من خلال حسابات وهمية، أو علنًا دون أي اعتبار لأحد، تحوّل موقع "فيسبوك" إلى سوق لبيع السلاح والطلقات النارية وقنابل متفجرة في قطاع غزة المحاصر، وذلك تحت عيون أجهزة الأمن التي لا ترى في الأمر ما يثير القلق، رغم تحذيرات جهات حقوقية من مخاطر انتشار السلاح غير القانوني.
"الترا فلسطين" في سياق البحث في هذا الموضوع، تابع عددًا كبيرًا من المجموعات التي عرضت سلاحًا للبيع، وتواصل مع عدد من البائعين ليجد الرفض جوابًا ثابتًا لدى أغلبهم، وبعضهم لجأ إلى خيار الحظر بعد توجيه الأسئلة لهم على شكل مقابلة مكتوبة، فيما وافق آخرون على الحديث.
[[{"fid":"70781","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":406,"width":652,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]
تواصلنا مع حساب باسم "قيس الشمالي"، عرض مسدسًا من نوع "جلوك" ألماني-نمساوي، يطلب فيه ثمن أربعة آلاف دولار أمريكي، وبعد التواصل معه اتفقنا على الالتقاء به شخصيًا، على أن يبلغنا بالمكان المناسب له خلال ساعات، لكن سرعان ما عاد ليبلغنا برفض المقابلة، ثم طلب أن تكون المقابلة صوتية فقط.
مجموعات على "فيسبوك" تعرض أسلحة وذخائر ومتفجرات للبيع، بعض التجار يصرحون عن أنفسهم، وآخرون يستخدمون حسابات وهمية
"قيس الشمالي" ليس اسمه الحقيقي، ويستخدم رقمًا لا يستقبل المكالمات إلا لساعات معينة، بهدف الرد على أحد من الذين يودون شراء أنواع المسدسات التي يعرضها للبيع على مجموعات البيع في موقع "فيسبوك".
اقرأ/ي أيضًا: السلاح الأبيض.. جريمة في جيوب أطفال غزة
يقول لـ"الترا فلسطين" إنه من عائلة معروفة في غزة، وكانت تملك السلاح في منازلها قبل الانقسام، ثم صادرت حركة حماس قسمًا منه بعد سيطرتها على قطاع غزة، وبقي منه القليل بحوزتها، وهو الآن يبيعه بسبب حاجته للمال.
ورغم أن "قيس" يخفي هويته ويرفض اللقاءات الشخصية، إلا أنه يؤكد أن الأمن في قطاع غزة يعلم بأنه يبيع السلاح، ويضيف، "لكن لا أبيعه إلا لمن أثق بأن استخدامه له بشكل سليم" وفق قوله.
أحد التجار يدعى محمود (31 عامًا) وينشط في بيع السلاح منذ أكثر من عام، ويضع صفته الشخصية ورقم هاتفه، وعند التواصل معه أوضح أنه يشتري السلاح من أشخاص يحتاجون للمال، ويبيعه بسعر أكبر ليربح فيه، وقال إنه لا يجد أي خطر في تجارته للسلاح.
[[{"fid":"70780","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":396,"width":700,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]
يقول محمود: "الذين يشترون السلاح مني ومن غيري عبر مجموعات فيسبوك، هم شخصيات معروفة مثل المحامين وأصحاب المناصب العليا في مؤسسات معروفة، وبعض أصحاب محلات الصرافة أو أصحاب أملاك في غزة ليحموا أنفسهم من أي محاولة اعتداء، لأنه سبق عدد منهم تعرض لمحاولة اعتداء وسرقة".
محامون وأصحاب مناصب عليا ومحلات صرافة يشترون السلاح لحماية أنفسهم، لكن هؤلاء لا يشكلون جميع روّاد هذا السوق
وينوه إلى أنه يعرف غالبية الذين يبيعون السلاح في مجموعات "فيسبوك"، لأنه سبق أن تبادل معهم في "مصالح بيع سلاح ومعداته"، مضيفًا أن قسمًا منهم يبيعون السلاح لأي شخص بسبب حاجتهم للمال.
