19-يناير-2017

الطالبة التركية رقية على شاطئ بحر غزة

من "الجزيرة الفراتية" التي تمتاز بخصوبة التربة ووفرة المياه حيث دجلة والفرات؛ جاءت الطالبة التركية رقية ديمير لإكمال دراستها في قطاع غزة الذي يوصف بـ"السجن الأكبر"، مع إتمامه 10 سنواتٍ تحت الحصار.

فعلى غير العادة والمنطق، تجلس ديمير (26 عامًا) على أحد المقاعد الدراسية في الجامعة الإسلامية بغزة، لإكمال متطلبات درجة الماجستير في تخصص "الصحة النفسية المجتمعية"؛ في حين يبحث كثيرٌ من الشبان، والشابات أحيانًا، عن ثقبٍ يمكن من خلاله الخروج للدراسة أو العمل.

رقية وصلت إلى قطاع غزة المحاصر من ولاية ديار بكر التركية قبل ما يقارب خمسة أشهر للدراسة فيه، في حالةٍ تثير دهشة بعض السكان هنا، إلا أن هناك من يرى بغزة "وجهًا آخر للحياة والتعلّم".

رقية ديمير أتت من تركيا لغزة لدراسة الماجستير، وعبد الله أونيم ترك عمله في أندونيسيا وأتى لغزة طالبًا ثم تزوج فيها

تقول رقية إنها درست البكالوريوس في ماليزيا، وحينها كانت تجول في خاطرها أفكارٌ يعدها البعض صعبة التحقيق، ومن بينها إكمال دراستها "في المنطقة التي يعدّها المعظم منطقةً خطرة والدخول إليها مجازفة كبيرة، وهي غزة".

اقرأ/ي أيضًا: جامعات قطاع غزة: تعليم أم تجارة؟

وتضيف رقية، "كان هذا حلم طفولتي الذي أسررته في عمق فؤادي، وبقيت متشبثةً فيه مع نفسي، وكنتُ على يقينٍ بأن الحلم لن يتحقق إذا ظلَّ حبيسَ البال والخاطر".

وتواصل بلغة عربية غير متقنة، "بعد أشهرٍ من الإجراءات والاتصالات جاءني اتصالٌ قيل لي فيه: مبارك رقية.. إذّنك لدخول غزّة جاهز"، وتصف مشاعرها في تلك اللحظة مبينة، "لم تسعني الأرض من شدة الفرح".

رقية عاشت شهورها الأولى في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، أكثر المخيمات ازدحامًا وفقرًا في العالم، إلا أنها تعيش الآن في شارع الشهداء وسط غزة الذي يعد من أفضل شوارعها لطبيعته التجارية.

وترى أن صعوبة الحياة وعدم وجود كهرباء "لا يعني استحالة الحياة وأنها غير جميلة"، مضيفةً، "من قابلتهم خارج غزة يركزون على الماديات؛ إلا أن أهل غزة أبهروني بحميميتهم وقربهم من الغرباء أمثالي".

وتنشغل رقية هذه الأيام بإجراء المقابلات الصحفية والتعرف على المحيطين بها، أو التوجه إلى البحر، كونها تجيد ممارسة السباحة، "إلا أن قوة أمواج بحر غزة تحول دون تمكنها من هوايتها"، فتصف بحر غزة بأنه "قوي مثل أهلها".

لكنّ حكاية رقية ليست فريدةً من نوعها في القطاع المحاصر، فالشاب الأندونيسي عبد الله أونيم كان قد أتى في إحدى القوافل الإغاثية، لكنه أصر لاحقًا على العيش هنا والدراسة في إحدى الجامعات.

أونيم (34 عامًا) جاء لغزة بعد عدوان 2008 بأيام، وعاد لاحقًا لبلده؛ إلا أنه حنَّ للرجوع إليها عبر سفينة مرمرة عام 2010؛ تاركًا وراءه العمل في أحد البنوك الأندونيسية بعد تخرجه من بكالوريس المحاسبة في الجامعة المحمدية عام 2007.

ويلفت إلى أنه واجه صدودًا من قبل عائلته عندما أراد التوجه إلى غزة، وكانوا يقولون له: "تريد المقبرة، تريد الموت". ويعلق قائلًا: "أصررت على التوجه؛ وعندما عدت في بعض الزيارات بينت لهم الواقع بفلسطين والأمور التي يحياها أهلها".

ويدرس أونيم تخصص اللغة العربية في كلية الآداب بالجامعة الإسلامية، ويصف التخصص بعد الفصل الأول بأنه "صعب"، مضيفًا، "أحبها (العربية) وأتمنى أن أتحدثها بسهولة كأهلها، لأنها لغة الأمة والقرآن".

ويعمل أونيم حاليًا في دار القرآن الكريم الإندونيسية - فرع غزة، كما كان يعمل متطوعًا في إشراف وبناء المستشفى الأندونيسي شمال القطاع حتى 2012، لافتًا إلى أن "التطوع ونصرة الآخرين يشعرانه براحةٍ وسعادة داخلية".

وتزوج أونيم من فلسطينيةٍ ولديهما طفلين، وعمل على إنشاء وكالة "سوارا فلسطينا" لتبث الأخبار الفلسطينية باللغة الأندونيسية. كما ينشط على موقع فيسبوك بصفحة تجاوز عدد معجبيها 100 ألف، ينشر من خلالها الأحداث الفلسطينية خاصة المتعلقة بالمسجد الأقصى.

وحول الواقع في غزة، يقول: "عندما أجلس مع نفسي أقول: ما هذه الحياة! تترك بلد فيها كل شيء، وتأتي إلى منطقة الهروب (مصطلح أندونيسي للتعبير عن البيئة المحفزة)، فالوضع صعب، كل المعابر مغلقة حتى المساعدات تأتي عن طريق الاحتلال، إلا أنني صبرت عليها، ويومًا بعد آخر بت أتفهم الأوضاع، وهذا كله من الله الذي غرس فيَّ حب فلسطين والأقصى".

يدرس خمسة طلاب أجانب بينهم شابة في قطاع غزة، وجميعهم طلابٌ في الجامعة الإسلامية

ووفق مصدرٍ في وزارة التعليم العالي، يدرس في قطاع غزة خمسة طلاب أجانب بينهم ثلاثة من أندونيسيا، أما الرابع فهو طالبٌ ماليزي، إضافة للطالبة التركية رقية، وجميعهم يدرسون في الجامعة الإسلامية.

ويدرس ثلاثة من الطلاب الأجانب تخصص الشريعة الإسلامية، فيما يدرس أونيم اللغة العربية، إضافة لرقية التي تعد طالبة الماجستير الوحيدة بينهم.

ويرى الباحث في تقييم الكليات والجامعات الفلسطينية عطا درويش، أن وجود هؤلاء الطلاب في غزة له "رمزية موحية، ومعنى كبير"، مضيفًا، "هذه رسالة تعادل ألف قنبلة؛ فتعرض جامعات غزة للقصف، لا يعني خوارها؛ بل إنها تناطح بقوتها العلمية جامعات البلدان المستقرة".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

غزة.. و"بديهيات الحب" في "حارة العبيد"

بالصور: غزة.. هل يزيل الفن آثار العدوان؟

من غزة إلى بلجيكا.. مغامرة ينقصها الموت