23-يوليو-2018

صورة توضيحية تُظهر عسلاً طبيعيًا تم إنتاجه في أحد مناحل غزة - gettyimages

لم تمر ساعة على تناول الحاجة "أم حسين طوباسي"، ملعقة العسل، حتى انكمش وجهها، وصار يتصبب عرقًا، ثم شعرت بالعطش الشديد. لاحظ حسين التغيير على حالة والدته مريضة السكري، فسارع لإعطائها جرعة "الأنسولين" لتضبط معدلات السكر التي ارتفعت  لديها إلى مستوى خطير.

لم يتوقع حسين، أن تكون هذه المضاعفات التي حصلت لوالدته هي ناتجة عن تناول العسل الذي اشتراه لها من أحد المزارعين في مدينة رفح، فقد وصفه الأطباء لها على أنه علاج يساعد مرضى السكري عمومًا في الحفاظ على مستوى السكر الطبيعي في الدم، وكذلك في التئام الجروح بسبب خصائص يحتوي عليها، يُفقدها المرض من أجسامهم، وأيضًا يسهم في خفض الوزن، وهي مشكلة يسببها المرض.

عسل مخلوط بالسكر والماء، وعسل مطبوخ، يُباع في غزة لمرضى السكر والأطفال على أنه عسل طبي

بعد ما حدث، توقفت "أم حسين" عن تناول العسل الجديد، ليتبين لهم بعد مدة قصيرة أنه مغشوش، إذ تحجَّر السكر والتصق على جدران المرطبان، وتحولت لزوجته إلى ثخونة لا تشبه مادة العسل الطبيعي،  وحينها علم حسين، أنه تعرض لخداع كان سيودي بحياة والدته.

اقرأ/ي أيضًا: في غزة.. السوشال ميديا لبيع منتجات مغشوشة

يقول حسين لـ الترا فلسطين: "لم أُصدق ما حدث، أن تأخذ والدتي مريضة السكري جرعة مكثفة من السكر، لولا أني لاحظت الذي حدث سريعًا وهرعت إليها بالأنسولين، كان الله أعلم بما حدث".

يسمى العسل الذي تناولته "أم حسين"، بـ"عسل السكر"، وهو يُنتج عن طريقة خداع سنشرحها لكم في هذا التقرير، ونتيجة لها تتحول منفعة العسل إلى مضرة تلحق بشكل أكبر بمن يأخذونه علاجًا، مثل مرضى السكري، والأطفال، إذ يوصف العسل كمكمل غذائي للأطفال الذين يعانون من ضعف في البنية الجسدية، لاحتوائه على الفيتامينات المتنوعة، و للأطفال المصابين بأمراض صدرية، وهؤلاء تكون قدرتهم على تحمل ارتفاع السكر أضعف من غيرهم، الأمر الذي ينعكس سلبًا على صحتهم إذا تناولوا هذا المنتج المغشوش.

يقع ضحية هذا الخداع أيضًا، كل الذين يجهلون خصائص العسل الأصلي، إذ يبدو المظهر حين يبيعه المزارع للزبائن، بشكل يصعب تمييزه عن العسل الطبيعي. يقول حسين: "على الرغم من أني اشتري العسل دائمًا ولدي خبرة قليلة به، إلا أني وقعت في خداعهم".

حمل حسين، مرطبان العسل الذي اشتراه مقابل 75 شيقل، بعد أن ترسب السكر فيه، وذهب للمزارع الذي برر ما حدث قائلاً: "هذا شيء عادي يسمى تبلور العسل"، ليكبُر الخلاف ثم ينتهي دون تقديم شكوى ضد المزارع، "بعد تدخل مختار عائلة الطوباسي وتطويق الخلاف" كما يقول حسين.

الترا فلسطين بحث أكثر في هذا الملف، ليجد أن هذه الخديعة ليست حالة فردية، بل ظاهرة ذهب ضحيتها مواطنون كُثر في قطاع غزة. نائل العجرمي (45 عامًا) من شمال  غزة أحد هؤلاء الضحايا في مرتين. وقد كان المُخادع في المرة الأولى مزارعًا، وفي المرة الثانية تاجرًا.

يقول العجرمي لـ الترا فلسطين: "أنا أجهل خصائص العسل الطبيعي، وجرت عمليات الغش عليّ دون أن أتمكن من كشفها، وكنت أشتري كغم واحد في كل مرة بالسعر الطبيعي للعسل 80 شيقل للـ كغم". امتنع العجرمي بعد ذلك عن شراء العسل، وصار يوصي معارفه الذين يثق بهم، كلما أراد الحصول على  العسل الطبيعي.

القصة ذاتها، تكررت مع  عوني الشولي، حين اشترى مرطبان عسل بالشمع من أحد البائعين مقابل 90 شيقل للـكغم، ليلاحظ بعد مدة ترسب السكر في قاع المرطبان، وفق ما أفادنا به.

تحدثنا مع النحّال أحمد داهود، للتعرف أكثر على هذا النوع من الخداع، فأجابنا بأن "معظم النحالين في غزة، يغشون العسل، ويبيعونه للناس بأسعار خيالية مقارنة بتكلفتهم، إذ لا تتعدى تكلفة إنتاج كغم من عسل السكر 10 شواقل فقط".

