16-مايو-2018

الشهيد بلال الأشرم

"صورة لشهيد مجهول الهوية". هذا الذي قرأته بمجرد أن دخلت "فيسبوك" البارحة، وبمجرد أن رأيت الصورة قُلت بلسان ثقيل: هذا طالبي العزيز "بلال الأشرم".

كان وجهه مُضرجًا بالدماء، لكنني عرفته، وتذكرت آخر لقاء كان بيننا. جاءني بعد امتحانات التجريبي الأخيرة، وسألني: كيف علامتي يا أستاذ؟ قلت له: رائعة! سألني: فوق التسعين؟! قلت له: نعم فوق التسعين. فأعاد السؤال: يعني فوق الخمسة وتسعين؟ قلت له: وبعدين معك يا بلال؟ فأعاد السؤال بابتسامته المعهودة، وبلهفه المعتاد: فوق الخمسة وتسعين يا أستاذ؟ قلت له: نعم فوق الخمس وتسعين، فمضى وهو يغني:

فُوق. فُوق. فُوق!

***

درّسته لعامين، لكن هذا العام كان بلال مختلفًا. بدا لي أكثر جدية، وأكثر اهتمامًا، وأكثر رجولة. كنتُ أشرح وأحدق في عيون طلابي، وما وقعت عيناي على عينيه إلا ورأيته وهو يبتسم، والآن أنا لا أتخيله إلا مبتسمًا.

***

جاءني ذات صباح: أريد رقم جوالك يا أستاذ. سألته: لماذا؟ أجابني: لأن أبي يريد أن يسألك عني. قلت له: لقد وقعت أخيرًا يا بلال. فابتسم قائلاً: ما بِقَعْ إلا الشاطر يا أستاذ. والآن وقع بلال، ولوقوعه وقع السيف على قلبي.

***

بريئًا كان، ورجلاً في الآن نفسه، وابتسامته تأبى أن تغادر نفسي، إنها تنتصر على صورته المضرجة بالدماء، وأشعر بأنه قريب ولم يغادر، وأقسم أنني أشعر بأنه هو الذي درّسني وعلّمني، وليس العكس.

***

البراءة تقتل أصحابها يا بلال. لكن عزاء البريئين أنهم يمرون في هذا الكون الظالم مرور النسيم الربيعي الفتّان، لا يعنيهم متى وإنما كيف يمرون. أما أين؟ ففي قلوبنا يستقرون. وهذي صورتك تحاصرني وتطوقني وتشعرني بعجزي وتأبى أن تغادرني.

***

سألته أول العام: ما هي استعداداتك؟فأجابني بيقين: ستراني يا أستاذ آخر العام! وبالدم رأيته، وبالدمع كَتَبْتُه.