24-يونيو-2023
ترمسعيا

آثار الحريق في أحد منازل ترمسعيا شمال رام الله | تصوير ناصر اشتية

الترا فلسطين | فريق التحرير

أكثر من 200 ملثم تجمعوا في بؤرة "إيش كوديش" الاستيطانية، ومن هناك انطلقوا عبرا الجبال نحو بلدة ترمسعيا شمال رام الله، مرورًا بقرية قُصرة جنوب شرق نابلس، لتكرار خطة "لنحرق القرية"، على غرار المحرقة التي نفذوها في حوارة خلال شهر شباط/فبراير. في تلك الاثناء كان جيش الاحتلال يستعرض قواته التي تقوم أمام الكاميرات بـ"حماية حوارة"، من هجمات محتملة، وبذلك حقق الطرفان أهدافهما، "فالجيش أمام وكالات الأنباء يتخذ إجراءات وقائية لحماية حوارة"، بينما الإرهابيون نفذوا هجومًا جماعيًا استعراضيًا في مكان آخر، ولضمان نجاحه كان عليهم الاعتماد على مبدأ "مباغتة الهدف".

من الصعب تخيل أن هذا العدد تحرك في أجواء استنفار أمني واستخباراتي وتواجد طائرات الاستطلاع في الأجواء، دون أن يتم رصدهم من المنظومة الاستخبارية الوقائية للاحتلال، بل الحقيقة أن هناك تقاسم أدوار في الميدان بين الطرفين

لاحقًا وبعد ساعات طويلة من الهجوم المباغت على ترمسعيًا، أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال أن الجيش الإسرائيلي فشل في منع جولة الاعتداءات التي استهدفت البلدة، نظرًا لأن قواته لم تتوقع الهجوم، ولأنها كانت منتشرة في "حوارة لمنع تلك الاعتداءات".

والهجوم على "ترمسعيا" لم يكن وليد اللحظة، ولا ردة فعل طارئة أو غير متوقعة كما يزعم الجيش، بل هو استنساخ من قادة التنظيمات الإرهابية اليهودية لمحرقة حوارة. وتقديرات جيش الاحتلال التي نشرها إعلامه، تشير أن 200 مقنع انطلقوا في آن معًا بعد جنازة أحد قتلى عملية "عيلي"، ومن الصعب تخيل أن هذا العدد تحرك في أجواء استنفار أمني واستخباراتي وتواجد طائرات الاستطلاع في الأجواء، دون أن يتم رصدهم من المنظومة الاستخبارية الوقائية للاحتلال، بل الحقيقة أن هناك تقاسم أدوار في الميدان بين الطرفين.

ونقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن قادة المستوطنين في التجمع الاستيطاني "يتسهار" الذي يضم بؤرة "إيش كودش"، أنهم قطعوا التيار الكهربائي عن قرية عوريف انطلاقًا من قاعدة يجب اعتمادها تقوم على استهداف "البيئة الحاضنة للإرهاب" وفق وصفهم.

"إيش كوديش"، تعني باللغة العبرية، "النار المقدسة"، وهو اسم الكتاب الذي يُدرّس في هذه البؤرة الاستيطانية غير القانونية. ومصطلح بؤر استيطانية غير قانونية يشير للمستوطنات التي يقيمها المستوطنون بمبادرة ذاتية قبل الحصول على تصاريح بناء من الجيش، وهي في الغالب معاقل تنظيم تدفيع الثمن الإرهابي الذي ينفذ هجمات تستهدف الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم، ومع ذلك فإن جيش الاحتلال يقدم لهذه الحماية والكهرباء والمياه.

كتاب "إيش كوديش" هو كتاب أعده الحاخام كالونيموس كالميش شابيرا من بولندا، الذي نشط في نشر التطرف الديني بين الحرب العالمية الأولى والثانية، وأصبح معروفًا كمفكر "عظيم" في أوساط اليهود المتشددين دينيًا "الحريديم". لاحقًا بات هذا الكتاب جزءًا من المنهاج الذي يدرسه عناصر تيار الصهيونية الدينية الاستيطاني المتطرف ديينًا وقوميًا، وعناصر تنظيم تدفيع الثمن الإرهابي.

وفعليًا تعتبر "إيش كوديش"، نقطة التجمع والحشد والتواصل بين معاقل تدفيع الثمن الإرهابي التابعة لمستوطنة "يتسهار" التي يتبع لها عددٌ من البؤر الاستيطانية التي يتغير عدد المتواجدين فيها، وهي في الواقع قواعد هجومية متقدمة لتنظيم تدفيع الثمن تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى حقولهم. وهذه البؤر هي: "غفعات لهيفا"، "تكوما"، "ميجد شمايم"، "حفات شاكيد"، "نحلاة"، "شلهيبت"، "شلهيبت هــ"، "كومي أوري". والمكون الأساسي لهذه البؤر، ذكورٌ في مقتبل العمر ليس لديهم أي عمل أو تأهيل علمي أو مهني، ومن خلفيات أسرية مفككة، وينطلقون من هذه البؤرة لتنفيذ هجمات لتخريب الحقول والاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم.

يصل المستوطنون إلى "إيش كوديش" من البؤر التابعة لـ"يتسهار"، فيقيمون خيمًا ويخضعون لتدريبات بدنية، ثم يعودون إلى  مدرسة "عود يوسف حاي" -يوسف لم يزل حيًا- المقامة في "يتسهار"، وتشجع طلبتها على الاعتداء على الفلسطينيين، وفق تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس"، وقد أسسها ودرس فيها الحاخام يتسحاق شبيرا، مؤلف كتاب "توراة الملك" الذي يُبيح قتل الأطفال الفلسطينيين الرُّضع. كما أن أستاذة علم التربية في الجامعة العبرية في القدس، البروفيسور نوريت بيلد إلحنان، أكدت أن المنهاج الدراسي في هذه المدرسة "يعزز العنصرية ضد العرب".

وينتمي لهذه المدرسة جزءٌ كبيرٌ من عناصر تدفيع الثمن في البؤر الاستيطانية، وهي تحصل على تمويلها من وزارة المعارف الإسرائيلية. أما الجزء الآخر من عناصر تنظيم تدفيع الثمن المنتشرين في البؤر الاستيطانية فيذهبون للدراسة في مدرسة "ثمار إسرائيل" الدينية المتطرفة الموجودة في مستوطنة "راحيلم"، وهي الأقرب جغرافيًا لتجمع "غاف ههار"، وهؤلاء أيضًا أظهر تحقيق تلفزيوني إسرائيلي أنهم شاركوا في عمليات إرهابية ضد الفلسطينيين.

وأوضح أنس أبو عرقوب، الباحث والصحفي المتخصص في الشأن الإسرائيلي، أن المستوطنين والإعلام العبري يعتبرون "بؤرة النار المقدسة" جزءًا من التجمع الاستيطاني "شيلو"، مبينًا أنها تقع على ارتفاع 830 مترًا، وتحيط بها كروم العنب والمناطق الزراعية، وتم إنشاؤها عام 2001، على يد ثلاثة من قادة تنظيم تدفيع الثمن الإرهابي كانوا يعيشون في خيمة، وبعد نصف عام انضمت عائلة أولى إليهم، وكانت تعيش أيضًا في خيمة، ومنذ ذلك الوقت بدأت تنطلق من هذه البؤرة اعتداءات على قرية قُصرة المجاورة، يشارك فيها إرهابيون يأتون من البؤرة القريبة وكذلك من داخل الخط الأخضر.

وأفاد أنس أبو عرقوب لـ الترا فلسطين، أن البؤرة في البداية حملت اسم "التلة حـ"، لكن لاحقًا حضر وفدٌ من الحاخامات وأطلقوا عليها اسم "النار المقدسة"، مبينًا أن هذه البؤرة تتبع حاليًا لمجلس "ميته بنيامين" الاستيطاني، الذي يضم معظم المستوطنات المقامة على أراضي محافظة رام الله والبيرة، إضافة لمستوطنات في القدس. وهي 46 مستوطنة و10 بؤر استيطانية، ومستوطنتان زراعيتان، ومنطقة صناعية.

وبيّن أبو عرقوب، أن قادة بؤرة "النار المقدسة"، وبرغم الخلاف الأيديولوجي مع المستوطن الإرهابي مئير اتنغر، إلا أنهم يسمحون بتواجد المجموعات الإرهابية التي يقودها بينهم في البؤرة، ما يجعل هذه البؤرة، الأكثر تطرفًا داخل "تدفيع الثمن"، لأن التنظيم يطبق اللامركزية في تنفيذ العمليات، وكذلك من الناحية الفكرية أيضًا.

أنشأ قادة بؤرة "إيش كوديش" فندقًا يهدف لاستقطاب عناصر جديدة من اليهود المتطرفين داخل الخط الأخضر إلى البؤرة، لضمهم إلى التنظيم، وهو يدعوهم للمشاركة في جولات سياحية هي في الواقع دوريات ميدانية في المنطقة، ينفذون خلالها اعتداءات على الفلسطينيين

وأضاف، أن هناك هيكلية تنظيمية في هذه البؤرة تؤهل العناصر والمجموعات لتنفيذ الاعتداءات، وتمنحها الرعاية القضائية بعد الاعتقال، وهذا يسمح بوجود مجموعات مغلقة يتم اعتبارها تنظيمات صغيرة تتفق معه فقط في استهداف الفلسطينيين، وتختلف عنه في رفض الفكر الصهيوني باعتباره فكرًا علمانيًا. وتلك المجموعة التي تعتبر "إسرائيل دولة كافرة" هي من نفذت عملية حرق وقتل أسرة دوابشة، انطلاقًا من مستوطنة "راحاليم"، ولاحقًا اعتقل زعيمها بعد العثور على أدلة تؤكد ضلوعه في هذه الجريمة، قبل أن يتم الإفراج عنه بعد اعتقال لم يدم أكثر من عدة شهور فقط، بحجة أن التزم الصمت خلال تحقيقات "الشاباك"، ولعدم كفاية الادلة.

وتضم "إيش كوديش" اليوم حوالي 90 أسرة، عدد أفرادها 450 مستوطنًا، ينتمون لتيار الصهيونية الدينية، ولذلك وصفهم زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد بأنهم "ميليشيات سموتريتش". ويعتنق هؤلاء مبدأ "العمل العبري"، وهو يعني عدم تشغيل غير اليهود، ومبدأ "إعتاق الأرض"، بمعنى انتزاع ملكيتها من أصحابها الفلسطينيين.

وأنشأ قادة بؤرة "إيش كوديش" فندقًا يهدف لاستقطاب عناصر جديدة من اليهود المتطرفين داخل الخط الأخضر إلى البؤرة، لضمهم إلى التنظيم، وهو يدعوهم للمشاركة في جولات سياحية هي في الواقع دوريات ميدانية في المنطقة، ينفذون خلالها اعتداءات على الفلسطينيين. ويتم كل ذلك بالتعاون مع حركة "بني عكيفا"، وهي حركة دينية ذات طابع عنصري استيطاني تأسست عام 1929 ترفع شعار "تربية جيل مخلص لتوراته ولشعبه ولوطنه"، وأبرز خريجيها، الحاخام حاييم دروكمان، كبير منظري تيار الصهيونية الدينية، والوزراء وأعضاء الكنيست السابقين: زفولون هامير، ويوسف شابيرا، وحنان بورات، ويوسف باغاد .