"المسلمون أولى بهذه الأخلاق" إنّها الجملة الأكثر بؤسًا، والتي يمكنك سماعها كتعليق على أيّ قصة انسانية إذا كان بطلها أجنبيًا. ورغم أنّها جملة غير أخلاقية لا يجب التعاطف مع قائلها، حيث إن اعتبار فئة من الناس أحقّ من غيرها بالأخلاق لمجرّد أنها تنتمي إلى دين معيّن، أمرُ لا أخلاق فيه، إلّا أنّها جملة حزينة أيضًا، فهي ترمينا أمام كومة كبيرة من الإخفاقات والأزمات التي نجيد التهرّب منها دائمًا، إما بالتغنّي بأمجاد الماضي، أو بالإسهاب في الحديث عن نظريات المؤامرة التي نتعرّض لها بسبب ديننا أو قوميتنا.
العالم لا يسير وفقًا للأخلاق وإنما المصالح، وعدالة القضايا وللأسف مصطلح لا يعني الكثير..
حسنًا، عليك أن تستمع للقصص التي يرويها أحفاد المهاجرين القدامى من الصين إلى أمريكا عن أجدادهم. سيخبرونك كيف أنّ أجدادهم بل وأجداد أجدادهم جاؤوا إلى أمريكا خالين من كل شيء، إلّا من مهنة الزراعة والحلم بمستقبل أفضل لهم ولأُسرهم، حلم لم يكونوا ليحققوه لولا وجود الجمعيات التي أسسها المهاجرون الذين سبقوهم لمساعدة المهاجرين الجدد ماديًا ومعنويًا ولغويًا في مجتمع جديد عليهم.
هكذا إذًا يكون المعنى الحرفي لقول أحدهم للأخر: "أنت سندي"، هذا السند المنظم المدروس الذي قد لا يكون مليئًا بالعاطفة التي اعتدنا عليها في مجتمعاتنا العربية، ولكنّه مليء بالرؤى والخطط للمستقبل، سند مكّن الصينيين من بناء مجتمع صيني مُصغّر داخل المجتمع الأمريكي، مجتمع ذو وزن وتأثير اقتصادي وثقافيّ لا يستهان به.
الصينيون لم يكتفوا بالتأقلم مع المجتمع الأمريكي بل أضافوا إليه وغيّروا شكله ليكونوا جزءًا أساسيًا منه، وكذلك فعل المهاجرون من دول أمريكا اللاتينية، فعند الاتصال على أي شركة خدمات أو مؤسسة حكومية سيسألك المجيب الآلي إذا كنت تريد أن تُجري هذه المكالمة باللغة الاسبانية، إذًا لقد فرض اللاتينيون بسواعدهم العاملة وساعات عملهم الطويلة وبيوتهم الضيّقة التي يستقبلون فيها المهاجرين الجدد من بلادهم، فرضوا لغتهم على واحدة من أكبر دول العالم.
فشلنا، في بناء مجتمع فلسطينيّ مؤثّر سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا في واشنطن، للفت أنظار الأمريكيين إلى قضيتنا
لقد نجح المهاجرون الآسيويون واللاتينيون وفشل العرب في بناء مجتمع عربيّ ذو تأثير سياسي واقتصادي وثقافي داخل الولايات المتحدة، وبينما يُعرف العرب بقيم النخوة والشهامة والكرم وإعانة الضعيف ومساعدة المحتاج إلا أن هذه القيم على ما يبدو لم تتجاوز حدود ولائم الطعام ومشاركة الأفراح والأتراح، وفشلت هذه القيم والأخلاق في أن تنمو وتتحول من شكلها البدائي البسيط إلى شكل مؤسساتي أكبر وأكثر تأثيرًا ليس فقط على الأفراد بل وعلى بلادهم الأم، وقضاياهم السياسية ولا سيما القضية الفلسطينية.
العالم لا يسير وفقًا للأخلاق وإنما المصالح، وعدالة القضايا وللأسف مصطلح لا يعني الكثير في عالم التجارة والاقتصاد، لذلك لا تحظى القضية الفلسطينية -رغم وضوح صورة الجاني والمجني عليه بالأرقام والإحصائيات- لا تحظى بالدعم الذي كانت ستحظى به في عالم مثالي متخيل يقف فيه الناس شعوبًا ودولًا مع الضحية دون النظر إلى حجم استثماراتها المالية في الأسواق العالمية. بل إن مساندة الفلسطينيين بات سلوكًا عنصريًا يستوجب العقاب! نعم ما قرأته صحيح ومن أجل ذلك صادق حاكم ولاية كارولاينا الشمالية في الولايات المتحدة الأمريكية، على قانون يحظر التعامل مع الشركات التي تقاطع الاحتلال الصهيوني، حيث أُتهمت الشركات الملتزمة بالاتفاقية العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة عالميًا بـ (BDS) أُتهمت بممارسة العنصرية اتجاه الإسرائيلين. ووفقًا لما قاله رئيس "شبكة العمل" الإسرائيلية سكيب شراير، فإن هذا القانون جاء نتيجة جهود كبيرة من الاتحادات اليهودية في جميع أنحاء الولاية، التي أصبحت الولاية رقم 22 التي تسن قوانين لمقاطعة مقاطعي دولة الاحتلال.
لم ينجح العرب في خلق لوبي يؤثر على أصحاب القرار السياسي في الولايات المتحدة الامريكية كما فعل الاحتلال، وإذا كان اللوبي هو مجموعات منظمة تسعى للتأثير على القرارات الحكومية والتشريعات القانونية والانتخابات، بما يحقق مصلحة بلدها في بلدان كبيرة وذات أهمية عالمية، فقد نجح اللوبي الصهيوني المعروف باللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (إيباك) في التأثير على ما يشاهده الأمريكيون كل يوم على شاشات التلفاز من خلال ملكيتها أو إدارتها لثلاث شبكات تلفزيونية أساسية وهي: (ABC)(CBC)(NBC) بالإضافة إلى هيمنته على أبرز شركات السينما الأميركية مثل: فوكس وبارامونت ويونيفرسا، وفقًا لمقال نشره موقع الجزيرة، بعنوان "قراءة في تأثير اللوبي الصهيوني في الانتخابات الأميركية".
وبينما يتنامي دور الحركات الصهيونية ويزيد نفوذها في المجتمع الامريكي وحول العالم، فقد فشل المهاجرون العرب ومعهم الفلسطينيون في أمريكا، وعلى مدار هذه السنين الطويلة من الهجرة والثراء وأغاني الحب لفلسطين والبلاد والكثير من قيم الشهامة والكرم والأخوة، في التعاون معًا لتأسيس مؤسسات وجمعيات قادرة على لفت أنظار الأمريكيين إليهم بما يكفي فقط ليصدقوا أن طبق الفلافل عربيّ وليس إسرائيلي!
اقرأ/ي أيضًا:
"المطبخ الإسرائيلي" المليء بالأكاذيب