كرّس ضابط الاستخبارات الإسرائيلي "العاد سيلع" قدرات مخابرات جيش الاحتلال "أمان" لصالح عمليّات "تدفيع الثمن" التي يُنفذها مستوطنون متطرّفون، ضدّ الفلسطينيين في الضفة الغربيّة، مستفيدًا من الكمّ الهائل للمعلومات الاستخباريّة التي بإمكانه الوصول إليها، بحكم عمله.
كرّس ضابط إسرائيلي قدرات مخابرات جيش الاحتلال لصالح عمليّات "تدفيع الثمن" التي يُنفذها مستوطنون ضدّ الفلسطينيين في الضفة الغربيّة
القناة الإسرائيلية العاشرة بثّت تحقيقًا متلفزًا عن "ضابط استخبارات جباية الثمن" من مستوطنة "بات عاين" التي تعتبر معقلًا للمستوطنين المتطرفين في تنظيم "تدفيع الثمن"، وكان يعمل في مقر الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في قاعدة كتيبة عصيون شمال محافظة الخليل. وانضم لجهاز المخابرات العسكرية، رغم أنه كان عضو في التنظيم الإرهابيّ "فتية التلال"، وسبق أن خضع للتحقيق في اعتداء على فلسطينيّ.
وبحسب ما بُثّ في التحقيق؛ فإنّه وخلافًا للإجراءات المُتّبعة أثناء التحاق أيّ جندي لسلاح الاستخبارات في جيش الاحتلال، لم يُجر جهاز "الشاباك" الإسرائيلي أيّ فحص أمني للجندي سيلع الذي تدرب لاحقًا في أكثر منظومات جمع المعلومات سرية في جيش الاحتلال، وكان متاحًا أمامه إمكانية الوصول لأيّ معلومة استخبارية حصل عليها "الشاباك" أو الشرطة عن الفلسطينين، أو عن تنظيم المستوطنين المتطرّف، وعناصره، وحتى مصادر الشرطة والشاباك داخله.
التحقيق يؤكد أن "سيلع" فضح طرقًا سرية لجمعِ المعلومات يستخدمها جيش الاحتلال، وعرقل بسبب تسريباته عملياتٍ للأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية.
لم يُجر جهاز "الشاباك" الإسرائيلي أيّ فحص أمني للجندي سيلع الذي تدرب لاحقًا في أكثر منظومات جمع المعلومات سرية في جيش الاحتلال
رونين فنسبرغ قائد أمن المعلومات السابق في الجيش حاول الإيحاء أنّ وصول "سيلع" للاستخبارات كان إخفاقًا، وأنّ معظم الإخفاقات الأمنيّة التي تقع، تكون بسبب أشخاص من داخل الأجهزة الاستخبارية ذاتها، وليس بسبب شخصٍ تم تشغيله من قبل جهازٍ استخباري أجنبيّ، وهؤلاء ينطلقون من دوافع أيديولوجية.
تحقيق القناة العاشرة الإسرائيلية استخدم لقب "ضابط استخبارات فتية التلال" للإشارة إلى "سيلع"، ولكن الوثائق التي يكشفها التحقيق لأول مرة، والمكونة من تسجيلات لمكالمات هاتفية ومحاضر استجواب، تؤكد أنّه كان ينقل المعلومات ليس لفتية فقط، وإنّما لإرهابيين إسرائيليين بالغين من تنظيم "تدفيع الثمن" نفذوا هجمات أدت لحرق ستة أشخاص من أسرة غياضة، من بينهم طفلين، وإضرام النار في مسجد بلدة جبع، وهجمات أخرى استهدفت فلسطينيين، انطلاقًا من معقلهم في مستوطنة "بات عاين". ومن نفس المستوطنة انطلقت خلية إرهابية عام 2003، حاولت تفجير عجلة مفخخة في مدرسة فلسطينية للبنات شرقيّ القدس، ولكن تم القبض عليهم قبل التنفيذ بلحظات.
وخلال عمله تمكّن "سيلع" من الوصول لمعلومات استخبارية حسّاسة تابعة لجهاز المخابرات "الشاباك" يجرى نقلها لقيادة المنطقة الوسطى، في اطار التعاون الاستخباريّ بين الطرفين.
عملية تصنت عفوية استهدفت مشتبهًا به بالاعتداء على فلسطينيين، قادت الشرطة الإسرائيلية في شهر آذار/ مارس عام 2015 إلى "العاد سيلع"، وأثناء قيام الشرطة بمحاولة اعتقال بعض المستوطنين المتطرفين، اتصل سيلع برفاقه وحذّرهم، وبعد ذلك جرى اعتقاله، ولكنه خلال التحقيق اعترف بأنه سرّب معلومات تتعلق بالفلسطينين، فقط، للتنظيم.
