14-مارس-2018

صورة تعبيرية - (Getty)

يُسجل قطاع غزة معدلات عالية في الفقر، والبطالة، والإدمان، والانتحار، وما يدور في هذا الفلك، وذلك بعد 12 سنة من الانقسام والحصار، ما وضع المواطنين فيه، وتحديدًا فئة الشباب من الجنسين، على حافة الانهيار النفسي، في ظل غياب أي أفق للحيلولة دون الانفجار، رغم أن جميع الجهات تحذر من اقتراب وقوعه.

ارتفاع معدلات ما سبق، يقابله انخفاض غير عادي في ساعات وصول الكهرباء إلى منازل المواطنين، ما يمنع اندماج الشبان في أي نشاط روتيني يومي، ويحد من فعاليتهم وطاقتهم، ويسهتلك مجهودهم. تحذر زهية القرا من تبعات ذلك، وهي الأخصائية النفسية في برنامج غزة للصحة النفسية، وترى أن الشباب لا متنفس لهم، وإمكانياتهم وقدراتهم غير مقدرة، حتى أن أبواب السفر مغلقة أمامهم، وهذا يشعرهم بالعجز الدائم.

الاكتئاب المقنع يغزو غزة، ويتمثل بالنوم الدائم والعصبية والشكاوى الجسدية المتكررة، وكذلك الإدمان على المخدرات والأدوية النفسية

تبيّن القرار لـ الترا فلسطين، أن غالبية الشباب في القطاع يعانون من الاكتئاب المقنّع، ويتمثل بالنوم الدائم والعصبية والشكاوى الجسدية المتكررة، إضافة إلى انسياقهم خلف التدخين والإدمان على المخدرات أو العقاقير والأدوية النفسية.

اقرأ/ي أيضًا: خريجو صحافة للعتالة والعمل "بتراب المصاري"

وتوضح أن الشباب وقعوا ضحية التشويش، فهم غير قادرين على الاحتجاج أو تحديد الجهة التي يحاسبونها على هذا الوضع، ولا يدرون كيف يمكنهم إصلاحه، محذرة من أن ذلك ينعكس على مفاهيمهم تجاه الوطن ككل، وعلى المدى البعيد ستتأثر هويتهم الوطنية والشخصية.

وتضيف، "الوضع الحالي سيؤدي إلى زيادة في الجريمة والسرقة والقتل، كما يمكن أن يحدث تفككًا على المستوى الأسري، وهذا مؤشر إلى الانفجار الأخلاقي الذي يهدد البيئات غير المستقرة".

وبلغت نسبة البطالة في قطاع غزة 46.6%، وهي النسبة الأعلى عالميًا، إذ يوجد حوالي 243 ألف شخص عاطل عن العمل، بحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة.

ووفق الإحصائيات الصادرة عن الغرفة التجارية في غزة لعام 2017، فإن 67% من نسبة البطالة تستهدف الخريجين في الفئة العمرية ما بين 20-29 سنة. أما معدلات الفقر فليست أقل من 65%، هذا بالإضافة إلى انعدام الأمن الغذائي لدى 50% من العائلات في قطاع غزة، وهناك ما يزيد عن 15 مليار دولار خسائر تكبدها قطاع غزة خلال سنوات الحصار.

ووفق إحصائية أخرى أصدرها مركز غزة المجتمعي؛ التابع لبرنامج غزة للصحة النفسية، فإن 30-35% من المواطنين في قطاع غزة تعرضوا لاضطرابات نفسية بعد حرب 2014، بسبب انعدام الأفق في ظل الانقسام السياسي، علمًا أنه يوجد في قطاع غزة مستشفى واحد فقط وست عيادات نفسية حكومية لمعالجة المصابين بالاضطرابات النفسية.

30-35% من المواطنين في قطاع غزة تعرضوا لاضطرابات نفسية بعد حرب 2014، لكن الإقبال على العيادات النفسية لا يحدث إلا بعد وصول المريض مرحلة صعبة

يعلق الطبيب النفسي حسن الخواجا، وهو المدير الطبي للعيادة النفسية الحكومية في غزة، بأن تدهور الأوضاع السياسية من أكثر الضغوط التي تؤثر على نفسية الشباب، وتسبب لهم اضطرابات تظهر عليهم بشكل واضح كالقلق والإحباط والعصبية الزائدة.

