18-مارس-2017

أعلام فلسطينية بمسيرة مؤيدة لفلسطين في لندن - صورة تعبيرية (Getty)

في مدرسةٍ صغيرةٍ تحتل حيِّزًا صغيرًا في المركز الثقافي للطائفة السامرية فوق قمة جبل جرزيم، أو في قرية "لوزة" حسب التوراة المقدسة للسامريين، يصطف الطلاب من أبناء الديانتين الإسلامية والسامريّة في الطابور بين جدارين، لضيق المساحة التي خُصصت للباحة الرئيسية للمدرسة، من قبل لجنة الطائفة السامرية التي تحاول الحفاظ على هذه المدرسة، "لما تمثله من معانٍ ومفاهيم هامة للتعايش والتسامح في مدينة نابلس"، كما تقول.

من الطبيعي أن تستمع، إضافة للسلام الوطني، لترديد سورة الفاتحة في المدارس الخاصة والحكومية، فهي جزءٌ من تعليمات وزارة التربية والتعليم العالي، ولكن أن تُقرأ فاتحةٌ أخرى لديانةٍ ثانيةٍ هي الديانة السامرية؛ فهذا جديدٌ وغريب، وهذا ما تفعله مدرسة جرزيم المختلطة.

تضم مدرسة جرزيم في نابلس طلابًا وطالباتٍ مسلمين وسامريين، ويتلون في كل صباحٍ فاتحة القرآن والفاتحة السامرية بالعربية والعبرية

تأسست مدرسة جرزيم في عام 2002، وقامت فكرتها، حسب إسحق السامري سكرتير لجنة الطائفة السامرية، على تأكيد رمزية التعايش في مدينة نابلس، إذ يوجد فيها 62 طالبًا و طالبة من الصف الأول إلى الثامن الأساسي، وهي مدرسة مختلطة تضم "ذكورًا وإناثًا" و"مسلمين وسامريين"، ليس فقط من المسلمين الذين يقطنون جبل جرزيم، بل أيضًا من أطراف مدينة نابلس، ونصف طلابها تقريبًا من المسلمين، كما تضم سبعة معلمين، بينهم معلمان من الطائفة السامرية.

اقرأ/ي أيضًا: السامريون: لا ذِكرَ للقدس في التوراة وجرزيم قبلتنا

يقول إسحق، إن طلاب مدرسة جرزيم سواء كانوا مسلمين أو سامريين يتلون الفاتحتين باللغتين، "وهذا يؤكد على رمزيةٍ خاصةٍ لمدينة نابلس".

المدرسة، كما تقول مديرتها رفقة السامري، تابعة لوزارة التربية والتعليم، فيها دوامٌ صباحي، وهو الدوام الرسمي للمدرسة، ومسائيٌ للطلاب السامريين لتعلم التوراة السامرية؛ قراءةً وكتابةً وصلاةً، وبعد انتهاء مرحلة الدراسة للطلاب (الصف الثامن) في مدرسة جرزيم؛ ينتقلون إلى مدارس نابلس، "ولقلة عدد طلابها هي أقرب للمدرسة الخاصة منها للحكومية"، تقول رفقة.

تعتبر السامرية ديانةً رابعةً، وفق ما تبرزه من خلافاتٍ شديدةٍ بينها وبين الديانة اليهودية، فيما يتعلق بتوراتها التي تختلف بأكثر من ستة آلاف خلاف عن التوراة اليهودية، التي يتهمها السامريون بالتحريف والتزوير بعد السبي البابلي، إضافة للخلاف في مكان قبلتها التي تتوجه لها بالصلاة، فهي تؤكد أن قبلة بني إسرائيل هي جبل جرزيم، وأن ادعاء الاحتلال الإسرائيلي القدس قبلة للصلاة، ليس إلا تحديدًا سياسيًا.

وتتقارب الديانة السامرية مع الديانة الإسلامية، حسب الباحثين، في كثيرٍ من الأمور سواءً منها ما يتعلق بالعبادات أو الاعتقادات، ومن هذا التقارب، إضافة لطريقة أداء صلاتها التي تأتي بركوعٍ وسجودٍ، ووضوئها القريب مما نُص عليه في الإسلام، هو وجود فاتحةٍ تُقرأ في بدايات العبادات بل وحتى العادات.

