16-يوليو-2017

"عريس ولّا عروس؟" هكذا تُسأل الأم الحامل عن جنس جنينها عند معرفة الناس بخبر الحمل. أمّا عند الولادة فيختار الأهل والأقارب وأحيانًا الأطباء أن يُطمئنوا السائلين عن صحة الأم والطفل بالإجابة بأنّها بخير، وأنّها أنجبت عريسًا بصحة جيدة، أو عروسًا مثل القمر!

  استبدال كلمة بنت بعروس وكلمة ولد بعريس لا ينتهي أبدًا، لدرجة أنّ الكلمتين باتتا تقريبًا مترادفتين وفقًا لاستخدام الناس لهما 

استبدال كلمة بنت بعروس وكلمة ولد بعريس لا ينتهي أبدًا، لدرجة أنّ الكلمتين باتتا تقريبًا مترادفتين وفقًا لاستخدام الناس لهما. وترادف الكلمات هو أن تختلف الكلمتان لفظًا وتتحدا بالمعنى. وبهذا يصبح استبدال الكلمتين ببعضهما أمرًا لا يثير الاستغراب، فكلمة عريس أوعروس ترافق الطفل خلال طفولته، ويكثر استخدامهما في لحظات التعبير عن حب وفرحة العائلة بأطفالهم، فتراهم يغازلونهم  بها، فمثلًا عندما يرتدي الطفل ملابس جميلة يخبرونه بأنه يبدو جميلًا مثل عريس. وفي عيد ميلاده يستبدلون عبارات التهاني والأمنيات ويختصرونها  بقولهم "عقبال ما نشوفك عريس"، وفي هذه الجملة يضعون خلاصة حُبّهم من خلال هذه الأمنية، التي بالنسبة لهم تحتوي على أعظم سعادة يمكن للإنسان بلوغها.

الترادف بين الكلمات المتعلقة بتحديد جنس الإنسان (ذكر/أنثى) والكلمات المتعلقة بحالته الاجتماعية (متزوج/أعزب) يستمر طوال العمر، ويأخذ أشكالًا جديدة وغير مباشرة أحيانًا، ففي كل تهنئة بالنجاح في الدراسة أو أيّ انجاز في العمل ترافقها عبارة "عقبال الفرحة الكبرى" والفرحة الكبرى هي الزواج، فمهما بلغ الإنسان من أفراح وإنجازات، فإن الزواج هو أكبر حدث يمكن أن يحدث للإنسان. وبالمقابل فإنّ غياب هذا الحدث من حياته يعني أن كل شيء قام به يعتبر ناقصًا، بل وأحيانًا تعتبر حياة هذا الشخص مكانًا مناسبًا لممارسة الشفقة أو النميمة أو كلاهما.

وبمعنى أخر يمنح عدم الزواج قيمة أقلّ للأفراد، وبينما قد يكون أكثر رحمة مع الذكور الذين لم يصبحوا "عرسانًا" بعد، فإنه لا يتوقف عن دفع النساء العازبات إلى منطقة منبوذة مليئة بعلامات التعجُّب والاستفهام.

قد تعتقد أنّه من الجنون أن نحلل ونفكك كل كلمة ينطق بها الناس، ونحاول معرفة كيف أثّر فهمهم لها على حياتهم  الشخصية بدايةً، ثم لاحقًا على منظومة المجتمع ككل. وقد يبدو من غير المنطقي ربط هذه الكلمات البسيطة التي تخرج  من الناس بشكل عفويّ، وبحكم العادة والتكرار مع مشاكل اقتصادية واجتماعية يعاني منها المجتمع، ولكن صدّقني عندما يتعلق الأمر بالزواج فهناك الكثير من المشاكل الاجتماعية التي بدأت مع جملة "عقبال الفرحة الكبرى"!

يعيش أكثرنا حياة بسيطة، لكنّ أعراسنا ليست بتلك البساطة! وقد يعود ذلك إلى القيمة الاجتماعية الكبيرة التي يمنحها الناس للزواج

تقول صديقتي: لماذا نعتبر الزواج حدثًا كبيرًا رغم أنّه حتى الحيوانات تتزاوج؟ لم يكن ما قالته صديقتي مضحكًا كما بدا لي في البداية، بل أعتقد أنّ الزواج هو حدثٌ كبيرٌ فعلًا، مبدئيًا لأنه مرتبط بالجنس، ففي المجتمعات التي تُحرّم فيها العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، سيكون الزواج وحفلته حتمًا حدثًا مُهمًّا، ولكن ومهما كانت قيمة الزواج فأنّه أمرٌ حزين أن يخصص الناس النصيب الأكبر من مشاعرهم وأموالهم وأحلامهم على جزء من حياتهم، بينما يتركون باقي الأجزاء دون أي دعم، دون أي غطاء يكفيها ماديًا ومعنويًا.

بينما يعيش الكثير من الفلسطينيين حياة بسيطة، فإن الأعراس الفلسطينية ليست بسيطة كما نتوقع، وقد يعود ذلك إلى القيمة الاجتماعية الكبيرة التي يمنحها الناس للأعراس. فحفلات الزواج والتي تمتد لثلاث أيام متتالية أو أكثر حسب عادات المنطقة وتقاليدها، كفيلة بأن ينفق فيها الفلسطينيون أموالًا جمعوها على مدار سنين طويلة، وهذه النفقات لا تتمثل في سلع تحافظ على قيمتها ويمكن الاستفادة منها لاحقًا مثل الذهب مثلًا، بل هي عبارة عن سلع استهلاكية لا قيمة لها إلّا خلال الحفلة مثل وجبات الطعام وتكاليف قاعات الأفراح والفرق الموسيقية والألعاب النارية، وتفاصيل أخرى كثيرة قد تجعل الشاب- الذي وللأسف غالبًا ما يتحمّل وحده دون شريكته تكاليف الزواج- يبدأ حياته الجديدة بالكثير من الديون.

"نحن الذين نعاني كثيرًا أتركونا نفرح" هكذا قد يبرر البعض الهوس بالأعراس والمبالغة بتكاليفها، ولكن وكشعب يعيش تحت الاحتلال علينا أن ندرك أن نمط حياتنا اليوميّ هو معركتنا الحقيقية مع الاحتلال. وأنّ هذه المعركة الوجودية الطويلة الأمد معركة اقتصادية أيضًا، فليس مهمًا فقط أن نكون موجودين على الأرض، بل الأهم هو شكل هذا الوجود وعلى ماذا نستند فيه.

أيُّها القارئ العزيز إذا اتفقت مع بعض ما جاء في المقال فستبدو مقدمته لك الآن منطقيّة أكثر، وسترى كم هو مرعب أن نولي حفلات الزواج كل هذه القيمة؛ وستتوقف عن مناداة الأطفال بعريس وعروس، وستكون أكثر حذرًا عندما تختار النهايات السعيدة لقصص ما قبل النوم التي تقرأها عليهم.

عندما تبدأ بالتفكير هكذا ستستفزك نشرات الأخبار لأسباب جديدة كأن يقول المذيع مثلًا:

  • "وأدلى الناخبون بأصواتهم في أكبر عرس ديمقراطي شهدته البلاد".
  • "البلاد تحيي ذكرى النكبة بعرس شعبي ضم كافة الأحزاب والتنظيمات".
  • "تُعرف مدينة يافا بعروس فلسطين".
  • "شيّع الفلسطينيون شهيدهم في عرس وطني مهيب".

اقرأ/ي أيضًا:

مزادات الفرح في فلسطين

غزة.. و"بديهيات الحب" في "حارة العبيد"

الختامة.. فرحة اندثرت في نابلس