"تفسير البديهة مثله مثل الإعلان: قل لرجل عشرة آلاف مرة أن نوعًا ما من الصابون جيد للبشرة، وسوف تتولد عنده قناعة بديهية أن هذه حقيقة ثابتة". هذا ما قاله الروائي والكاتب المسرحي الإنجليزي سومرست موجهام منذ أكثر من 60 عامًا.
هل اختلف الحال الآن وتغير أسلوب الإعلان التجاري؟ وهل يصح أن نقول عنه في بعض الحالات إنه دعاية موجّهة تهدف لإخبار المشتري والمستهلك بنصف الحقيقة أو أقل، حتى يقوم بشراء السلعة أو الخدمة ثم يكتشف باقي التفاصيل بعد دفع الثمن؟
شكاوى واسعة من إخفاء شركات الاتصالات الفلسطينية تفاصيل هامة عن المشتركين في إعلاناتها، وقد زاد ذلك بعد تشغيل تقنية الـ3G
مؤخرًا، اشتعلت في فلسطين حرب بين شركة "جوال"، إحدى شركات مجموعة الاتصالات الفلسطينية "بالتل"، ومنافستها "الوطنية موبايل" إحدى شركات مجموعة "أوريدو" القطرية، ونتج عن ذلك مجموعة كبيرة من الإعلانات وحملات الترويج لكسب المشتركين وإبعادهم عن الطرف الآخر.
شاهد/ي أيضًا: فيديو | حرب أسعار الـ3G لا تلبي طموحات الفلسطينيين
شركة "جوال" أعلنت عن خدمات الجيل الثالث +3G خلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي، وأحد الإعلانات روّج إلى أن المشترك سيحصل على "انترنت غير محدود" كحزمة ترحيبية حتى نهاية الشهر، حال الاشتراك بإحدى الحزمات التي يتراوح سعرها من 15 – 100 شيكل.
في هذا الإعلان يوجد 3 نقاط، الأولى أن الإعلان تم الكشف عنه قبل نهاية الشهر بأسبوع واحد فقط، والثانية أنه لم يتم توضيح أن الأسعار لا تشمل ضريبة القيمة المضافة، والثالثة أن الانترنت المجاني لم يكن غير محدود أصلًا، بل كان 15 غيغابايت فقط وتم تأكيد ذلك برسالة تصل المستخدم عند الاشتراك بالعرض.
أما الإعلان الآخر المثير للجدل هو "العرض من الكبير أقوى بكتير"، فلم يحمل أي تفاصيل أو توضيح، ويطلب من المستخدم إرسال رسالة فارغة للرقم 37555، للتمتع بــ"دقائق ورسائل وأيام بتخلصش"، ثم يُفاجأ المستخدم باختيار العرض عشوائيًا له من ضمن ستة عروض معلن عنها في موقع "جوال"، وعروض أخرى غير معلنة بتكلفة أكبر.
بعد الاشتراك وخصم قيمة العرض من الرصيد بخطوة واحدة، يكتشف المستخدم أن العرض محدود بعدد دقائق ورسائل معين، وعدد أيام مُحدد على عكس الخط العريض في الإعلان "دقائق ورسائل وأيام بتخلصش".
أما "الوطنية موبايل"، فأعلنت عن برنامجها الجديد "سوبر شباب" بإعلان واسع الانتشار لم يحمل سوى عبارة "احكي مع الشباب بـ 1 أغورة بس"، مع توضيح أن الفئة المستهدفة من سن 16 عامًا حتى 25 عامًا، لكن بدون إظهار أن عرض 1 أغورة لا يتم الاستفادة منه إلا بعد استهلاك دقيقتين بالسعر العادي.
كما يتبين بعد الاشتراك في البرنامج، أن سعر الاتصال خارج الأرقام الـ 10 المخصصة هو 29 أغورة، أي ضعف السعر الأصلي المعلن عنه في حملات الترويج.
أسعد الصفدي، اشترك في عرض "دقائق ورسائل وأيام بتخلصش"، بعدما أخبره صديق أنه حصل على 20 دقيقة اتصال مجانية يوميًا لمدة شهر، إضافة لـ300 رسالة مقابل 23.2 شيكل. لكن العرض الذي تلقاه كان 100 دقيقة و30 رسالة لكن مقابل 100 شيكل إضافة لـ 16 شيكل ضريبة قيمة مضافة، لم يتم التنويه إليها في العرض، مؤكدًا أنه لم يكن على استعداد لدفع مثل هذا المبلغ.
