مقال رأي |
يشهد الفضاء الأزرق معركة حامية الوطيس، بين رئيس الوزراء السابق رامي الحمد الله، والوزير المستقيل شوقي العيسة.
و"الوطيس" كلمة لطيفة، لعلنا نأتي على ذكرها لاحقًا، ففي الفم ماء أولًا.
كل خصم يتهم الآخر بالفساد، والمؤسسة الرقابية الأهم في البلد "هيئة مكافحة الفساد" تراقب المشهد بصمت، وكأن الرجلين يتحدثان عن فساد في زيمبابوي.
ليس الوزير الذي فتح النار بعد أن خرج من المشهد، بأفضل من رئيس الوزراء الذي خرج أيضًا غير مأسوف عليه
وقد تصفحتُ صفحة الهيئة على الفيسبوك، فوجدتها تُحدَّث باستمرار، وهذا طيب، لكنها تنشر صورًا بروتوكولية وأخبار علاقات عامة حول "اتفاقيات لتعزيز التعاون المشترك"! ومع من؟ مع مؤسسات مدنية وعسكرية محلية!
عود على بدء، إلى "الطوشة" التي تملأ شظاياها منصات التواصل الاجتماعي.
يقول أحد الرجلين:
وإذا أتتك مذمّتي من ناقص.. فهي الشهادة لي بأني كامل
ويردّ الثاني:
أوكلّما طنّ الذباب طردتُّه.. إن الذباب إذًا عليّ كريم
ويتداعى مناصرو الطرفين ليصطفّ كل فسطاط خلف زعيمه، انطلاقًا من عصبية قبلية، أو فصائلية.
و"الفسطاط" كلمة لطيفة أيضًا، سنأتي على ذكرها، بعد أن "نبقّ البحصة".
أتذكر في هذه اللحظات قولة الحارث بن عباد، إذ اعتزل الخصومة بين البكريين والتغلبيين في حرب البسوس، التي وقعت بعد أن قتل كليبٌ ناقة البسوس، فقتل جساسٌ كليبًا، إذ قال: "هذه حرب لا ناقة لي فيها ولا جمل".
جاء في كتاب الله أن رجلين اختصما، فذهبا إلى داوود عليه السلام، وقالا: "خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تُشطِط واهدنا إلى سواء السبيل".
ومن لنا بداوود وحكمته، ليحكم بين الرجلين!
ولعلي أضيف كلمة "الشطط" للكلمتين السابقتين.
يخشى كثيرون أن يصيبهم سهم من السهام التي يصوبها كل منهما إلى نزاهة خصمه
المزعج في هذه الخصومة أنها تفتقد إلى بلاغة الهجاء وفروسية الشجعان.
نريد خصومة تشبه خصومة جرير والفرزدق، التي كانت بليغة أنيقة، وكان الرجلان نديّن حقيقيين، وفوق هذا، فقد تجنب الشعراء والنقاد التدخل بينهما. وحكاية تدخل الراعي النميري، واعتباره منحازًا للفرزدق، وما ناله ونال قومه من سبّة ببيت شعر عدّه النقاد أهجى بيت قالته العرب؛ ما زال صداها يتردد حتى الآن.
الكل -في العلن على الأقل- يراقبون بصمت، ولم يدلِ أي مسؤول بدلوه. يخشى كثيرون أن يصيبهم سهم من السهام التي يصوبها كل منهما إلى نزاهة خصمه. ونزاهة الكل ستكون في مرمى السهام.
وقد وجد الجمهور في هذه المعركة فرصة للتندّر على خلاف رجلين بعد أن اختفيا في الهامش، وعادا للظهور، لكن بطريقة تسيء إليهما.
ليس الوزير الذي فتح النار بعد أن خرج من المشهد، بأفضل من رئيس الوزراء الذي خرج أيضًا غير مأسوف عليه.
كلاهما في "الخداع" شرق!
الشجاعة الحقيقية أن تنازل خصمك في أرض المعركة، وأن تنازله وجهًا لوجه، وأمام الملأ. أما انتظار زوال قتامها، وبعد النزول عن الجبل، وانسحاب كل خصم إلى ركنه؛ فليس من البسالة في شيء.
في الحديث النبوي، "البيّنة على من ادعى"، وكلا الرجلين مطالب بإقامة الحجة على خصمه، بالبيّنات. أما إطلاق الكلام على عواهنه، فهو هامش لا قيمة له، وهو يشبه معركة "الحماة والكنّة".
أما الكلمات الثلاث؛ فـ"الوطيس" حفرة للخبز والشواء، ولعلها تشبه "حفرة الزرب"، وتستخدم للدلالة على شدة المعركة. و"الفسطاط" هم الجماعة من الناس. و"الشطط" هو الظلم والبعد عن الحق.
والله نسأل أن يزداد وطيس المعركة بين الفسطاطين، وأن يجنبنا الشطط في الحكم عليهما!
اقرأ/ي أيضًا: