28-مارس-2018

"الفكرة ممتازة. فقد تأتي ربة منزل لشراء الأدوات المنزلية، ويلفتها عنوان كتاب حول تربية الطفل أو تنمية مهاراته" يقول معاذ الكركي من الخليل، ويعمل مُحاضرًا في جامعة النجاح الوطنية، متحدثًا عن دار نشر في الخليل، سترى عند زيارتك لها على رفوفها كتبًا، وبإمكانك أيضًا أن تجد فيها طابقًا للأدوات المنزلية.

"دار العماد" تأسست كمكتبة عام 1985، ثم احتضنت الكتب كدار نشر عام 2012، وهي على بعد أمتار من "دوار الصحة" في سوق مدينة الخليل. سترشدك لافتة إلى مكتبة ودار نشر، ثم ما تلبث أن يُخبرك الباعة بتخصيص الطابق الأرضي للأدوات المنزلية، وفي الطابق الأول توجد بعض ألعاب الذكاء للأطفال والقصص، وعلى بعض الرفوف تحف منزلية ولوحات جدارية، في حين يجلس الرواة والشعراء والمؤرخون وفقهاء الدين والقاصة وعلماء النفس وأصحاب الفكر في الطابق الثاني.

"دار العماد" مكتبة ودار نشر في الخليل تبيع الكتب، والأدوات المنزلية في مقر واحد، فتجتذب الصغار والكبار من الجنسين

يُضيف الكركي، وهو أب لطفلين، أنه يذهب للمكتبة ليس فقط لشراء الكتب؛ بل للاطلاع على محتويات المكتبة التي تُشعره بالمتعة، وقد يشتري لعبة لذكاء الأطفال، وقد يقف محدقًا لدقائق في جديد الكتب، ويبقى ما يزيد عن نصف الساعة متجولاً في المكان الذي يضم حتى آواني الطبخ.

اقرأ/ي أيضًا: "من العالم إلى القدس" على جدران رام الله

هل الفكرة سليمة؟ سألنا وائل دنديس، مؤسس ومالك مكتبة ودار العماد، فقال إن الناس لم تجد أي  مشكلة في وجود معدات المطبخ مع الكتب في نفس المكان، ولكل قسم زبائنه، "بعض الأشخاص أتوا لشراء الأدوات المنزلية، ولدى علمهم بوجود الكتب أقبلوا عليها دون غيرها".

ويُضيف أنه يُعطي تعليماته للموظفين للاعتناء بالكتب أكثر، فالهدف ليس تجاريًا فقط، إذ تم إضافة "ستاند تبديل الكتب" الذي يُمكّن القُراء من استبدال كتبهم القديمة في البيوت بكتب الدار الجديدة؛ من باب تشجيع القراءة وتقدير المهتمين بها.

جنات الجنيدي، طالبة في الصف العاشر، تقول إن فكرة الجمع بين الكتابة و"الطبيخ" في إشارة لأدوات الطبخ "حلوة وتجارية مُربحة"، وتُضيف أنها أصبحت صديقة للمكتبة منذ عامين، وتأتي كل خميس لشراء كتاب، وأن عدوى الإعجاب بالمكتبة وحب زيارتها انتقل لأخيها الصغير.

"الكتب بتعطي لصحبتنا معنى". هذا ما قالته الطالبتان في الصف الحادي عشر، إيمان الشريف وملاك زيادة، فالأولى شاركت في مسابقة تحدي القراءة قبل ثلاث سنوات وتأهلت لمرحلة متقدمة، وساعدتها الدار في توفير الكتب التي ترغب في مطالعتها، وقد طلبت من والدها تخصيص إحدى غرف المنزل للكتب والقراءة.

الطفل يوسف دوفش، وهو في عامه الحادي عشر، يُبدي إعجابه بالمكتبة والعاملين فيها، "فهم يُحببون القادمين بالمكان، فليس بالضرورة أن يرغب بشراء كتاب أو لعبة حتى تدوس قدماه الدار، بل يأتي لزيارة العاملين الذين يبادلهم المزاح والأحاديث الشيّقة".