وفاتحة الديانة السامرية، خارج نص التوراة وليست سورة منها، إلا أنها تكتسب قدسيتها من افتتاح النبي موسى - عليه السلام - بها خطبته الجامعة، التي ألقاها أمام بني إسرائيل في أواخر أيامه، حسب الاعتقاد السامري.

وتقول الفاتحة السامرية: "إن بسم الله مناداتي.. فأعطوا العظمة لربنا...القادر الكامل فعله. عادلٌ.. ومستقيمٌ هو". وهي تجمع في كلماتها التوحيد والإجلال لله، حسب قول علماء الطائفة القدماء، الذين جهدوا في تفسير كلماتها في كتبٍ خصصت لهذا الأمر، وهذه الفاتحة لا تعترف بها الديانة اليهودية.

ووفقًا للمديرة رفقة، فإنه "منذ أول يوم افتُتحت فيه المدرسة، تُقرأ الفاتحتان الإسلامية والسامرية، الأولى تُقرأ باللغة العربية، فيما الثانية تُقرأ باللغة العبرية القديمة، والطلبة المسلمون يتلونها بحسب حفظهم لها".

وتضيف، "علاقات الطلاب قويةٌ وهناك صداقاتٌ متينة، في الماضي كان أبناء الطائفة السامرية في مدارس مدينة نابلس يجلسون وحدهم في الاستراحة، أما الآن فليس بالإمكان التمييز بين الطلاب المسلمين والسامريين في مدرستنا".

وكانت لجنة الطائفة السامرية افتتحت المدرسة عام 1990، ثم أغلقتها عام 1998 لقلة طلابها، إلا أنه أعيد افتتاحها عام 2002، ولازالت قائمةً حتى اللحظة.

خارج قراءة الفاتحة السامرية تمارس مدرسة جرزيم نشاطاتها كأي مدرسةٍ أخرى؛ فشاركت في مسابقةٍ للرقص في 2013-2014، وحصلت على المرتبة الثانية.

كما شاركت المدرسة في مشروع LTD))، وهو مشروع تطوير المعلمين والإدارات المدرسية، الذي ضم 18 مدرسة من نابلس، "وكانت نتائجه على المدرسة ممتازة"، حسب المديرة رفقة، "حيث توفر إثرها أجهزة متطورة  تعادل المدارس الكبيرة في نابلس".

وتشارك مدرسة جرزيم خلال العام الدراسي الجاري في مبادرتين، الأولى، "مدرستي خالية من التدخين" لقسم الأنشطة والصحة، إضافة لمشاركة معلمةٍ في مسابقة الإبداع والتميز، في أساليب تدريس ومناهج طرق تعليم. كما أقامت زاوية تابعة لمبادرة "حراس البيدر" لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية.

وتبين رفقة السامري، أن المدرسة تواجه مشكلة في المكان، فهي تأخذ حيزًا من المركز الثقافي السامري، ولا توجد لديها مساحة كافية لباحة الاستراحة، إضافة لمعاناتها ماديًا، ما يحول بين أدائها "نشاطاتٍ ضروريةٍ وهامةٍ للطلبة"، رغم مساعدات المجتمع المحلي السامري، كما تقول.

المنهاج الفلسطيني لا يورد ذكرًا للسامريين إلا نادرًا، ونموذج الطالب لا يضع خيارًا للديانة السامرية

وتضيف، "نحن نُدرس حسب المنهاج مادة التربية الدينية الإسلامية، ولكن لا يوجد معلم لطلاب التربية الدينية السامرية إلا بعد أوقات الدوام الرسمية، كما أن المنهاج الفلسطيني وخاصة في مادتي الاجتماعيات، والتربية الوطنية لا يورد ذكرًا للسامريين، وقد ذكروا فقط في كتاب الصف السابع لقمة جبل جرزيم في نابلس".

وتشير رفقة السامري إلى أن نموذج الطالب في المدرسة لا يذكر إلا ديانتين، هما الإسلامية والمسيحية، يُضاف إليها خانة للديانات الأخرى، تُكتب فيها أسماء الطلبة السامريين، ما يمثل انتقاصًا لمكانة الطائفة السامرية كجزءٍ أصيل من المجتمع الفلسطيني.

اقرأ/ي أيضًا:

بالوثائق.. "مقام يوسف": لا يوجد إلا التراب والحجارة

"متلازمة الأدراج" تُهلك آثار نابلس

مكتبات مثقفي نابلس.. سيرة ضياع وتفريط