اقرأ/ي أيضًا: المحل للإيجار.. الإعلان الأشهر في غزة

ويقول الخواجا لـ الترا فلسطين، إنه لا توجد أرقام دقيقة حول نسبة الشباب الذين يترددون على العيادات لتلقي العلاج النفسي، لكن العدد قليل جدًا، ولا يفعلون ذلك إلا بعد أن تكون أوضاعهم النفسية قد وصلت إلى حد سيء جدًا، مضيفًا أنه في هذه الحالة يخضع المريض للملاحظة، ثم يتم التعامل معه وفق الإمكانيات البسيطة المتاحة في العيادات الحكومية.

نهاية عام 2017، أحدثت المخابرات المصرية حراكًا قويًا في ملف المصالحة بين فتح وحماس، وأعلنت الحركتان عن رغبتهما بالسير دون توقف أو تردد في هذا الملف، وخرجت تصريحات من الجانبين تؤكد على ذلك، مثل قول يحيى السنوار: "سنكسر عنق من يعرقل المصالحة"، وقول محمود العالول: "سنطلق الرصاص على من يعرقل المصالحة"، ما أنعش آمال الغزيين بأن يحمل هذا الحراك انفراجًا حقيقيًا.

الآن وبعد أربعة أشهر من تحريك الملف، لا تزال المصالحة تراوح مكانها دون تقدم، ما شكّل صدمة بالنسبة للشباب الذين كانوا قد كسروا الفخار خلفها تفاؤلاً بنجاحها هذه المرة. يقول الخواجا إن كل ذلك أفقد الشباب الأمل، وأشعرهم بالعجز عن تكوين مستقبلهم، فلم يعد بمقدورهم إيجاد فرصة عمل أو تكوين أسرة.

تكرر فشل المصالحة أدى لتدهور الأمان النفسي لدى شباب غزة، وتسبب بقلق مستقبلي لهم

وإضافة إلى العجز وفقدان الأمل، فإن تكرر فشل المصالحة أدى لتدهور الأمان النفسي أيضًا لدى الشباب، وتسبب بقلق مستقبلي لهم، وفق الأخصائي النفسي إسماعيل أبو ركاب. يوضح أبو ركاب لـ الترا فلسطين أن القلق المستقبلي مصطلح نفسي يعني غياب الرؤية المستقبلية المتعلقة بالشباب، اجتماعيًا واقتصاديًا وشخصيًا، "وإذا راود الشباب في ريعان شبابهم وفترة عطائهم يمكن أن يدخلهم في حالة الإحباط والاكتئاب".

ويؤكد أبو ركاب أن دوامة الاكتئاب تُوجِدُ نظرة سلبية من الشباب تجاه أنفسهم، خاصة في حالة عدم قيامهم بدور فعال في المجتمع، ما يولد لديهم شعورًا بالنقص، وبالتالي تنعدم لديهم رؤية المستقبل، وينتج عن ذلك انحراف فكري وديني وسلوك عدواني، يرافقه تنامي الشعور بالعزلة والإهمال لأنفسهم ومن حولهم.

ويضيف أن أقلية من الشبان الذين دخلوا في دوامة "القلق المستقبلي" يرغبون بالرجوع إلى طبيعتهم، مؤكدًا أن القلق يؤثر بشكل كبير على خريجي الجامعات، نتيجة اهتزاز ثقتهم بنفسهم وإيمانهم أنهم بلا قيمة في هذا المكان.

وكانت إحصائيات حقوقية رصدت 73 حالة انتحار في الأراضي الفلسطينية منذ عام 2012، غالبيتها في قطاع غزة. وفي عام 2016، تم توثيق 17 حالة انتحار في قطاع غزة، و80 محاولة فاشلة، مقارنة بـ35 محاولة انتحار في عام 2015، انتهت خمس منها بالوفاة. وإضافة إلى الانتحار، فقد وقعت في قطاع غزة 77 حالة قتل خلال عام 2016، ثم ارتفع عدد جرائم القتل في عام 2017 ليصل إلى 81 جريمة.


اقرأ/ي أيضًا:

تجار وموظفون "رايحين جايين" على سجون غزة

الدجاج والحبش أولاً في غزة.. واللحوم الحمراء للمناسبات

الذهب في غزة في عصره الحجري