"الفخر القومي، ونشوة النصر، بعد حرب الأيام الستة مؤقتة، لكنها حملتنا من الفخر بالشعور القومي، إلى القومية المتطرفة المسيانية [الخلاصية]. تكثيف جهود الاستيلاء على الأراضي، وممارسة الاعتداءات لإقامة دولة إسرائيل الكاملة لتعجيل نزول المسيح المنتظر، والمرحلة الثالثة التحول إلى بهائم وهي المرحلة الأخيرة وفيها نهاية الصهيونية"، هذه خلاصة محاضرة ألقاها المفكر والحاخام يشعياهو ليبوفيتش، أمام مجموعة من كبار الضباط الإسرائيليين بعد حرب حزيران/يونيو 1967، في كلية القيادة والأركان المشتركة المكلفة بإعداد وتدريب وتأهيل كبار الضباط في أفرع الجيش الإسرائيلي الثلاثة - البحر والجو والبر.
المفكر يشعياهو ليبوفيتش: الفخر القومي، ونشوة النصر، بعد حرب الأيام الستة مؤقتة، لكنها حملتنا من الفخر بالشعور القومي، إلى القومية المتطرفة المسيانية
ولد ليبوفيتش في ريغا عاصمة لاتفيا عام 1903، لأسرة جمعت بين التدين والثراء واعتناق المبادئ الصهيونية، ونال شهادة الدكتوراة في الفلسفة عام 1924 من جامعة برلين، وفي عام 1934 حاز على درجة الدكتوراة في الكيمياء الحيوية والطب من جامعة بازل، ثم هاجر إلى فلسطين عام 1935، والتحق بالجامعة العبرية في القدس، وشارك في احتلال القدس وكان قائد كتيبة في حرب 1948، ولاحقًا بزغ نجم يشعياهو ليبوفيتش، بصفته مكفرًا ومحررًا للموسوعة العبرية ومفسرًا للديانة اليهودية، وناقدًا لاذعًا للمجتمع الإسرائيلي.
خلاصة محاضرة يشعياهو ليبوفيتش، تقوم بتشخيص الخطوط العريضة للمشاعر التي تجتاح قطاعًا واسعًا من الإسرائيليين في أعقاب فوز معسكر اليمين في الانتخابات الأخيرة، خصوصًا "مرحلة التحول إلى بهائم التي تشكل نهاية الصهيونية". وليبوفيتش كان أول من حذر الإسرائيليين بعد حرب حزيران/يونيو 1967، في جملته الشهيرة "الاحتلال مُفسد"، وكان يقصد أن من يقومون بفعل الاحتلال يَفسدون.
شعور الوصول إلى المرحلة الثالثة لدى "المعسكر المناهض لنتنياهو"، ليس له علاقة باستمرار احتلال الضفة الغربية، بل بوصول "تيار الصهيونية" لسدة الحكم، وهذا التيار يتوعد بحصول تغييرات جوهرية في بنية المجتمع والدولة ومكانة الدين فوقهما، والحزب الثاني في الائتلاف الحكومي "الصهيونية الدينية"، يمتلك قادته عدة مواقف محافظة في عددٍ كبير من المسائل الاجتماعية الخلافية.
بالنسبة لـ"معسكر أعداء نتنياهو"، وهو التوصيف الأمثل للمعارضة الإسرائيلية، إذ أنهم لا يملكون أيّ برنامج سياسي فعلي باستثناء إقصاء نتنياهو، فيما يعتمد صعود اليمين إلى سدة الحكم على شبكة أمان من "الصهيونية الدينية"، المتطرفة قوميًا ودينيًا، مما سيجعله أكثر قابلية للخضوع والابتزاز والتنازل، في ملفات تعميق الطابع الديني في الحياة العامة.
معارك كثيرة حسمها "تيار الصهيونية الدينية" عبر ثورة هادئة كانت الممر للوصول إلى هذه المرحلة، منذ ثلاثين عامًا وهم يعملون بشكلٍ حثيث على احتلال بؤر التأثير، وبعد أن كانت نسبة خريجي دورات الضباط من مُرتدي "القبعات المُطرزة" التي يرتديها أبناء هذا التيار 2% باتت نسبتهم خلال السنوات الأخيرة 40%، رغم أن أنصار هذا التيّار لا تتجاوز نسبتهم من إجمالي المجتمع الإسرائيلي 10%، وتشير التقديرات إلى أن عددهم يصل إلى 700 ألف نسمة.
الخطوة الاستراتيجية المقبلة لـ "تيار الصهيونية الدينية"، التي تتوافق أيضًا مع تطلعات بنيامين نتنياهو الشخصية، هي تعيين أربعة قضاة في المحكمة العليا الإسرائيلية المتهمة بأنها معقلٌ لليسار، فخلال الأعوام المقبلة سيتقاعد أربعة من القضاة، وستكون الفرصة سانحة للائتلاف الحكومي لحسم المعركة في آخر معاقل اليسار الحصينة، بعدما حسمت المعركة أو تكاد في الجيش وفي سائل الإعلام ومؤسسات التنشئة الاجتماعية. بالإضافة، للكثير من القوانين التي شرعها اليمين خلال العقد الماضي كان "يقبرها" قضاة المحكمة العليا الذين كان من صلاحياتهم إلغاء أي قانون يتعارض مع "قوانين الأساس" الإسرائيلية.