06-مارس-2016

مظاهرة في فلسطين (Getty)

وفقًا لتوقيت الفرح العالمي فإن الساعة دائمًا صفر في فلسطين. الوقت دائمًا غير مناسب للفرح، لأننا دائمًا نملك من الحزن ما هو كفيل بتعطيل أي بهجة قد تجعلنا نضحك حقًا من قلوبنا. الضحك من القلب رفاهية لا تعرفها الشعوب المحتلة.

اختياراتنا الفكرية لا ترفعنا درجة في عين الوطن ولا تنزلنا درجة إلا إذا كانت تنعكس إلى أفعال تمس البلاد التي نحب

هناك دائمًا عائلة تمر بوقت صعب أو عائلات، حسب نصيبنا من الموت في ذلك اليوم. وجع الموت أمر لا يُنسى، هو ثابت في الوجه مثل العينين، والشهداء يقفون على طرف العين دائمًا. نراهم بوضوح موجع ونتخيل دومًا نصيبهم الضائع من كل شيء نراه، وحتى إذا حصل وأغلقنا عيوننا من شدة الضحك فإنهم يمرون بالعتمة. فنحاسب أنفسنا على ذلك، ونشعر بتأنيب ضمير لأننا نضحك الآن بدونهم فنفتح عيوننا سريعًا حتى لا نتمادى فيما نفعل.

اقرأ/ي أيضًا: المؤامرة.. صديقتي المفضلة

الحزن أمرٌ يصعب تعريفه ويصعب فهمه، والفرح كذلك في بلاد الموت، أمرٌ يصعب تعريفه وفهمه، ويصعب أيضًا وضع ساعة تحدّد توقيته الصحيح من الخاطئ. الفرح هنا أشبه بوجبة طعام تأكلها لأنك جائع وليس لأنها وجبتك المفضلة. أن تأكل طعامًا لا تحبه ليس أمرًا سهلًا، ولكنه ضروري للبقاء.

حتى عندما نتفق كفلسطينيين على تمرير وجبة من الفرح لنتمكن من البقاء في ظل حياتنا المليئة بالقبور التي نتعرقل بها دائما، سنختلف على شكل الفرح المسموح به في حالة الطوارئ الأزلية التي نعيشها. ولكن لحظة، من الطبيعي أننا سنختلف لأننا بالأساس لا نشبه بعضنا ولا يفترض أن نشبه بعضنا. ففلسطين بلاد الذين يصلون الفجر والذين يشربون حتى الفجر. بلاد النساء اللواتي اخترن أن يغطين وجوههن والنساء اللواتي اخترن أن يظهرن ركبهن. "هذه البلاد لا دين لها"، أكتبها هنا ليس كما نقولها بالعامية الفلسطينية للتعبير عن السخط، بل هي هنا للتعبير عن الوطن الذي نحتاج أن يسَعنا جميعًا.

اقرأ/ي أيضًا: الدينُقراطية!

اختياراتنا الدينية والفكرية وحياتنا الاجتماعية لا ترفعنا درجة في عين الوطن ولا تنزلنا درجة إلا إذا كانت تنعكس إلى أفعال تمس البلاد التي نحب. وأعلم أننا سنختلف أيضًا فيما يمس البلاد التي نحب، ولكن لماذا لا نتفق أولًا أننا نحب هذه البلاد وأن الثياب التي نرتديها والكتب التي نقرؤها وخياراتنا الموسيقية لا تنفي هذا الحب ولا تثبته. لا تزيده ولا تنقصه.

الناس تلوي ذراع الناس بالشهداء، وتصادر حقهم بالاختلاف باسم حب البلاد

الناس تلوي ذراع الناس بالشهداء، وتصادر حقهم بالاختلاف باسم حب البلاد. نجد هذا بوضوح في التعليقات على الفعاليات الثقافية والفنية، وبصيغة أبسط يمكننا أن نسمعه في أي حوار يتم فيه ربط تأخر النصر الإلهي بلباس النساء مثلًا، أو أن هذه البلاد لا تحترم شهداءها لأن مجموعة من الشباب والصبايا قررت الغناء للوطن في شارع عام. هناك استخدام مخيف للشهداء لدعم أفكار دينية أو اجتماعية معينة. هذه الأفكار يحق لأصحابها أن يعيشوها ولكن لا يحق لهم أن يحاسبوا غيرهم عليها باستخدام الشهداء. الذين هم بالأساس مختلفون فكريًا ودينيًا.

التحدث كثيرًا باسم أشخاص غائبين لدعم أفكار شخصية هو سلوك أناني وضعيف. وأن نستخدم كلماتنا الوطنية التي احتاجت وقتًا طويلًا وألمًا كبيرًا لتكون ثقيلة بما يكفي داخلنا. أقول أن نستخدمها ضد بعضنا هذا يفقد كل شيء معناه ويوسع الفراغ فينا. عندها سنجد أنفسنا تائهين نتحدث بعنف دائمًا عن أشياء لا تستدعي العنف أو لا تستدعي الحديث أصلًا، على الأقل عندما يوجد ما هو أهم لنتحدث عنه.

كنت أقصد من كل هذا: من أين نأتي بهذه الطاقة الكبيرة وغير المفهومة في تخوين بعضنا، في كره بعضنا واستخدام بعضنا؟ 

اقرأ/ي أيضًا:

هل المرأة إنسان؟

الـ"جيب واز" للضابط الممتاز