عندما يواظب صحفيٌّ شهيرٌ في "إسرائيل" على تصوير نفسه بأنه قادرٌ على كشف مؤامراتٍ خفية، عجِزت عن رصدها كبرى مراكز البحث الغربية، وأعتى أجهزة المخابرات العالمية، فإن الأمر يستدعي التوقف لحظة، من أجل التدقيق في سيرة صاحب هذه القدرات الخارقة، وطبيعة الرسالة التي يُقدمها، ومدى مصداقيّتها، والأثر الفعلي التي يمكن أن تحققه إنجازاته المبهرة.
"تسفيكا يحزيقلي" هو رئيس قسم الشؤون العربية والفلسطينية في القناة 13 الإسرائيلية
الحديث يدور عن "تسفيكا يحزيقلي"، رئيس قسم الشؤون العربية والفلسطينية في القناة 13 الإسرائيلية. وقبل التفاصيل، دعونا نتطرق إلى مفهوم "العقدة النفسية" بوصفها أنماطًا فكريةً مشوهة، قد تسيطر على اللاوعي، وتخلق دوافع عنيفة تتجذّر في نفس المريض، وتُترجم إلى سلوكياتٍ غير طبيعية، "وقد يكون ذلك في غاية الذكاء من الناحية التنفيذية، تبعًا لقدرات المريض الذهنية".
"تسفيكا"، وفقًا لتحقيقٍ نشرته صحيفة "العربي الجديد"، وُلد لأبوين هاجرا من مدينة "أربيل" العراقية، والتحق بعد إنهائه الخدمة العسكرية الإلزامية في دولة الاحتلال، بدورةٍ خاصة، لتأهيل الضباط في جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك". كانت الدورة تحمل عنوان "الضابط المركز"، وكان يُفترضُ أن تؤهله لشغل وظيفة ضابط مسؤول عن جمع معلومات منطقةٍ جغرافيةٍ محددة، في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وهي تُعد أدنى درجة في الهرم القيادي في الجهاز.
اقرأ/ي أيضًا:
حاخام يهاجم المهاجرين لـ "إسرائيل": ليسوا يهودًا ويصوّتون ضدّ الدين
ما ساعده على الالتحاق بالدورة، معرفته باللغة العربية، كونه لأبوين من أصولٍ عراقية، بالإضافة إلى معرفته بالدين الإسلامي، وعلم الاجتماع -وفقًا لما وثّقه تقرير العربي الجديد- عبر مقطعٍ مصورٍ لـ يحزيقلي، يُعرّف خلاله بنفسه في صفحته بالقناة.
لكن بعد عامٍ من التدريب في الدورة، عجز "يحزيقلي" عن تخطي الامتحان النهائي بنجاح، وجرى تحويله إلى وحدة حماية الشخصيات الهامة التابعة للجهاز، ليقضي ستة أعوامٍ من حياته في وظيفة "حارس أمن" ضمن تلك الوحدة.
"يحزيقلي" يقدم أعماله الصحفية وفق محورين، الأول: العربي المتوحش، والثاني: مخططاته الخطيرة
هذا الأمر –على ما يبدو- تسبب في عقدةٍ عوضها "يحزيقلي" بتغيير مسيرته المهنية، بالعمل صحافيًا، بعدما تخصص بالدراسات الشرق أوسطية بعد تخرجه من قسم الدراسات الشرق أوسطية، في الجامعة العبرية، حسب زميلٍ له.
"يحزيقلي" كان يقدم معظم أعماله الصحفية، وفق محورين، الأول: يقدم العربي، والفلسطيني، والمسلم، على أنه شخصية متوحشة، منحطة، بلا أخلاق، تتطلع الى إبادة العالم بدون سبب عقلاني، أما الثاني: فمحاولة كشفه عن "مخططات خطيرة"، يصل العرب الليل بالنهار لتنفيذها، من أجل القضاء على الحضارة الغربية، وعلى "إسرائيل".
اقرأ/ي أيضًا:
مهاجرون إلى "إسرائيل" يأخذون جنسيتها وأموالاً ثم يُغادرون
ويمكن النظر إلى المحور الأول من أعمال "تسفيكا"، من زاويةٍ طرحها المفكر المصري عبد الوهاب المسيري في كتابه الأيدلوجية الصهيونية، فسّر فيها سر عدوانية وعنصرية اليهود الشرقيين، الذين استقطبتهم "إسرائيل" من الدول العربية، تجاه الفلسطينيين، بـ "عقدة نقص" تلازمهم تجاه اليهود الأشكناز "البيض".
فهو –تبعًا لتفسير المسيري- يريد أن يثبت بأنه ليس عربيًا، بإعلان كراهيته للعرب قولًا، وفعلًا، "وهذه عقدة متفشية في أوساط اليهود الشرقيين".
أما المحور الثاني، فيمكن تفسيره من منطلق عقدة الفشل الشخصية، لدى الرجل، حين رسب في دورة الضباط بجهاز "الشاباك"، ورغبته في أن يثبت لنفسه وللإسرائيليين بأنه تفوّق على "الشاباك" نفسه! ونجح –بجهودٍ شخصية- في اختراق الحركات الإسلامية في أوروبا، وكشف مخططتها للقضاء على الحضارة الغربية وإقامة الخلافة هناك، ذلك عبر سلسلة تحقيقات بثتها القناة قبل عدة سنوات.
تحقيقات "يحزيقلي" أثبتت زيفها العديد من المواقع، واعتمادها على الخداع البصري
التحقيقات –سالفة الذكر- وثقت "العربي الجديد"، وغيرها من الصحف والمواقع زيفها، واعتمادها على الخداع البصري، والتلاعب بالمشاهد، "فتلك التحقيقات، لو صحّت المعلومات الواردة فيها، بنسبة 1%، لأثارت الرأي العام، ودفعت بحكومات كاملة، لاتخاذ إجراءات عاجلة من أجل إحباط المؤامرة.
يمكن أن نفترض –على صعيده الشخصي- أنها منحته شعورًا بالنجاح، أو حتى ساعدته على إقناع الجمهور بأنه نجح "كبطلٍ خارق"، في ما فشلت به أجهزة الاستخبارات الأوروبية.
آخر أعمال "تسفيكا"، وجه فيها النار مباشرةً إلى "الشاباك"، حين ادعى الكشف في تحقيقٍ تلفزيوني، عن مخططاتٍ فلسطينية مزعومة، للسيطرة على المناطق المصنفة (ج) وفقًا لاتفاق "أوسلو"، وكأن تلك المناطق، أو أعمال البناء المنفذة فيها، تجري بسرية، وليس تحت سمع ومرأى الجميع، خصوصًا المستوطنين الذين منتحتهم حكومة الاحتلال تمويلًا خاصًا لتسيير طائرات موجهة، لرصد أعمال البناء في تلك المناطق.
اقرأ/ي أيضًا: