة الزيت ولونه وثقله، وهي شكليّات ترتبط بطبيعة الأرض وتعرضها للحراة والهواء والمطر والرطوبة، لكنها لا تؤشّر بالضرورة إلى جودة الزيت من عدمها.

اقرأ/ي أيضًا: "الجيروعة" عُرس فلسطيني.. عروسه شجرة زيتون

بشير الصوص "رئيس جمعية بيت جالا لمعاصر الزيتون" يُشير إلى أنّ زيتون بيت جالا يتم تصديره بشكل جزئيّ للمغتربين والفلسطينيين في الشتات لـ "قدسيّته ولارتباطه بالأرض الفلسطينية على مدار آلاف السنوات"، وقد أصبح يطلب بالاسم.

ويلفت عبيدو إلى أن مزارعي بيت جالا استطاعوا أن يروّجوا ويسوّقوا زيتهم بالطريقة الصحيحة التي رفعت من سعر التنكة عدة أضعاف مقارنة بمنطقة أخرى. كما أنّ قِدم عُمر أشجار الزيتون في بيت جالا تجعل له قيمة معنوية أخرى؛ حيث يعود أصغر هذه الأشجار لمئتي عام على الأقل. 

 ابتلع الاستيطان الإسرائيلي نحو 3 آلاف دونم من أراضي منطقة المخرور في بيت جالا، والخطر يتهدد آلاف الدونمات الأخرى  

ويرى الصوص أن الزيت الفلسطيني جودته عالية بشكل عام، إلّا أن زيت بيت جالا يتميّز بجودته العالية إذ يحتوي على 22 عنصرًا غذائيًا من أصل 32 عنصرًا عالميًا. ويقول إن المزارعين هناك يتّبعون الخطوات الصحيحة في قطفه وعصره، وهو ما يجعله بهذه الجودة، وبدرجة حموضة منخفضة.

وبحسب أرقام وزارة الزراعة، فإنّ نحو 12.5 مليون شجرة زيتون مزروعة في فلسطين، موزّعة على أشجار مثمرة وغير مثمرة، تمتد على مساحة 860 ألف دونم، 33 ألف دونم منها في قطاع غزة، وسط توقعات بأن لا يتجاوز حجم إنتاج الزيت هذا العام 11 ألف طن وهو دون معدّل الاستهلاك السنوي، إلا أن الزيت المخزن من العام الماضي والبالغ 10 آلاف طن يُتوقع أن يفي بالحاجة.

أذواق المستهلكين ارتبطت منذ سنوات طويلة بزيتٍ من قرية أو بلدة معيّنة دون غيرها

اقرأ/ي أيضًا:

فوائد زيت الزيتون للبشرة

فوائد شرب زيت الزيتون على الريق

المسخن: تكامل خيرات البيت الفلاحي