اقرأ/ي أيضًا: مقاصف مدرسية في غزة: شهادات على أغذية فاسدة وتقصير رسمي
ووفق تقرير لمركز "الميزان" لحقوق الإنسان، فإن عام 2017 شهد استخدام السلاح بشكل خاطئ وخارج القانون في 50 حادثة، أدت إلى مقتل 17 مواطنًا، بينهم 3 أطفال، و6 سيدات، وإصابة 73 مواطنًا، منهم 10 أطفال، و4 نساء.
وحسب قانون رقم 2 لسنة 1998 بشأن الأسلحة النارية والذخائر في القانون الأساسي الفلسطيني، فإنه في المادة "23" يمنع بيع السلاح أو الذخائر إلا من قبل تاجر مرخص، وأن تكون الرخصة سارية المفعول. وتحظر المادة "24" نقل الأسلحة والذخائر بواسطة البريد الداخلي أو الخارجي، وفي حالة الاشتباه بأي طرد يحتوي على سلاح ناري أو ذخائر فيجوز فتحه أمام صاحبة المرسل أو المرسل إليه، من قبل لجنة مختصة، والتحفظ على محتواه ويسلم إلى مدير الشرطة.
وحسب المادة "25" من نفس القانون، فإن عقوبة بيع السلاح دون ترخيص تبدأ من الحبس 3 شهور وغرامة بقيمة 300 دينار أردني، وتصل إلى الحبس لمدة 3 سنوات وغرامة بقيمة 5 آلاف دينار أردني. وتكيّف العقوبات حسب كل واقعة بيع أو تجارة بشكل غير قانوني.
ورغم البيانات التي أفاد بها مركز "الميزان"، إلا أن الناطق باسم جهاز الشرطة في قطاع غزة أيمن البطنيجي يستبعد أن تكون تجارة السلاح على "فيسبوك" تشكل تهديدًا على أحد. يقول لـ"الترا فلسطين" إن تحقيقات الشرطة في جرائم القتل في غزة لم تثبت إن كانت عبر أسلحة من السوق، أو من خلال طلقات أسلحة مرخصة بالخطأ، أو سلاح مقاومة أو سلاح شخصي، أو عبر سكين او أداة ثقيلة.
ويؤكد البطنيجي أن الأجهزة الأمنية في القطاع تملك معلومات عن تجارة السلاح على مواقع التواصل الاجتماعي، "وهي لا ترى تخوفًا منها، فهي تحت السيطرة من طرف المباحث العامة". ويشير إلى أن جهاز النيابة العامة هو من يحرك قضايا تجارة السلاح، وهي من تقرر حظرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
الشرطة في غزة: تجارة السلاح على "فيسبوك" تجري تحت عيوننا، ولا ننوي منعها لأنها لا تشكل مصدر قلق بالنسبة لنا
ويقول: "في قطاع غزة يوجد ظاهرة التسول وهناك قانون يمنع التسول، لكن لا يوجد عندنا نية لمكافحة الظاهرة لأن الظروف الاقتصادية صعبة. وموضوع السلاح من الممكن يكون لأجل كسب المال، وفي النهاية يحضر السلاح لدى الشرطة لأجل الترخيص لذا نحن تحت سيطرة توجه الأسلحة".
ويعلل البطنيجي التوجه لبيع السلاح عبر "فيسبوك" بعدم وجود محلات مرخصة لبيع السلاح في غزة، لأن وجودها سيدفع جيش الاحتلال لقصفها تخوفًا من أن تكون على صلة بالمقاومة، موضحًا أن معظم تجار السلاح السابقين في غزة تركوا تجارته، والذين يتاجرون هم معروفون لدى الأجهزة الأمنية.
ويشير البطنيجي إلى أن مصادر هذا السلاح هي التهريب، أو أنها أسلحة قديمة يحتفظ بها أصحابها منذ سنوات، مبينًا أن ترخيص أي قطعة سلاح يتم بعد التحري عن القطعة حتى لا تكون مسلحة، ويحتاج ذلك ثلاثة أيام.
اقرأ/ي أيضًا:
أسلحة إسرائيل تخلف أمراضًا جلدية صعبة في غزة