لم يحقق انتقال الطفل أيهم ثلجي، المصاب بـ"متلازمة داون"، من الروضة إلى المدرسة، طموحات والديه، بل شكّل خيبة أملٍ وهما يشاهدان تلاشي ذكائه الذي برز منذ سنوات عمره الأولى، ما دفعنا لتسليط الضوء على مستوى الرعاية المقدمة لمثل هذه الحالات تعليميًا.
أيهم (7 أعوام) من بني نعيم في الخليل، الثاني بين أشقائه، خضع لفحوصاتٍ خاصةٍ أظهرت أن نسبة الذكاء لديه 80%، وإثر ذلك سجّله والده في روضة للأطفال ببلدة بني نعيم التي ينتمي لها، وتمكن من حفظ الأرقام والأناشيد في الروضة.
الطفل أيهم مصاب بـ"متلازمة داون" ونسبة ذكائه 80%، لكن عائلته منعت إتمام دراسته بعد تدهور سلوكه بسبب "ضعف اهتمام المدرسة"
تؤكد صبحة أبو عايش، مديرة رياض أطفال الشهيد غسان كنفاني التي درس فيها أيهم، أنه تفوق على أقرانه من الأطفال العاديين في الحفظ والقدرة على الاستيعاب والتفاعل مع زملائه، مؤكدة أنه في حال حصل على بيئة تعليمية مناسبة "سيغيّر الصورة النمطية عن أقرانه".
اقرأ/ي أيضًا: مدرسة جرزيم: سلام وطني وفاتحتان إسلامية وسامرية
وبحماسٍ شديدٍ، دفعت عائلة أيهم به إلى مدرسة الهلال الأحمر للصم وذوي الاحتياجات الخاصة في بني نعيم، معلقةً آمالها بحصوله على رعاية خاصة تُطور قدراته، غير أنها فوجئت وخلال أقل من أسبوع بتغيّر سلوكه، إذ أصبح يعتدي على إخوته، ولا يكترث للخراب الذي يحدثه في المنزل، بما يتناقض مع شخصيته وسلوكه سابقًا، وفقًا لوالده كايد ثلجي.
ويبدي ثلجي تذمرًا شديدًا من أداء مدرسة الهلال الأحمر، ويحمّلها المسؤولية الكاملة عن تراجع سلوك ابنه وتغيّر تصرفاته، إذ يرى أن ما حدث كان نتيجة قلة الاهتمام والمتابعة من قبل المعلمين والإدارة، ما دفعه إلى إنهاء علاقة ابنه بالمدرسة.
مديرة المدرسة خلود مناصرة أقرت من جانبها بوجود شكاوى من طرف أهالي الطلبة، وأرجعت ذلك إلى العدد القليل للمعلمات، الناتج عن ضعف الإمكانيات المهنية والمالية للمدرسة، مضيفة: "الدراسة مجانية، ونطالب وزارة التربية والتعليم بزيادة الاهتمام المطلوب للنهوض بالمستوى التعليمي لذوي الاحتياجات الخاصة".
وتأسست مدرسة الهلال الأحمر في بني نعيم عام 2004، ويدرس فيها حاليًا 30 طالبًا يعانون من الصمم، وقد ضمت سابقًا حوالي 05 طالبًا ذوي إعاقات مختلفة، قبل أن يتم تسريحهم، وهو ما تبرره إدارة المدرسة بانعدام الإمكانيات الناتج عن ضعف الدعم المقدم من الجهات المختصة بقضايا الإعاقة، وترك عدد من المعلمات المدرسة لعدم تلقيهن رواتبهن.
"ألترا فلسطين" حمل هذه الشكاوى إلى وزارة التربية والتعليم، فجاء الرد من محمد الفروخ مدير مديرية التربية في شمال الخليل، الذي قال إن المعلمات الأربع اللواتي يعملن في المدرسة حاليًا يكفين مقارنة بعدد طلاب المدرسة، مبينًا، أن المعلمات يتقاضين أجورهن من وزارة التربية.
