27-ديسمبر-2016

واجهة مستشفى الصحة النفسية

أكوام نفايات ملقاةٍ بلا اكتراث، على جانب البوابة، هي أوّل ما يصادفك قبيل اجتيازك بوابة مستشفى الصحة النفسية الوحيد في قطاع غزة، ما يُنبئ بحجم الإهمال الحاصل داخل المشفى التي تُقدّم خدمات علاجية لنحو 74 ألف حالة موزعة على كافة أرجاء قطاع غزة.

بإمكانيّات متواضعة جدًا، يُقدّم مستشفى الأمراض النفسيّة الوحيد في قطاع غزة، خدماته العلاجيّة لنحو 74 ألف حالة مرضية

في حيّ النصر غرب مدينة غزة، تقع الإدارة العامة للصحة النفسية التي تمّ إنشاؤها عام 2008 كأول مستشفى مستقل ومتخصص بالأمراض النفسية في القطاع، بنحو 39 كادرًا طبيًا، منهم 14 طبيبًا، و25 من الأخصائيين النفسيين. 

يرى المتجول في أقسام الصحة النفسية أنها تشتمل على أربعة مبانٍ؛ مبنى التطوير الخاص بالإداريين، والتأهيل النفسي المختص برعاية المرضى العصابين، ومبنى الإدمان الخاص بصرف الأدوية للمراجعين، والمبيت المُكون من طابقين: الأول استقبال ومبيت رجال، والثاني مبيت نساء بحيث لا يتوفر في كلٍ منهما إلا 10 أسرّة فقط موزعة على ثلاث غرف.

قسم المبيت من الخارج

يقسم المرض النفسي إلى قسمين مختلفين، الأول "أمراض عصبية" كالاكتئاب، وفيها يَعرض المريض نفسه طوعًا على الطبيب ولا يحتاج للمبيت. أما الآخر "أمراض عقلية/ ذهانية" يُعاني فيها من اضطراب في العقل والتفكير والسلوك، كالفصام وثنائي القطب، وهي تحتاج للمبيت حيث يُحضِر الأهل المريض للمستشفى جبرًا نتيجة عدم مقدرتهم السيطرة عليه.

اقرأ/ي أيضًا: طب الأسنان في مرمى الانقسام.. يحصل في غزة

تقوم إدارة المستشفى بعد تقييم حالة المريض بإعطائه العلاج المناسب، فإذا لم يستجب مباشرة، واستمرّ في نوبة العنف التي تنتابه ما يشكل خطرًا على حياته أو حياة المحيطين، يتم إدخاله إلى غرفة "العزل الانفرادي" غير المؤهلة، والتي تحتوى على سرير حديدي وبطانية ومرحاض ليس مفصولًا عن بقية الغرفة بأي شكل.

يقول رئيس قسم تطوير خدمات الصحة النفسية هشام المدلل لـ "ألترا فلسطين"، إنّهن يسعون لتوفير الحماية للمريض، فمن المفترض أن تكون الجدران مبطنة والمكان آمن مخافة أن يقوم بضرب رأسه في الجدار كأبسط رد فعل مثلًا".

خيالات

مدير تمريض الصحة النفسية عطية جودة أوضح لـ "ألترا فلسطين" أنّهم يفتقرون إلى قسم الإيواء، فالأسرّة لا تكفي لاستيعاب كل المرضى المحتاجين، مشيرًا إلى أنّ المرضى المزمنين يحتاجون لرعاية خاصة.

ويستوعب المستشفى مرضاه للمبيت في القسم المخصص إلى مدة أدناها أسبوع، ولا يتجاوز أقصاها 3 أشهر، وبمجرد أن يبدأ المريض بالتحسن يخرج مع ضرورة الالتزام بعلاجاته، ويشير المدلل إلى أنّهم يتبعون بذلك التوجه العالمي الذي يحثُّ على معالجة المريض النفسي من خلال دمجه في المجتمع للتخفيف من حدّة الوصمة، بغض النظر عن الحالات المزمنة المتروكة في الطرقات بنوبات عنفها أو هدوئها.

