24-ديسمبر-2018

"كنا ننبسط لما حدا يعيّدنا قرش. نجمع قرش ع قرش ونروح عالسينما، ونذهب للتنزه في وادي عين قينيا نلقط ميريمية وزعتر ولوف" قال فؤاد طوطح من رام الله واصفًا بهجة "الكريسماس" في طفولته. التقينا فؤاد مع صديقه فريد دحو، في رام الله التحتا، في إطار رحلتنا في الضفة الغربية، لنسأل عن ما بقي من عادات الناس في عيد الميلاد "الكريسماس" أيام زمان.

فؤاد طوطح وفريد دحو

ما الذي فقدناه بين "كريسماس" زمان و"كريسماس" هذه الأيام؟ وما الذي بقي؟ أجاب طوطح بأن "الناس كانوا محترمين مش زي اليوم، وتخلص لبعضها وما بكذبوا. في عيد زمان كنا نهتم بالروحة عقداس منتصف ليلة العيد والعائلات بعدها اتضل مع بعضها".

"كريسماس زمان" كان يجمع العائلات الفلسطينية المقسومة بين الضفة الغربية وعمّان، والمكان الفاعل هي بيت لحم

فيما أشار دحو إلى عادة "الفُقدة" التي لا زالت حاضرة حتى اليوم، إذ يجتمع أهل الحمولة نفسها والعائلات الأخرى ويقصدون في العيد عائلةً فقدت فردًا من أفرادها حديثًا، وذلك من باب المواساة والدعم، لا سيما أن أهل الميت يستمر حدادهم ولا يحتفلون بالعيد.

ويضيف طوطح، "ستي كانت الزعيمة بالعيلة، زي البطرك! الكل يجي عليها في العيد، تلاقي هالدار وحاكورتها فش فيهن مطرح فاضي".

في دير اللاتين ببلدة بيرزيت شمال رام الله، التقينا الزوجين هيلد وموسى ناصر، وقد حدَّثانا أن المسائل الروحية والدينية من صلاةٍ وتراتيل لم تتغير في "الكريسماس" بين الماضي والحاضر، أما المظاهر الاجتماعية فقد تراجعت كثيرًا. فالعيد "أيام زمان" كان يلم شمل العائلات الفلسطينية المقسومة بين عمان والضفة الغربية، والمكان الفاعل هي مدينة بيت لحم حيثُ كنيسة المهد.

ميرغريت نصر قالت إنها كانت تُعدُّ البربارة ليلة العيد، وفي اليوم التالي تأخذها في "صحون" إلى الكنيسة ليقرأ عليها الخوري، ثم تعود بها إلى المنزل ليأكل كل فردٍ من أهل البيت ملعقة منها، ويتركون حصصًا للضيوف.

كان الناس يذهبون إلى بيت لحم جماعاتٍ بواسطة شاحنة مكشوفة "اترك" تحت المطر وفي الأجواء الباردة

في بيرزيت أيضًا، كان أهل البلدة يُضيئون المشاعل أمام الكنيسة ليلة العيد، بالتزامن مع قرع الأجراس حتى انبلاج الصبح، ولا يكتفون بذلك بل يجتمعون كلٌ في ديوان عائلته حتى موعد صلاة العيد. يقول ناجح بربار: "كنا زمان نروح ع بيت لحم في العيد". ثم ضحك وهو يشرح كيف كانوا يذهبون بواسطة شاحنة كبيرة، قال: "كنا نروح مع واحد من البلد عنده إترك، مرة رحنا مجموعة مش أقل من ثلاثين واحد نقعد ورا، وكانت تمطر علينا والجو يكون سكعة وهوا".

ناجح بربار

ذهبنا إلى قبلة المسيحيين حول العالم، كنيسة المهد في بيت لحم، ففي ساحتها شجرة عيد الميلاد، ويتوافد المسيحيون من كل أنحاء فلسطين وخارجها للصلاة والتقاط صورٍ تذكاريةٍ أمام الشجرة، وهذا كان حال صوفي شامية من القدس وابنتها ميري التي جاءت من عمان لقضاء العيد في مدينة المسيح.

صوفي وماري شامية

تقول صوفي: "كانت العائلات تُخبئ الهدايا للأطفال ولما يصبحوا يلاقوهن تحت شجرة العيد في البيت. وكنا نزور المقامات الدينية والكنائس في العيد، عدا عن الحجاج الي كانوا يجو من البلدان العربية بأعداد أكبر مثل مسيحيي طرطوس واللاذقية. يضل الحجاج من محطة النقل للبلدة القديمة بالقدس يغنوا ويزغردوا ع طول الطريق".

