24-يونيو-2018

صورة عامة لمدينة البيرة - عدسة أحمد عودة

يحكي أمين غنيم - وهو أحد أبناء مدينة البيرة الأصليين، تحديدًا من عشيرة الغزاونة، وهي إلى جانب عائلات الجبرة واليعاقبة والزعاربة أول من سكن المدينة من العرب - قصة تعود للقرن السادس عشر ميلادي، تدور أحداثها حيثُ الحكم لقبيلة بني عامر في مدينة الكرك بالأردن، بزعامة الشيخ ذياب بن قيصوم، وكانت تعيش في ظلها عشيرة مسيحية تُدعى حدادين؛ ويقودها راشد حدادين، الذي تقدم الأول لخطبة ابنته لابنه المسلم، فاستجار بصديقه حسين بن طناش منعًا لهذه الزيجة، وقطعا نهر الأردن إلى فلسطين هربًا مع عوائلهما ليلاً، فاستقر حدادين في منطقة رام الله التي لم تكن في حينه مدينة، واستقر بن طناش وربعه في البيرة.

اقتلع بن طناش فيما بعد، عشيرة الغزاونة من البيرة وفرَّق شملها، وهذا كان أحد الأسباب التي ساعدت في تراجع مكانة مدينة البيرة، لتحظى بها جارتها - رام الله - حديثة العهد بالمقارنة معها، علمًا أن عائلات البيرة الحالية وهي: قُرعان، الطويل، حمايل، عابد، هي من نسل بن طناش، إضافة إلى الرفيدي، العائلة الوحيدة المسيحية في البيرة، وقد جاءت من رفيديا قضاء نابلس.

عائلات مدينة البيرة الآن من نسل رجل أتاها هاربًا من الكرك، ثم هجّر أبناءها الأصليين عشيرة الغزاونة

رغم تجاور مدينتي رام الله والبيرة، وتفوق الأخيرة بمساحة تُقدر بــ22.045 كم2، وعدد سكان يبلغ  80ألف نسمة، وعراقة تاريخ التشكل، إلا أن رام الله هي صاحبة الحظوة الكبيرة؛ لدرجة أن كثيرًا من القرارات الحكومية الصادرة من دوائر حكومية تقع في أرض البيرة ومناطقها، تعتمد صيغة رام الله، ولا يتوقف الأمر هنا بل إن مراسلي الفضائيات المحلية والعربية والعالمية يخرجون من أرض المقاطعة التي تتبع مدينة البيرة، ويُخبرون مُشاهديهم خلال مواجهات "بيت إيل" الدائرة على أرض البالوع التابعة للبيرة، أنهم في رام الله.

اقرأ/ي أيضًا:  نابلس.. هبة العيون

كما أن قاصدي المدينة عندما تسألهم أين وجهتكم، وإن كانت إلى الإرسال أو أم الشرايط أو البالوع أو الشرفة؛ فسيقولون أنهم سيذهبون إلى رام الله. ومن الطريف بمكان أن جميع سيارات الأجرة العاملة على الخطوط الخارجية بين البيرة ورام الله ومحافظات الضفة، يُكتب على هيكلها الخارجي رام الله- نابلس مثالاً؛ لكنها تركن وتُحمّل ركابها ويستقر بها المطاف في محطة البيرة المركزية.

في هذا التقرير يحاول الترا فلسطين البحث عن الأسباب التي أفضت إلى تراجع مكانة البيرة.

[[{"fid":"72452","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":559,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

صورة لمدينة البيرة في القرن الماضي

يعود تاريخ مدينة البيرة إلى العصر الحجري النحاسي، بحسب الباحث والمؤرخ عوني شوامرة في كتابه "تاريخ البيرة ومعالمها الأثرية"، وقد ظهرت دلائل العصر الحجري النحاسي في البيرة في منطقتي رأس الطاحون وتل النصبة، حيث استوطن فيها البشر ثم تشكلت إثر ذلك قرى زراعية.

ظهرت دلائل العصر الحجري النحاسي في البيرة؛ في منطقتي رأس الطاحون وتل النصبة

مرت البيرة بعد ذلك بالعصور البرونزية، والحديدية، والبابلية، والفارسية، ثم العصور الكلاسيكية بما فيها الرومانية والبيزنطية، ثم الفترة الإسلامية المُبكرة وهي؛ الأموية والعباسية والفاطمية، وصولاً للفترة الصليبية التي كانت خلالها البيرة إحدى 21 قرية تابعة لناحية القدس، واُعطيت مكانةً جيدة؛ كونها تتمتع بموقع استراتيجي بين القدس ونابلس، وتتوسط القرى المحيطة بالقدس من الشمال، وأُسست فيها محكمة قضائية.

يُبين أمين غنيم، بأن البيرة في فترة الصليبيين كانت مركز الحكم والإدارة، وبصفته رجلاً تربويًا شغل إدارة المدرسة الهاشمية لسنوات طويلة، وأسس العديد من الجمعيات في مدينة البيرة، فقد لاحظ في بحثه أوراقًا ووثائق تذكر اسمها باعتبارها مرجعًا بخصوص شؤون التربية والتعليم، ففي العام 1872 كان عدد الطلاب في البيرة 183 طالبًا.

[[{"fid":"72451","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":404,"width":380,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

صورة جماعية لرجالات من البيرة

عندما وصل العثمانيون أطلقوا على المدينة اسم البيرة الكبرى، وحدا اشتهار أبناء البيرة بالرجولة والبأس الشديد إلى إنشاء طابور أو جيش صغير يحمل اسمها، وأسسوا مدرسة فيها، ومستشفى بيطريًا، وعرفت في حكمهم المدينة البريد والتلغراف.