تنتج الأمراض النفسية عن تغيّر كيميائي في تركيبة الدماغ، وربما يُعاني المريض من ضغوطات معينة تفجّر المرض لديه

ويذكر جودة لـ "الترا فلسطين" حالة مرت عليه لأول مرة قبل نحوِ عشرة سنوات، وهي محامية تحظى بمستوى تعليمي عالٍ، وقد تعرض بيتهم لمشكلة عائلية أدت لمقتل أبيها على يد أحد أبنائه؛ ما أدّى إلى تفجّر الأعراض المرضية عندها بشكل كبير لم تستطع مقاومته، فأصيبت بـ "الشيزوفرينيا"، وفيه يفقد المريض الاهتمام بذاته كليًا. ويضيف: للأسف لم يقوم الأهل برعايتها بعد رحيل الوالد، فأصبحت تتعرض لنوبات متكررة، ومازالت تعيش ظروف الحادثة بأدق تفاصيلها وبشكلٍ مزمن.

اقرأ/ي أيضًا: رمال شاطئ غزة ملاذهم الوحيد..

وبعضهم يُصاب بالفصام حيث يصاحب هذا المرض اعتقادات خاطئة، والحالات المُصابة به كثيرة، فمنهم مريض كان لديه اعتقاد راسخ أن زوجته تخونه وأن ابنته ليست "من صلبه" وكلما رأى الفتاة تدلق الماء أثناء تنظيفها للبيت وتكشف عن ساقيها خُيّل إليه أنها تحاول إغرائه فأصبح في قناعةِ نفسه أمام خيارين: إمّا أن يقتلها أو يغتصبها، وفي إحدى مرات إقباله على القيام بأحدِ خياريه تم نقله للمستشفى.

وآخر كان يُعاني من هلاوس سمعية فتارة يدّعي أن الاستخبارات الاسرائيلية تضع له أجهزة تنصت في البيت، ويسيطر عليه هذا الاعتقاد إلى درجة لم يعد يقاومها فوقع في شباك "مرض المنايا"، وآخر تصاحبه هلاوس بصرية فيرى أنه نبي مرسل وأن الوحي يتنزل عليه، فمرة تراه في مزاجٍ مرتفع نتيجة نشاط زائد ومرة يدخل في اكتئاب شديد.

الإدمان.. قسم فقط!

تشتمل "الصحة النفسية" على قسم الإدمان الذي تم افتتاحه عام 2010 وهو لا يرتبط بالإدمان في شيء، إلا باليافطة المُعلّقة أعلى بوابته، كما يوضح أخصائي الطب النفسي د. إيهاب موسى، أحد الأطباء المشرفين على المرضى الذين يتواردون على القسم بتفريغٍ من وزارة الصحة، ويشير إلى أنّ "الوزارة لا تُوفر خدمات علاجية ولا اجتماعية، لا يوجد حتى قسم فطام".

ويضيف أنّ كلّ ما يقدمه القسم، هو صرف 10 حبات من علاجي الأسفال والأرتان كل 15 يومًا للمراجعين، "نحاول إسكات الناس بهم على الرغم من عدم فاعليتهم بتاتًا، ومع ذلك لا يتوفرون دائمًا؛ ما يدع المرضى يتجمعون على البوابة، فنقف مكتوفي الأيدي خاصة عندما يسألك أحدهم هل أذهب لقتل شخص حتى أشتري العلاج؟".

اقرأ/ي أيضًا: "غزة سِرف كلوب" عن الأحلام التي تحفر لتحقق ذاتها

وتتجلى مراحل تطور المشفى من خلال افتتاح قسم الإدمان في العام 2010 والرعاية النهارية في 2014 الذي توقف دعم مشروعه بحسب هشام المدلل، وتتدارس الإدارة نقل قسم مبيت النساء إليه وتحويل الأخير إلى قسم فطام لمرضى الإدمان، سعيًا في تطوير خدمات المستشفى.

ويتوفر في الصحة النفسية جهاز التخطيط الدماغي، فيما تفتقر إلى جهاز العلاج بالصدمات الكهربائية، وتتطلع لإنشاء خط ساخن للعلاج النفسي والإرشاد والتدخل السريع في حال الطوارئ، وإنشاء المركز الوطني للطب النفسي والتأهيل أيضًا وتطوير غرفة العزل الانفرادي.

حديقة مستشفى الصحة النفسية الوحيد 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

غزة تواجه التحذيرات الدولية من الكارثة باللامبالاة

لوحات غزة الإعلانيّة.. من التحرير إلى التحرر

"غزة سِرف كلوب" عن الأحلام التي تحفر لتحقق ذاتها