كان الحجاج يأتون لفلسطين من بلدانٍ عربية، مثل طرطوس واللاذقية، ويقضون الطريق بين محطة النقل والقدس العتيقة في الزغاريد والغناء

في بيت لحم أيضًا، وبالتحديد في محلٍ تجاريٍ متخصص، تشتري زينةَ العيد، الراهبةُ لويزا حجازين -أصلها من مدينة الكرك الأردنية- وزميلتها اليونانية، وهما من دير الفرنسيسكان في مخيم عايدة. تقول حجازين: "نزين الدير عندنا. أغلب أجوائنا في العيد دينية تتمثل بالصلاة، لكننا نتبادل نحن الراهبات الهدايا ونجهز عشاءً ونجلس مع بعضنا البعض"، موضحة أن بهجة العيد في الماضي تعود إلى العلاقات الاجتماعية المتينة.

الراهبة لويزا (يمين) وصديقتها اليونانية يسارًا

يُبين جورج هودلي من بيت جالا أن الأهالي هم من كانوا يمنحون أبناءهم الإحساس بحلول العيد؛ من خلال الهدايا التي تُنسب إلى سانتا كروز، مضيفًا أن التفرغ لأداء واجبات العيد -لا سيما الاجتماعية- أصبح صعبًا، وأن الوضع الاقتصادي له أكبر الأثر في فقدان الإحساس بطقوس العيد.

وأضاف، "كان الناس في بيت جالا يعملوا ساحة ويعايدوا ع بعض، في هذه الأيام إذا زارك الأقارب وزادت الزيارة عن نصف ساعة بتحسه إنجاز! معظم المعايدات قصيرة؛ شرب فنجان قهوة وأكل الكعكعة وكل سنة وأنتو سالمين بدنا نروح نعيّد على غيركو".

وأشار هودلي إلى أنه لا يزال يذكر عندما زار 25 عائلة ليُعايدها في "لفة العيد" خلال التسعينات، وقد ردَّ هؤلاء الزيارة، أما الآن "ما بتعدوا أصابع اليد".

على بعد درجاتٍ قليلة من ساحة المهد، حيث حارة العناترة، التقينا إيميلي شاهين التي قالت إنها كانت تسعد في العيد بالذهاب إلى منزل عمها نيقولا شاهين، ثاني رئيس بلدية لبيت لحم، مضيفة، "كان وضعه المادي مرتاح، وكان كريم في بيته الي كان مليان ملبس وحلويات. كنا أنا وعيلتي نقضي يوم العيد عنده، وهو ثاني يوم كان يلف على العيلة ويعايد عالكل".

إشعال شموع في كنيسة المهد

وتذكر أنها في طفولتها كانت تذهب إلى ساحة المهد منتظرة حضور البطرك، "كان الناس الساكنين حوالين ساحة المهد يرشوا ملبس وحلو على موكب البطرك لما يصل قبل قداس منتصف الليل".

شجرة عيد الميلاد "أيام زمان" كانت طبيعية لا صناعية، وتحاط بـ"أشياء تلمع" لعدم توفر الكهرباء

قبل ذلك، كان بائع القماش يحمل القماش على ظهره ويدور على الناس لبيعهم الأقمشة التي يُمكن استخدامها في حياكة ثياب العيد. "كان يبسّط عنا في الدار وتيجي نسوان الحارة يشترين منه، وإمي بعد ما يروح البياع تقص القماش الي اشترته وتخيطلنا فساتين العيد" قالت شاهين.

وتنوه شاهين أن شجرة العيد "أيام زمان" كانت طبيعية لا صناعية، ولعدم توفر الكهرباء، كانوا يضعون حولها "أشياء بتلمع" وفق وصفها، ثم تُترك حتى ليلة عيد الغطاس التي يصلي فيها الخوري في كل بيت.

وتابعت، "كنت أحس قبل بقداسة العيد، بس اليوم العيد أغلبه مظاهر. شوبتمنى؟ بتمنى أولادنا يربوا بجو منيح، إحنا كبرنا بالحروب وتزوجنا بالحروب، وكمان نموت بالحروب".

يُذكر أن عيد الميلاد يُطلق عليه الفلسطينيون المسيحيون اسم "العيد الصغير"، وفيه تُقام الصلوات خلال أسبوع العيد، كما يمتنعون عن اللحوم والدهون عمومًا لمدة 30 يومًا، في حين تبلغ فترة الصيام في عيد الفصح -"العيد الكبير"- 45 يومًا.

لوحة مجسمة أمام شجرة عيد الميلاد في ساحة المهد

اقرأ/ي أيضًا:

مار سابا.. قصة دير محرم على النساء

"دير كريمزان".. البداية من نبيذ الصلاة

الزواج المسيحي: سر الكنيسة وإكليل الانتصار