تأكد للمحققين بعد مصادرتهم حواسيب من موقع الاستخبارات الذي عمل فيه سيلع، وتحليل معطياتها بالاستعانة بضباط أمن معلومات وضابط حرب إلكترونية أنّ سيلع عمل بشكل منهجي، على مدار أربعة أشهر في جمع معلومات استخبارية مصدرها الوحدة اليهودية في "الشاباك"، وهي معلومات حساسة جدًا لم يكن يفترض أن يطلع عليها جنود جيش الاحتلال.
خلال التحقيق التلفزيونيّ؛ لم يوجّه أي من ضباط الاحتلال أيُّ انتقادات لاطلاع الجندي على معلومات استخبارية حول الفلسطينيين، واعتبروا أنّ اطّلاعه على معلومات تخصّ إسرائيليين، انتهاك لحقوقهم.
ونشرت القناة العاشرة تفاصيل إفادة سيلع أثناء التحقيق معه:
- المحقق: ما هي المعلومات التي انشغلت بها؟
- سيلع: كل شيء. بدءًا من مستوى المعلومات التي توضح ما هو الطعام الذي تناوله شخص ما في وجبة الفطور، وحتى تنظيم مجموعة استعدادًا لهجوم يستهدف فلسطينيين.
بعد سبعة أيام من التحقيق، اعترف سليع أنّه سرّب معلومات استخبارية تتعلق بالفلسطينيين فقط، وقال للمحقق إنّه قدّم لمراسل موقع إلكتروني يمينيّ، معلومات عن أعمال رشق بالحجارة، وعمليات إطلاق نار استهدفت الجيش، وعمليات طعن، وعندما واجهه طاقم التحقيق الإسرائيلي بقائمة من أعمال بحث أجراها بواسطة المنظومة، مستخدمًا حاسوب مقر الاستخبارات، حيث بحث عن عشرات الاسماء من نشطاء اليمين، وحاخامات وأعمال جباية الثمن، وبحث في الحاسوب عن معلومات ومصطلحات مثل "تدفيع الثمن"، ومستوطنات "بات عاين".
وخلال التحقيق كشف سيلع عن طريقة عمله، حيث كان يلتقي في الحديقة العامة لمستوطنة "بات عين" أو في الكنيس أو الشارع،مع أشخاص آخرين وينقل لهم معلومات سرية نجح بطباعتها وإخراجها من مقر الاستخبارات، وبعد ذلك يُقدم على حرق تلك الوثائق.
الشاباك نجح في كشف هويات منفذي الاعتداءات من المستوطنين، لكنّه لم يتحرّك لاعتقالهم أو لوقفهم
وتعرض القناة مقطع فيديو من إفادة سيلع، حيث يسأله المحقق الإسرائيلي: ماذا قلت بالضبط بخصوص مسجد قرية جبع؟ فيقول: أخبرتهم، وكانوا ثلاثة، أنّ اثنين منهم مشتبه بقيامهم بإطلاق النار في المسجد، والثالث مشتبه بتوجيههم، وقلت لهم إنّ معلومات مستقاة من مصادر إلكترونية تؤكد أنّ الاثنين أغلقا بشكل متعمّد هواتفهم الخليوية في نفس الساعة، وأنّهم كانوا مرهقين صبيحة عملية إضرام النار، ولقد طبعت معلومات استخبارية عن عرب وقرأتها لزوجتي، ومعلومات أخرى عن عملياتٍ لمراسل موقع الصوت اليهودي الإلكتروني.
أهـم ما يمكن استنتاجه من التحقيق الإسرائيلي المتلفز عن إفادات الضابط الإسرئايلي سيلع هو نجاح استخبارات جيش الاحتلال، وجهاز "الشاباك" بتحديد هوية منفذي العملية الإرهابيّة التي نفّذها مستوطنون، واستهدفت فلسطينيين، مثل تلك التي أدّت لإضرام النار في مسجد جبع، لكن لم يتم اعتقالهم، وجرى بناء على هذا الأسلوب تحديد من نفّذ الهجوم ومن أصدر التعليمات، وماذا فعل المنفذون صبيحة تلك العملية، كل ذلك ظهر من خلال الوسائل التكنولوجية المكرّسة أصلًا للتجسس على الفلسطينيين.
ويتدخل جهاز "الشاباك" الإسرائيلي في العادة لإحباط هجمات المستوطنين اليهود عندما يتوقع أن تؤدي تلك الهجمات لرد فلسطيني عنيف، فمثلًا اكتشف "الشاباك" محاولة تفجير مدرسة البنات في القدس، وسارع لإحباط الهجوم لإنه وفي تلك الفترة كانت الفصائل الفلسطينية لديها الإمكانيّة للرد بهجمات قوية في العمق الإسرائيلي.
اقرأ/ي أيضًا: