تتحضر هدى طنينة (17 عاما) من بلدة ترقوميا شمال غرب الخليل، لارتداء "بدلاتها" (فساتينها) السبعة يوم زفافها، كما جرت العادة في كثير من قرى المحافظة، فالعروس هنا لا تكتفي بفستانها الأبيض، إنما تتنقل خلال ساعتي العرس بخفة وغنج بين الوردية والحمراء وتلك اللامعة والكاشفة وغيرها، حتى تعود لفستانها الأبيض.
لا تقل تكلفة الفساتين السبعة غالبًا عن 3 آلاف شيكل، وقد تصل إلى 10 آلاف شيكل
ترى هدى في "بدلات" الزفاف السبعة "طقسًا وعادة يجب عليها التمسك بها"، ورغم أن كثيرًا من بنات قريتها "تنازلن" عنها، إلا أنها مقتنعة بها تمامًا، "وأُحبُّ فكرة الظهور بلون آخر إلى جانب الأبيض، فذلك يزيد من بهجة العروس و فرحة العريس. ما أنا بالآخر بلبسله اياهن".
اقرأ/ي أيضًا: هل تكسر أعراس الفلسطينيين ظهورهم؟
قد تشتري العروس البدلات السبعة، أو تستأجرهن، وقد تشتري بعضهن وتستأجر البقية، هذا يعود لإمكانيات عريسها ماديًا، فهذه "البدلات" لا تُكلّف بالعادة أقل من 3 آلاف شيكل، وتزيد لتصل إلى 7 آلاف شيكل، وقد تصل إلى 10 آلاف شيكل أحيانًا، وهذا حسب سعر استئجار أو شراء البدلة.
تُعلق هدى على هذه التكاليف قائلة إنها "تُقدر الوضع المادي الصعب الذي يمر به الجميع"، ولذلك ستستأجر بعض الفساتين السبعة بدلاً من شرائها، وستستعير بعضها الآخر من صديقاتها، "وهذا أمرٌ مقبول بين الفتيات المقبلات على الزواج" وفق قولها.
ساجدة فريد (25 عامًا) من بيت أولا غرب الخليل، حصلت على الماجستير في علوم الأحياء الدقيقة في جامعة توبنجن الألمانية، وهي اليوم أمٌ لطفلة عمرها (3 سنوات). يوم زفافها بدّلت ساجدة سبع "بدلاتٍ" دون أن تعلم أن هذه "عادةٌ لها تاريخ"، كما قالت.
أضافت ساجدة، "الكثير من الفساتين لا يمكن أن ألبسها إلا في هذه المناسبة، كالساري الهندي أو القفطان المغربي، واليوم أنا أملك في خزانتي الكثير من الفساتين باهظة الثمن، ولن أفكر بلبسها يوما".
وتابعت، "أنصح الجميع بالاستغناء عن هذه العادة، فهي مرهقةٌ لجيب العريس وطاقة العروس، ويمكن الاستعاضة عنها برحلةٍ إلى جزر المالديف مثلاً".
خلال بحثي عن معلوماتٍ أخرى حول هذه العادة، اكتشفت صدفة أن أمي في زفافها عام 1971، بدلت أيضًا أربعة فساتين يوم زفافها، تقول: "لم يكن فرضًا أن تبدل العروس سبع بدلات، ولكن كان هذا الرقم كحدٍ أقصى".
قبل عقود، لم يكن شرطًا أن ترتدي العروس سبعة فساتين، لكن هذا العدد هو الحد الأقصى
وتضيف، "دخلت على الحاضرات بالبدلة البيضاء، ثم بدلتها بزرقاء موديل شوال، ثم صفراء (رموش صباح) -كانت الموضة الدارجة آنذاك- ثم بدلة سيتان بيدوي سوداء ثم زهرية، وعدت مجددًا إلى البيضاء".
اقرأ/ي أيضًا: مزادات الفرح في فلسطين
وتابعت، "ما إن تبدأ العروس رقصتها الأولى حتى تهاهي لها أم العريس:
اويها عروستنا يابيضة ويا غية
اويها بنت الأجاويد وكنة الأفندية
اويها جهزتلك السبع بدلات مطوية
اويها وللعريس ملبوس الأكابر طقم الأفندية
ثم تطلق النسوة الزغاريد لتملأ أرجاء المكان فرحًا وصخبًا، ويتقافز الصغار لالتقاط الحلوى التي يرشها العروسان على رؤوس الحضور".
كرّرت أمي جملة تتفق عليها النساء الكبيرات بأن "زماننا غير"، موضحة أن هذه الفساتين كانت أسعارها "معقولة"، ولم يكن مُحرجًا بالنسبة للعروس أن تلبسها في مناسباتٍ أخرى بعد زفافها، فتوفر بشرائها على زوجها ونفسها تكاليف إضافية، "لكن بنات اليوم لا يتجرأن على تكرار ما يلبسن، ويعتبرن ذلك فخًا يقعن فيه بألسنة الحاضرات اللواتي ينتبهن لكل شاردة وواردة" كما قالت.
يذكر أن هذه العادة كانت موجودة في اللد وعسقلان أيضًا، حيث كانت النسوة تصْطف على الجانبين وتسير العروس في الوسَط ذهابًا وإيابًا تمامًا كعروض دور الأزياء، ويكون وجهها باتجاه العريس الذي يجلس أمامها، وفي يديها الشموع، وتغيِّر العروس البدلات السبع الواحدة تلو الأخرى، على أنغام الطبلة أو الدربكّة والأغاني الخاصة بكل لون فستان.
خلال بحثنا وجدنا أن هذه العادة مازالت موجودة حتى يومنا هذا في دول سوريا والأردن والعراق أيضًا.
اقرأ/ي أيضًا:
المهور حين كانت قمحًا أو ثورًا أو أرضًا