22-سبتمبر-2018

مسن من الخان الأحمر أمام جرافة خلال الهدم - تصوير عباس مومني

بقلقٍ وخوفٍ كبيرين، ينتظر أهالي قرية الخان الأحمر قيام قوات الاحتلال بتنفيذ قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، بإخلاء القرية، وتدمير منازلها ومنشآتها، في جريمة تطهيرٍ عرقيٍ جديدة، حيث صدر قرار المحكمة بعد أسابيع من تمرير قانون القومية اليهودية، والذي جعل الاستيطان اليهودي أولوية عليا، رغم تعارضه مع القانون الدولي، خاصة أن الأمم المتحدة، ودولاً أوروبية، والكثير من المؤسسات الحقوقية الدولية، ناشدت إسرائيل التوقف عن قرار هدم القرية وتهجير أهلها، طالما أن القانون الدولي يحظر على دولة الاحتلال ترحيل أو نقل  سكان المنطقة الواقعة تحت احتلالها .

لم تتوقف معاناة سكان  الخان الأحمر منذ العام 1952، حين تم تهجيرهم من منطقة عراد الواقعة في النقب الفلسطيني لمنطقة  الخان الأحمر الواقعة على بعد ثلاثة كيلومترات شرقي مدينة القدس المحتلة، بمحاذاة الطريق الرئيس المؤدي لمدينة أريحا وشمال الضفة الغربية بعد إغلاق القدس، حيث ظلّت المضايقات الاحتلالية تلاحقهم طيلة الفترة الماضية، بحرمانهم أبسط  مقومات  الحياة، من مياه وكهرباء وطرق وغيرها من البنى التحتية الأساسية للحياة الآدمية، إلى أن جاءت إسرائيل أخيرًا بمشروع تدمير القرية ونقل ساكنيها إلى منطقة قريبة من مكب النفايات في بلدة أبو ديس  تم تخصيصها لهم، رغمًا عنهم، وإلزامهم بنمط حياة مغاير تمامًا للوضع القائم حاليًا  .

التهجير والإحلال يعتبر الجزء الأهم والرئيس في المشروع الصهيوني، وليست سياسة يتم استخدامها في مرحلة معينة

بالعودة للإجابة على سؤال المقالة حول السبب في القرار الإسرائيلي بتدمير القرية وترحيل جميع أهاليها لمنطقة أخرى، فذلك لأن هدم القرى الفلسطينية وطرد وتهجير أهاليها الفلسطينيين، وإحلال مجموعات من اليهود المستعمرين المهاجرين من شتى بقاع الأرض محلهم، قد رافق المشروع الصهيوني من بدايته، حيث أن التهجير والإحلال يعتبر الجزء الأهم والرئيس في المشروع الصهيوني، وليست سياسة يتم استخدامها في مرحلة معينة، والتوقف عنها في مرحلة أخرى. بالتالي ستكون قرية الخان الأحمر بداية حملة جديدة، تستهدف عشرات التجمعات الفلسطينية الأخرى، المنتشرة من  شرقي محافظة الخليل في أقصى جنوب الضفة الغربية وحتى قرى طوباس والغور في الشمال والمصنفة منطقة "ج" وفق تصنيفات اتفاقية أوسلو، والتي تضم قرابة ثلثي الضفة الغربية، بما فيها كل المنطقة الحدودية بين الضفة الغربية والشرقية ومنطقة شمال البحر الميت الواقعة ضمن الأراضي المحتلة في العام 1967.

تسعى الحكومة الإسرائيلية لاستغلال وجود الإدارة الأمريكية الحالية لتنفيذ المشروع الاستيطاني الكبير المعروف باسم (E1)، الذي سيتم بموجبه ربط مدينة القدس المحتلة بالمستوطنات الشرقية، خاصة مستوطنتي "معاليه أدوميم" و"كفار أدوميم"، حيث  سيؤدي ربطها إلى إضافة 100 ألف مستوطن إلى مدينة القدس، لزيادة نسبة اليهود فيها، وبالتالي تخفيض نسبة الفلسطينيين في المدينة المحتلة من 40% حاليًا إلى 30% بعد ضم المستوطنتين.

وكانت إدارة الرئيس باراك أوباما  قد عارضت  المشروع بشده، لما له من أثرٍ كبيرٍ على تواصل جنوب الضفة الغربية مع شمالها، أما الإدارة الأمريكية الحالية - التي تتبنى مواقف يمينية  متطرفة أكثر من أغلبية الخارطة الحزبية اليهودية خاصة تجاه الاستيطان ومكانة الضفة الغربية - فلم يصدر عنها أي موقف يدين الاستيطان، إذ  لم تعد إدارة ترامب تتعامل مع الضفة الغربية كمنطقة  فلسطينية محتلة .

تدمير قرية الخان الأحمر، والمشروع الاستيطاني (E1)، وإقامة مجموعة ضخمة من الفنادق السياحية، وبناء مطار كبير في منطقة النبي موسى، كلها تُشكل خطوات هامة في المشروع التهويدي الاستراتيجي المتمثل بربط مدينة تل أبيب في الساحل الفلسطيني مع مستوطنات الغور الواقعة على نهر الأردن والبحر الميت شرقًا، وهو المشروع الذي سيفصل  جنوب الضفة الغربية عن شمالها، مما يحول دون أي تواصل جغرافي وسكاني، في ظل سيطرة إسرائيلية كاملة على كل الجغرافيا، والذي سيُحول المناطق الفلسطينية إلى كانتونات متناثرة غير قابلة لا للحياة ولا  للزيادة الطبيعية، مما سيحولها إلى بيئة طاردة، كجزء من مخطط تفريغي للضفة .


اقرأ/ي أيضًا:

الخان الأحمر: من البداوة إلى الفلحنة

سوسيا.. هدم منتظر على خطى الخان الأحمر

الاتحاد الأوروبي: هدم الخان الأحمر عواقبه وخيمة