03-يناير-2017

رحلةٌ كونيةٌ تبدأ على متن سطح "تل القمر"، شرق بيت لحم. يغادر الراحلون عالمنا ليزوروا عوالم أخرى في الفضاء اللا متناهي، يعاينون بأنفسهم ما سمعوه من قصصٍ عن آلهة الحب والكوكب الأحمر وجوهرة تاج النظام الشمسي وغيرها من التحف الكونية المنتشرة في سماء الكوكب. هي رحلة الفضول التي يخوضها روّاد المخيمات الفلكية في فلسطين بحثًا عن إجابات لأسئلتهم.

يبدأ موسم المخيمات الفلكية الفلسطينية، التي يشرف عليها كرسي اليونسكو لعلوم الفضاء والفلك، منذ مطلع فصل الربيع مستمرًا حتى نهايات الخريف من كل عام، تحت شعار "نحو مجتمعٍ خال من الأمية الفلكية". فكرةٌ قررت مجموعةٌ من هواة الفلك تطبيقها قبل ثلاث سنوات من الآن، لشغفهم في اكتشاف أسرار سماء فلسطين.

يتزايد إقبال الشبان والشابات على المشاركة في المخيمات الفلكية في الضفة الغربية والتصوير والرصد بالتلسكوبات

فوق "تل القمر" البعيد عن صخب المدينة، تبدأ فعاليات المخيم الفلكي من الساعة السادسة مساءً حتى صبيحة اليوم التالي. وتتضمن ورشاتٍ تعريفيةٍ تليها مجموعةٌ من المحاضرات العلمية كالحديث عن الظواهر الفلكية، والنظريات العلمية كبداية الخلق ونظرية الانفجار العظيم. كما ويتعلم رواد المخيم الرصد بواسطة التلسكوبات، فيرصدون كواكب المجموعة الشمسية مثل الزهرة، وعطارد والمريخ، بالإضافة إلى المجموعات النجمية والأجرام السماوية.

اقرأ/ي أيضًا: بالفيديو.. جولة استكشافية للصوفية في جنين

يقول المهندس داوود طروة، ممثل كرسي اليونسكو لعلوم الفضاء والفلك في الضفة الغربية، "بدأنا فكرة المخيمات لنشر الثقافة الفلكية وللترويج العلمي والمعرفي في مجتمعنا، وهي فكرةٌ تعاونيةٌ بين الضفة الغربية وغزة".

وأوضح أنه يوجد نوعان من المخيمات الفلكية، الأول هي المخيمات الصغيرة التي تضم عددًا قليلاً لا يتجاوز الـ70 شخصًا، تكون غالبًا للمصورين، يرصدون فيها ظاهرةً معينةً في السماء و يصورونها. والنوع الآخر مخيماتٌ عامةٌ تضم عددًا أكبر من المشاركين يصل عددهم إلى 150 شخصًا من الهواة والمصورين والعائلات الذين يحبون علم الفلك والاكتشاف.

كان الإقبال نادرًا على المخيمات الفلكية في بداياتها، حسب طروة، فقد كانت تقتصر على الطلبة من تخصصات الرياضيات والفيزياء بشكلٍ خاص، وذلك كي يتم تشكيل مجموعةٍ تساهم في التخطيط والتدريب وإعطاء المحاضرات في المخيمات المقبلة.  ومع مرور الوقت، أصبحت هذه المخيمات تشهد موجة اهتمامٍ كبيرةٍ، فوصل عدد المشاركين فيها ألفي شخصٍ على مدى السنوات الثلاثة الماضية.

نايف حموري أحد المحاضرين في المخيمات الفلكية منذ ثلاث سنوات، يقول إنه لم يكن لديه أي معلومات عن التصوير الفلكي حينها، لكنه تعلم الكثير معهم حتى أصبح محاضرًا في هذا المجال، مضيفًا، "تجربة المخيمات جميلة بحق وفريدة من نوعها".

ويضيف، "الكثير من المصورين يحبون التصوير الليلي الفلكي، ولكن خروجك بمفردك ليلاً إلى المناطق البعيدة يعد مخاطرة في بلادنا، لذلك تعتبر المخيمات نشاطًا آمنًا وقليل التكلفة".

وتمتاز منطقة "تل القمر" ببعدها عن التلوث الضوئي والبيئي، إضافةً لكونها معتمةً جدًا، فتتيح للمصورين التقاط صورٍ واضحةٍ وجميلةٍ لمجرة درب التبانة ومسارات النجوم، كما تقول المصورة لمى عمرو، مبينة، أنها تعلمت كيف تحدد موقع النجم القطبي في السماء لتصور مسارات النجوم.

وأضافت لمى، "تفاجأت أنه عنا هيك نشاطات في البلد. ليه نروح أماكن بعيدة زي السويد والنرويج عشان نصور السماء عندهم. سماء فلسطين جميلة جداً".

من بعيدٍ يبدو واقع المخيمات الفلكية في فلسطين صافيًا! ولكن الاحتلال يأبى إلا أن يحدد شكل بعض التفاصيل. فلم تكن "تل القمر" الخيار الأول والوحيد لمؤسسي المخيمات الفلكية، ولكن ظروف الاحتلال تلعب دورًا في حصر خياراتهم جغرافيًا.

يضيق الاحتلال على المخيمات الفلكية في اختيار المواقع المناسبة وإدخال المعدات اللازمة ما يعطيها نوعًا من السرية

يقول داوود طروة: "منطقة الرصد الأنسب في فلسطين هي صحراء النقب، ولكن لصعوبة الدخول إليها تم اعتماد المناطق في الضفة الغربية، حيث يوجد موقعان مناسبان للرصد الفلكي وهما شرقي الخليل وشرقي بيت لحم، لكن يصعب تشكيل مخيماتٍ فلكيةٍ في الخليل لأنها غير آمنةٍ بسبب تربص جيش الاحتلال بكثافةٍ هناك".

اقرأ/ي أيضًا: بالصور: رحلة إلى بيت لحم.. عجائب فلسطينية

أما عن التصوير الفلكي فيقول نايف حموري: "لا نستطيع التصوير في الكثير من المناطق في الضفة الغربية بسبب المستوطنات. تل القمر هي المنطقة الوحيدة التي نستطيع التصوير فيها ولكننا نعاني حتى نصل إلى هناك".

ويكمل، "أصحابي من الداخل المحتل يصورون في صحراء النقب. الوضع يختلف كثيرًا هناك، فالمكان أجمل بكثير من هنا ولكنكم تعلمون مدى صعوبة الذهاب إلى النقب".

ويضاف إلى الصعوبات التي يواجهها الهواة الفلكيون في فلسطين، أن الاحتلال يضيّق عليهم في إدخال المعدات اللازمة لهم واقتنائها أيضًا.

سيارةٌ تحمل التلسكوب، متوسط الحجم للمخيمات الفلكية الخارجية، تسبقها سيارة مراقبة، تبعد عنها مسافةً آمنةً، تمكنها من مراقبة وجود دورياتٍ لشرطة الاحتلال أو الجيش؛ لتنذر الأولى التي تتبعها في حالة وجودهم بان تأخذ طريقًا آخر أو أن تعود أدراجها. هكذا تبدأ الرحلة الفلكية في كل مرةٍ وصولاً إلى الموقع.

ويفيد داوود طروة بأن جيش الاحتلال صادر عام 2014 التلسكوب في إحدى الرحلات الفلكية عام 2014، بزعم أنه للاستخدام العسكري، وما يزال التلسكوب محتجزًا بالفعل.

وأعلمنا طروة أن شراء التلسكوبات و إدخالها إلى فلسطين ليس أمرًا سهلاً، "فالمعدات الفلكية كالتلسكوبات ممنوع تدخل فلسطين إلا عن طريق مؤسسات أجنبية أو مؤسسة قوية في الدولة"، حسب قوله.

وبين، أن إدخاله للضفة الغربية يتم أحيانًا من خلال جمعياتٍ فلكيةٍ في الداخل المحتل، إذ يشتري هؤلاء التلسكوب باسمهم ويمررونه إلى الضفة، مضيفًا، "من حسن الحظ أنه لم يتم أي تفتيش لسياراتهم حتى الآن  ولكن ومع ذلك هم معرضون للتفتيش في أي لحظة".

ويؤكد طروة، أن مشكلة الحصول على التلسكوبات والتنقل بها إلى تل القمر ما تزال قائمة رغم وجودهم القانوني، وحتى بعد حصول فلسطين على كرسي اليونسكو للفضاء والعلوم. هذا بالإضافة إلى النقص في الدعم المادي والكادر المختص الذي يلزم لإقامة مخيماتٍ فلكيةٍ بالمستوى الذي يتحقق في دولٍ أخرى.

أُقيم مؤخرًا مركز أبحاث العلوم والفلك في جامعة الأقصى، ونوادي فلكيةٍ في جامعتي بيرزيت والنجاح

 ويطلعنا سليمان بركة عالم الفلك وحامل كرسي اليونسكو في علوم الفضاء والفلك في فلسطين، على الإنجازات الفلسطينية في هذا العلم بعد الحصول على كرسي اليونسكو في الفضاء، مبينًا أن أهمها إقامة مركز أبحاث العلوم والفلك في جامعة الأقصى بغزة، بالإضافة إلى إقامة النوادي الفلكية في الضفة الغربية في جامعتي بيرزيت والنجاح.

ويضيف، "أخيرًا بدأنا نستيقظ من نومنا ونساهم في إنتاج المعرفة الإنسانية، فأبناؤنا وبناتنا مطلعين على أحدث الدراسات والاكتشافات العلمية في علم الفضاء والفلك، بل ويمارسونها وبأعدادٍ كبيرةٍ، وهذا نتيجة جهد متواصل من المختصين".

وعلى الرغم مما سبق، إلا أن بركة يرى أن فكرة علم الفلك لم تنضج على المستوى الوطني بعد، ولذلك فهو يؤمن بأهمية إدراجه في مناهج الجامعات والمدارس في فلسطين. يقول: "أريده أن يكون متطلبًا أساسيًا كاللغة العربية والدين؛ لأن الغرب قوي جدًا في علوم الفضاء والفلك والفيزياء الفلكية، فمساهمةٌ فضلى أن يكون لدينا إنتاجٌ معرفيٌ فلسطينيٌ في هذا المجال، ويتحقق هذا بأن يصبح الفلك جزءًا أساسيًا من المنهج القومي والوطني الفلسطيني".

اقرأ/ي أيضًا: 

العيزرية.. معجزة للمسيح وكنيستان بينهما مسجد

موديلز فلسطين.. هواية أم احتراف؟

صور | كلابٌ مدللة في غزة