وقال: "أشعر أني تعرضت للخداع لحصولي على عرض مختلف، حيث لم يتم التنويه في كل الإعلانات إلى أن العرض يتم اختياره عشوائيًا من عدة عروض، أنا لم أكن مستعدًا لدفع 100 شيكل، هذا المبلغ أستطيع الحصول به على شريحة اتصال بنظام الفاتورة".
أما إبراهيم الشنطي، فيقول إنه اشترك في برنامج "سوبر شباب" الذي أعلنت عنه "الوطنية موبايل" ووجد أنه يجري العديد من الاتصالات خارج الأرقام المختارة، ويدفع ثمن الاتصال 29 أغورة للدقيقة الواحدة، وذلك على عكس ما تصوره من الإعلان.
وفي مجال الهاتف الثابت والانترنت المنزلي، فإن شركة الاتصالات من مجموعة "بالتل"، وهي تحتكر تقديم خدمة الهاتف المنزلي وخط النفاذ، أعلنت بشكل كبير عن حملة جديدة للاشتراك الجديد، تحت اسم "السرعة كتيرة بتكفي كل العيلة" بسرعة 24 ميغابايت مقابل 12 شيكل فقط، مع دقائق اتصال غير محدودة على الهاتف الثابت ورسوم تركيب وهاتف ومودم مجانيين.
وبالاطلاع على تفاصيل الحملة، يتبين أن هناك العديد من التفاصيل غير المعلنة، إذ يجب الالتزام بالاشتراك لمدة سنتين، وتسديد ثمن المودم على مدة 3 سنوات، بواقع 2 شيكل شهريًا، وكذلك تسديد ثمن جهاز الهاتف حتى على نفس المدة دون بيان الثمن، وكل ذلك دون التنويه في الإعلان عن ضريبة القيمة المضافة أيضًا.
هل انتهت تفاصيل الإعلان غير المعلنة؟ بالتأكيد لا، فهناك زيادة 12 شيكل تدريجيًا كل 3 شهور وحتى نهاية الحملة لباقة نت فون 24FLEX+. وزيادة 15 شيكل تدريجيًا كل 3 شهور وحتى نهاية الحملة لباقة نت فون 50.
"الترا فلسطين" تواصل مع الشركات الثلاث طالبًا ردًا على الاتهامات الموجهة لها من الناس بإخفاء تفاصيل هامة عن الزبائن في الإعلانات، فردّت جوال، فيما ماطلت الشركات الأخرى، ولم نتلق ردًا منها.
شركة جوال التي تقول إنّها تسعى دومًا لتطوير أدائها على صعيد الخدمات المقدمة للمشتركين والرعايات المقدمة للمجتمع وحتى الإعلانات، ردّت على تساؤلات "الترا فلسطين" بالقول إنّ إعلاناتها تتسم بالوضوح والبساطة. وبررت امتعاض الجمهور بالقول إنّ الإعلان بمختلف أشكاله لا يمكن أن يتضمّن كافة التفاصيل التي تحتوي بنود كثيرة وخيارات متعددة. وتقول إنّه وللتغلّب على هذه الإشكاليّة فإنّها تضع كافة التفاصيل على موقع خاصّ، مع رقم مختصر للاتصال مجانًا، والاستفسار عن كافة العروض.
أمّا فيما يتعلّق بخدمات الجيل الثالث، فأشارت الشركة إلى أنّ كل من اشترك بالخدمة من جوال، كان استهلاكه مجانيًا في الشهر الأول لانطلاق الخدمة، واعتبرت أنّ هذا "لمسه كافة المستخدمين في الضفة الغربية".
الأستاذ في كلية الصحافة والإعلام في جامعة الأقصى خالد الحلبي، قال إن الشركات التي تستخدم أسلوب التضليل في الترويج تخلق نوعًا من عدم الثقة مع المستهلك، مشيرًا إلى استخدام شركات الاتصالات لهذا الأسلوب بشكل كبير.
استخدام التضليل في الإعلانات يُفقد الشركات ثقة الناس ويكبدها خسائر مع مرور الزمن، وهذا حدث بالفعل مع شركات الاتصالات الفلسطينية
ويبيّن الحلبي لـ"الترا فلسطين" أن العديد من المستهلكين لا يثقون بحملات شركات الاتصالات، وهذا يؤدي إلى عزوف كبير عن الاشتراك فيها، ما يؤدي بخسائر للشركات ليس على المدى القصير – فهي تحقق أرباحًا كبيرة – إنما على المدى الطويل وبما يتعلق بالثقة.