وعن بداية علاقته بالدار، يقول يوسف: "عمتي كانت تعمل هنا، وهذا ما شجعني على القراءة أكثر، وكانت رواية في قلب أنثى عبرية أول ما قرأته، بالإضافة إلى كتب أُخرى عديدة".

وعند زيارتك لدار ومكتبة العماد، ستجد فلسطينيين من أراضي 48 يرتادون المكان، ليس لأول مرة. تأتي الشابة سارة محسن من النقب إلى دار ومكتبة العماد بمعدل كل شهر تقريبًا، تقول: "تُباع الكتب هنا بأسعار معقولة بالمقارنة مع المكتبات الأُخرى، وجودة الورق أعلى فلا يتمزق الكتاب بفعل إعارته للأصدقاء والمُقربين".

فلسطينيون من أراضي 48 يرتادون مكتبة ودار نشر العماد في الخليل. وبإمكان روّاد المكتبة طلب ما يريدون من الكتب وتبديل القديم بالجديد

علي كنة من يافا، صديق "العماد" منذ سنوات، يقول إنه يشعر بالاستغراب كلما قصد المكان، "فهل يوجد من يقرأ الكتب إلى اليوم؟!". يُضيف، "كل شيء هنا مميز، ونظام العمل الداخلي في الدار يجذب الناس، والمحتويات الموجودة لا تخطر ببال أحد".

اقرأ/ي أيضًا: حرب الكلب الثانية: رواية خيال علمي تفتقر للخيال

في الطابق الأول، ألعاب تنمية عقلية للأطفال، ووسائل تعليمية ونماذج قديمة لوسائل الاتصال، مثل الكاميرات القديمة، وجهاز الراديو التقليدي، والهواتف، وأدوات الرسم والتزيين، والألعاب والمجسمات المتنوعة، وبعض الألعاب التي يمكن للأطفال استخدامها أثناء تواجدهم.

وبحسب العاملين، فإنه يتم تغيير الديكورات الداخلية بشكل دوري، بهدف إشعار الزوار بتجدد المكان، كما تُرتب الكتب بطريقة جاذبة؛ كأن توضع بعضها على شكل حلقة، أو هرم، بالإضافة إلى تقسيم المكتبة بحسب أنواع الكتب، كقسم الفلسفة، وقسم الرواية، وقسم الكتب الدينية وغيرها.

رفضت إخلاص الطويل عروض عمل في شركات تجارية والتحقت بالمكتبة؛ بسبب شغفها بالكتب، تقول: "تطورت شخصيتي إلى حدٍ كبير بفعل القراءة المكثفة، الحقيقة وجدت هنا نفسي (..) كما أن العمل في هذا المكان يُتيح للشخص التعرف على شريحة من الناس، لم يكن ليلتقي بها في أماكن أُخرى".

يحكي لنا خالد عصفور، من طاقم المكتبة، قصة "سبّورة الحكمة" التي يكتب هو أو أحد زملائه حكمةً عليها في كل يوم، ولا مانع أن يُشاركهم ذلك الزوار إن رغبوا. يقول: "أتولى ترتيب الكتب والمحافظة على نظافة الرفوف، فلا يصح أن تتجمع الغبار والأوساخ على غلافها، كما أننا نُريد أن يشعر المشتري باهتمامنا بالكتاب ليهتم هو بها أيضًا".

المدير التنفيذي للمكتبة نور إمريش، تحدثت عن علاقة قوية وسلسة مع روّاد المكتبة، يُقدمون من خلالها النصيحة والتوصية ببعض الكتب، ويجيبون على استفسارات الجمهور بشأنها، ويُقدمون قوائم بالكتب غير الموجودة، من أجل توفيرها في أقرب وقت.

وتشير إمريش إلى أن الخدمات المقدمة للناس تتعدى البيع والشراء، إلى عقد نشاطات دورية في الدار، وقراءة قصص للأطفال كل شهر، ومناقشة الكتب التي تُصدرها الدار. فيما يبيّن دنديس أن إدارة الدار تفكر في تخصيص طاولات ومقاعد للقراء على الرصيف المحاذي للدار، ومنحهم الفرصة للقراءة مجانًا.


اقرأ/ي أيضًا:

فداء سمار.. أن تجعل الطبيعة أداة للفن

بائع يكتب عن بائع

تذكار يوثق اللحظات السعيدة