العثمانيون أسسوا جيشًا صغيرًا يحمل اسم البيرة، وأقاموا فيها مدرسة، ومستشفى بيطريًا، وبريدًا، وتلغراف

لكن يؤكد المؤرخ سميح حمودة في كتابه رام الله العثمانية، أن العثمانيين اضطروا لاحقـًا إلى الاهتمام برام الله على حساب البيرة، نظرًا لزيادة اهتمام الغرب فيها، لذا جعلوها مركز الناحية عام 1902، بعدما كانت قريةً زراعية تابعة للبيرة.

اقرأ/ي أيضًا: في بيت لحم.. أسماء القرى تروي تاريخًا

يوضح الباحث عباس نمر أن ناحية البيرة تأسست عام 1804، وبعدها صار لها بنيانها وعماراتها، وفيها أحواش وحارات كثيرة، رغم أنها مدينة صغيرة نشطة زراعيـًا آنذاك.

ويذكر أمين غنيم، أن رحلة تشتت أهالي البيرة لم تتوقف عند إقصاء الغزاونة منها؛ بل أن من بقوا تشتتوا إثر حرب 1948 في أرجاء الوطن، كما كانوا يهاجرون إلى سهول مادبا بالأردن لغايات الزراعة والحصاد، قبل أن تبتلع فكرة الهجرة إلى أمريكا والبرازيل الكثير منهم. وبدأت - حسب غنيم - أول هجرات البيراوية عام 1907، وما كان يُسهل الأمر أن من بحوزته الجنسية أو الإقامة هناك، يُسمح له بطلب عائلته ومن شاء.

[[{"fid":"72450","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":412,"width":564,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

صورة جماعية لعائلة من البيرة في حفل زفاف

علم الترا فلسطين أن وليد حمد - وهو أول رئيس لبلدية البيرة في عهد السلطة الفلسطينية (1997-2005) -  قد ألقى مفاتيح البلدية في وجه محافظ رام الله والبيرة وقتها مصطفى عيسى، لتأكيد موقفه ومعه ورجالات كُثر على رفض استثناء مدينة البيرة من مسمى المحافظة، لتكون محافظة رام الله فقط.

توجهنا إلى وليد حمد الذي قابل السؤال بابتسامةٍ عريضة شارحًا ما حصل؛ بأنه وبعض وجهاء البيرة رفضوا إسقاط اسم البيرة، واجتمعوا مع الرئيس ياسر عرفات من أجل الأمر أكثر من مرة، كما كانت لهم جلسات ومشاورات مع المحافظة والجهات ذات الصلة.

يقول: "كان الرئيس الراحل عرفات يُحب البيرة، لكنه كان يصمت عندما أسأله حول سبب اهتمام السلطة برام الله أكثر، وكنت أتجرأ على معاتبته قائلاً يا سيادة الرئيس أنتم في المقاطعة على أرض البيرة. وعندما كنت أؤكد في لقاءات البلدية معه على أهمية الاعتناء بالمدينة لم يكن الأمر يُعحب المحيطين بالرئيس عرفات".

ولم يكن دور حمد في الدفاع عن المدينة مقترنًا برئاسة البلدية، بل أنه عندما كان مهندسًا فيها أصر ورفاقه على تأكيد مكانتها وأحقيّتها الجغرافيا على الأقل، فكتبوا على أرضية مهبط طائرة عرفات عندما قدِم إلى البيرة من غزة "أهلاً بكم في مدينة البيرة".

ويرى أمين غنيم أنه ليس من السهل على البيرة أن تستعيد عافيتها بعد كل ما سبق؛ فالمؤسسات تلعب دورًا، والإعلام والناس كذلك، "أرجو من البلدية أن تستنهض دورها أكثر في هذا الشأن".

يقول مدير بلدية البيرة زياد الطويل، إن قضية البيرة ورام الله تاريخية ومتجذرة منذ زمنٍ طويل، "وقد أُريد للبيرة أن تُهمش في وقت الاحتلال البريطاني، واستمر الحال في فترة الحكم الأردني، إذ اعتبرت القوانين الأردنية أيضًا رام الله مركز لواء رام الله والبيرة".

جيش الاحتلال نهب أرشيف بلدية البيرة الذي كان زاخرًا بالوثائق التي تؤكد مكانة المدينة تاريخيًا

ويُضيف أن ما يُمكن للبلدية فعله تنظيم مهرجانات تؤكد اسم المدينة ومكانتها، وتأكيد اسم البيرة في مسميات العديد من المراكز الحيوية والتراثية فيها، مبينًا أن أرشيف البلدية الذي كان زاخرًا بالوثائق التي تؤكد مكانة البيرة تاريخيًا، تعرض للنهب على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1982 وعام 2009، ما أضعف مخزونها التاريخي كثيرًا.

أما مدير الدائرة الثقافية في بلدية البيرة عامر عوض الله، فيؤكد اهتمام الدائرة بإعلاء مكانة البيرة من خلال مكتبتها العامة؛ وتحويل خدماتها التقليدية من مجرد مكتبة إلى مركز ثقافي وفكري يقود العمل التطوعي والسياسي والنضالي، ما دفع بالاحتلال إلى إغلاقها واستهدافها على مدار سنوات طويلة.

لكن عوض الله يرى أن ما سبق لا يكفي لأجل البيرة؛ لذا تعمل الدائرة على صياغة استراتيجية للترويج للمدينة، ومنها إشراك مواطنيها ومؤسساتها في هذا الأمر، وتوطيد العلاقة مع الجهات الإعلامية من أجل ذلك.


اقرأ/ي أيضًا:

بالصور: قرية كور وحنين لأيام عز

العيزرية.. معجزة للمسيح وكنيستان بينهما مسجد

بالصور: رحلاتٌ إلى سماء فلسطين