تكلفة العسل المغشوش تبلغ 10 شواقل فقط، لكنه يُباع للزبائن مقابل 70 - 90 شيقل

وكشف داهود (32 عامًا) لـ الترا فلسطين، أن هناك طرقًا مختلفة يمارسها المزارعون في الخداع، إحداها تذويب السكر في الماء وإطعامه للنحل، مع الاستغناء تمامًا عن الرعي الطبيعي. أما الطريقة الثانية، فهي الطهي، ولا يكون للنحل فيها أية علاقة، إذ يتم طبخ السكر مع إضافة بعض المواد مثل الشمع والليمون وغيره ثم تسبيكه، ليكتسب لزوجة تشابه العسل الطبيعي"، ويُباع بعد ذلك بسعر يتراوح بين 60 - 70 شيقل على الأقل.  

اقرأ/ي أيضًا: الإعلانات في فلسطين.. هل شعرت بالاحتيال؟

وأضاف أن مراعي النحل الطبيعية من زهور وغيره ليست متوفرة بالشكل الذي كانت عليه قبل سنوات، نتيجة تجريف الاحتلال للأراضي، والقصف المتكرر، وكذلك الكثافة العمرانية التي غزت الأراضي الزراعية. كل ذلك، جعل تكلفة إنتاج كغم واحد من العسل الطبيعي مرتفعة جدًا، ما دفع الكثير من المزارعين للاعتماد على طريقة إطعام النحل، الماء والسكر، للإبقاء على إنتاج مناحلهم.

إذن كيف يُمكن تمييز العسل الطبيعي عن المغشوش؟ يُبين داهود، "يجب التمعن جيدًا في رائحة العسل ودرجة صفائه ولزوجته، فالعسل الأصلي له رائحة خفيفة، أما المغشوش فتكون حادة. وإذا غمست أصبعك في العسل الأصلي وأخرجته، يسحل عنه ببط، لكن العسل المغشوش ينزل بدرجة أكبر لأنه يحتوي على سكريات مضافة".

وتابع، "وإذا كان العسل على درجة عالية من الصفاء، فهو مشكوك فيه، لأن الأصلي يحتوي على الشوائب بسبب وجود حبوب اللقاح، أما المغشوش فلا يحتوي على شوائب".

العسل الأصلي لا تنحل عنه مكوناته، ورائحته خفيفة، ولونه ليس صافيًا بل لا يخلو من الشوائب

ويدعو داهود أيضًا للتأكد من عدم وجود رواسب تشبه حبات السكر في قاع المرطبان عند الشراء، أو عند وضعه في الثلاجة، "فالعسل الأصلي لا تنحل مكوناته عن بعضها، ولا يترك رواسب سكرية مهما اختلفت عليه الظروف"، وفق قوله.

توجهنا، لمدير دائرة الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة طاهر أبو حمد، وسألناه عن متابعة الوزارة لهذه القضية، فرد بأن مهمة مراقبة هذا المجال، لا تقع على كاهل وزارة الزراعة. 

وقال أبو حمد: "قطاع غزة، يعاني من ضعف في المراعي الطبيعية، وهو السبب الذي يدفع  بعض المزارعين، لتعويض نقص التغذية بإطعام النحل ماءً وسكر بنسبة معينة". وأضاف، "تعويض النقص الغذائي للنحل بالماء والسكر يُسهم في إنتاج عسل سليم، ولا يُمكن تسمية هذه العملية بالغش"، معتبرًا أن طبخ السكر، هو فقط ما يسمى غش.

أما مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، فارس شحادة، فزاد على حديث سابقه بالقول إن الدائرة لا تُصنف العسل الذي ينتج عن إطعام النحل الماء والسكر بالغش في هذه الأوقات، "وذلك نظرًا لفقر المراعي الطبيعية، ويتم هنا، قياس درجة الجودة للمنتج، بمعنى درجة  الاعتماد، على الماء والسكر في إنتاجه".

وزارة الاقتصاد لا تتعامل مع العسل الذي يُخلط بالماء والسكر على أنه عسل مغشوش

وبيّن شحادة لـ الترا فلسطين، أن الوزارة تُجري بشكل دوري فحوصات لكميات من العسل، للتأكد من عدم إدخال إضافات سكرية خطيرة، في إنتاجه، مضيفًا، "لا يتم التعامل مع المزارع هنا، من جانب قانوني، لكن هناك مزارعين يطبخون السكر على أنه عسل، وهؤلاء يتم تحويلهم إلى النيابة القانونية فور ضبطهم، واتخاذ إجراءات قاسية ضدهم".

يرفض النحال داهود موقف وزارتي الصحة والاقتصاد بشأن تصنيف هذا العسل، مبينًا أن استخدام الماء والسكر يُغير من المعادلة الصحية للعسل، ويزيد من معدل السكر المصنع الضار. ويضيف، "على الراغب في شراء العسل، أن يكون يقظاً بشكل جيد، كي  لا يقع في خداع النحالين".


اقرأ/ي أيضًا:

غزة: منتجات "1 شيكل".. جودة ضعيفة وغش خفي

مليونية يقودون عصابات الشيكات البنكية

فوضى السوق السياحي.. سمسرة وشركات وهمية