وأضاف الفروخ، أن الوزارة عملت على تطوير مستوى المعلمات ومهاراتهن من خلال تدريباتٍ للإلمام بمتطلبات المنهاج التعليمي الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة، واعدًا في الوقت ذاته بإجراء زيارةٍ قريبةٍ للمدرسة والاطلاع عليها.
وينص الإعلان الخاص بحقوق ذوي الإعاقة على حقهم في التدابير التي تستهدف تمكينهم من بلوغ أكبر قدر ممكن من الاستقلال الذاتي والحق في التعليم. ويمكن اعتبار المادة "23" من اتفاقية حقوق الطفل، أول اعتراف واضح بحق الطفل ذو الإعاقة في التعليم أيًا كانت إصابته.
وحسب تقريرٍ صدر عام 2011، وأعده جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، فإن أعداد ذوي الإعاقة في فلسطين وصلت حوالي 113 ألف فرد، منهم 75 ألف في الضفة، أي 2.7% من مجمل السكان، و38 ألف في قطاع غزة، أي 2.4% من مجمل السكان.
وتأتي إعاقة التأخير في التعلم في الدرجة الثانية من حيث نسبة الإعاقات في الضفة الغربية وقطاع غزة، بنسبة 24.7%، بنسبةٍ أعلى في قطاع غزة منها في الضفة الغربية.
ويشير الفروخ إلى أن المدارس التي أُقيمت خلال السنوات الأخيرة في الضفة الغربية، اشتملت على أدراجٍ ومرافق خاصةٍ بذوي الاحتياجات الخاصة، مضيفًا، أن العمل جارٍ على دمجهم مع الأطفال العاديين في المدارس، وتشكيل لجان طلابية لكسر الهوة وتغيير الصورة النمطية عنهم، هذا إضافة لمجانية دراستهم في المدارس، وتقديم الجامعات منحًا لهم وفق نسب إعاقاتهم.
ووفقًا لقسم الإرشاد التربوي في مديرية تربية الخليل، يبلغ مجموع الطلاب ذوي الإعاقة في المدارس الحكومية 592 طالبًا، وفي المدارس الخاصة 219 طالبًا.
وتنص المادة (41) من القانون الفلسطيني، على أنه "في حالات الإعاقة الاستثنائية تلتزم الدولة بتأمين التعليم والتدريب في فصول أو مدارس أو مراكز خاصة".
ورغم ذلك، يؤكد إسلام التميمي مدير دائرة التدريب والتوعية في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وجود حواجز كثيرة تعوق سبل تعليم الأشخاص ذوي الإعاقة، من بينها الفقر واكتظاظ المدارس بالطلاب، وقلة المدرسين المدربين، وصعوبة أو تعذر الوصول إلى المرافق المدرسية، بالإضافة للمناهج التعليمية، ووسائط النقل غير المجهزة لوصول ذوي الإعاقة بسهولة لمدارسهم.
22.2% من ذوي الإعاقة في مناطق السلطة الفلسطينية تركوا التعليم عام 2011 بسبب إعاقاتهم
ووفق دراسة أعدتها الهيئة، فإن 76.4% من ذوي الإعاقة لا يستطيعون استخدام المواصلات العامة بسبب ضعف البنية التحتية، و34% لا يستطيعون تأدية نشاطاتهم الطبيعية بسبب عدم مواءمة البيئة، فيما اضطر 22% من ذوي الإعاقة لترك التعليم بسبب ما يعترضهم من معيقات وصعوبات.
ويؤكد التميمي، أن 22.2% من ذوي الإعاقة تركوا التعليم عام 2011 فقط، بسبب إعاقاتهم.
وتشير بيانات التعداد العام للسكان والمنشآت إلى أن أكثر من 40% مـن ذوي الإعاقة لم يلتحقوا بأي مدارس، وترتفع هذه النسبة من الـذين لـم يلتحقوا بالتعليم مع ارتفاع العمر، وأن نسبة الأمية في صفوف الشباب ذوي الإعاقة تصل إلى 58% في بعض الأحيان.
اقرأ/ي أيضًا:
الزواج المسيحي: سر الكنيسة وإكليل الانتصار