اقرأ/ي أيضًا: عائلات تعتاش على المسابقات الترويجية في "فيسبوك"
ويضيف أن الخداع لا يكون فقط بالكذب أو بذكر أشياء غير موجودة، أو بالترويج لنصف الصورة الجيدة فقط، إنما أيضًا يكون بجودة الخدمة المقدمة. وتابع، "مثلًا تم الترويج مؤخرًا لخدمة 3G على أنّها انترنت سريع وفعّال، والواقع عكس ذلك تمامًا بشهادات العديد من المستخدمين والتقنيين".
ويبدو فقدان الثقة هذا واضحًا في تزايد قوة حراك "بكفي يا شركات الاتصالات"، الذي تجاوز عدد أعضائه في المجموعة الخاصة به على موقع فيسبوك عن الـ300 ألف مشترك، وهم الآن يخوضون حملة مقاطعة لخط النفاذ، وتقنية الـ3G، بسبب الأسعار المرتفعة وتغييب كثير من التفاصيل عن المشتركين في الإعلانات.
وبالإشارة إلى الخسائر التي يسببها فقدان الثقة، وفق قول الحلبي، فإن مجموعة الاتصالات "بالتل" أعلنت عن أرباحها السنوية لعام 2017، وقد بلغت 70 مليون دينار، ورغم ارتفاع قيمة هذه الأرباح إلا أنها تشكل في الواقع انخفاضًا بقيمة 10 ملايين دينار عن السنة السابقة.
هذا الأسلوب الدعائي في الترويج للسلع والخدمات تستخدمه مؤسسات تيسير الزواج أيضًا، التي انتشرت بشكل واسع في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وهي تروّج لنفسها أنها تسعى لمساعدة الشباب المقبلين على الزواج بتقديم خدمات مميزة وبأسعار مخفضة.
آلية عمل هذه المؤسسات تقوم على تقديم عرض لمعظم تكاليف الزواج، مثل أثاث المنزل وقاعة أفراح وغداء وملابس وغيرها من المتفرقات، مقابل مبلغ مغري وبالتقسيط.
شركات لتيسير الزواج وجدت إقبالاً كبيرًا من الشبان في قطاع غزة، فاكتشفوا في النهاية أنها تقدم أثاثًا رديئًا وقاعات متواضعة عكس ما تُعلن عنه
لكن بالنظر إلى تجارب المتضررين من هذه الشركات، يتضح أن الأثاث من الأنواع الأكثر رداءة، وقاعة الفرح صغيرة ومتواضعة، والغداء عبارة عن 30 وجبة تكفي بالكاد لـ 60 شخصًا، أي بشكل عام يتم الاعتماد على الترغيب واستغلال حاجة الشاب الماسة لهذه المستلزمات.
اقرأ/ي أيضًا: شركات الاتصالات.. السلطة الرابعة
يوضح محمود عبد القادر المقبل على الزواج أنه بحث عن العديد من مؤسسات التيسير، وكان حريصًا على الاستفسار عن أدق التفاصيل للخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات، ووصل لقرار بأن يتجنبها لأنها ستزيد العبء المادي عليه مقابل الخدمات الرديئة التي ستقدمها.
ويضيف عبد القادر، "هذه المؤسسات لا تسعى لتيسير الزواج ولا مساعدة الشباب، إنما هي ربحية بحتة تعتمد على خداع الشباب واللعب على احتياجاته واستغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وللأسف العديد من الشبان يقعون ضحية لمثل هذا الاحتيال والادليس".
يشار إلى أن التضليل الإعلاني كلّف شركات كبرى مبالغ طائلة لزبائنها بعد أن رفعوا دعاوى ضدها، كما حدث مع شركة "سكيتشرز" للأحذية الرياضية، التي دفعت 40 مليون دولار بعد أن اشتكى زبائن من أن أحذيتها التي قالت إنها تؤدي لتخفيض الوزن وشد الأرداف لم تكن كذلك، وهو ما يطالب مواطنون بأن يتحقق في مناطق السلطة الفلسطينية، لإتاحة المجال أمام مقاضاة الشركات التي تستخدم التضليل في إعلاناتها.
اقرأ/ي أيضًا: