19-نوفمبر-2018

عشرات الفلسطينيين احتشدوا داخل مقر "الإدارة المدنية" الإسرائيلية في مستوطنة "بيت إيل" المقامة على أراضي قرية بيتين الكنعانية قرب رام الله. تجمع هؤلاء منتظرين مقابلة ضابط الشاباك "قيس"، الذي أعلن قبل شهر من ذلك اليوم عبر صفحته على فيسبوك نيته إقامة حملة لإزالة المنع الأمني عن الفلسطينيين من قرى شمال رام الله.

[[{"fid":"76012","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":454,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

محمد شاب اعتقل عام 2010، وفرضت عليه سلطات الاحتلال قرارًا بالمنع الأمني، وبموجب هذا القرار يحرم من الحصول على تصريح يخوله الدخول إلى الأراضي المحتلة عام 1948 والقدس حتى تاريخ 2099، في حين يُحرم آخرون علاوة على ذلك من السفر إلى الخارج بسبب المنع الأمني.

يستغل "الشاباك"، الفارق الواسع في أجور العمال بين إسرائيل والضفة، من أجل استقطاب الممنوعين أمنيًا إلى داخل غرفها

على مقاعد الانتظار، كان غالبية من حضروا يرغبون برفع المنع الأمني للحصول على تصريح للعمل داخل الخط الأخضر، ومنهم من يرغب بإزالة المنع فقط بغرض زيارة مدن الداخل والقدس المحتلة.

شاهد/ي أيضًا: فيديو | الإدارة المدنية للاستيطان وإقصاء السلطة

يعمل داخل "إسرائيل" والمستوطنات 125 ألفًا و600 عاملٍ فلسطينيٍ، بحسب آخر إحصائية رسمية، ويتقاضى هؤلاء أجرًا يوميًا بمعدل .7243 شيقلًا، بينما يتقاضى العمال أجرًا يوميًا في الضفة الغربية بمعدل .4110 شيقل، وفي قطاع وغزة بمعدل .260 شيقلًا.

وبالتالي شكل فارق الدخل، العامل الأساسي الذي تلعب على وتره مخابرات الاحتلال لاستقطاب الفلسطينيين الممنوعين أمنيًا إلى داخل غرفها في بيت إيل وعوفر والجلمة وعتصيون وغيرها من المراكز، في سعيها لتحقيق ما ترغب به من مآرب خبيثة.

ما هو المنع الأمني؟

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت عبد الرحمن إبراهيم، إن إسرائيل اعتمدت منذ احتلال فلسطين على قانون الطوارئ البريطاني، والمنع الأمني أحد العقوبات التي تندرج تحت هذا القانون.

المنع الأمني من عقوبات قانون الطوارئ البريطاني

يؤكد على ذلك الخبير في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور، معتبرًا أن هذه السياسة إحدى أدوات الاحتلال للسيطرة على السكان وخلق امتيازاتٍ بينهم، من خلال وضعها أو رفعها، والتحكم بحرية الحركة، وكذلك رزق المواطنين.

حملات الشاباك لرفع المنع الأمني

في السنوات الأخيرة، شرع ضباط مخابرات الاحتلال كما هو "المنسق" بمخاطبة الفلسطينيين بشكل مباشرٍ عبر صفحات فيسبوك. تارة تحذرهم هذه الصفحات من خطورة الإقدام على عمليات الطعن أو أي نشاطات مقاومة، وتارة أخرى تعدهم بـ"رغد العيش" في حالة استمرار الهدوء، وذلك تنفيذًا لسياسة "العصا والجزرة" التي تبناها وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان قبل استقالته، فالعمليات تُقابلُ بالعصا، والهدوء يكافَأُ بالجزرة.

ومن ضمن الحملات التي تنفذها مخابرات الاحتلال على صفحات مواقع التواصل، هو الإعلان عن حملات لرفع المنع الأمني عن الفلسطينيين.

إلى داخل قاعة "بيت إيل" نعود، هناك يجرب محمد حظه مع ضابط الشاباك "قيس" لإزالة المنع الأمني. يقول إن تحضير الاحتلال لهم يبدأ منذ دخول القاعة، حيث توجد شاشات تعرض عليها أفلام، تظهر الوجه الحسن لإسرائيل، من فرص للعمل وأسواق فارهة وشواطئ زرقاء.. إلخ.

شاشات تعرض أفلامًا تُظهر الوجه الحسن لإسرائيل، يكون على من يرغب برفع الأمني عنه مشاهدتها قبل الدخول على ضابط "الشاباك"

انتظر محمد لساعات إلى أن جاء دوره، خضع لتفتيشٍ دقيقٍ كغيره قبل اللقاء الموعود مع "أبو العبد - قيس" كما يعرف عن نفسه عبر صفحته على فيسبوك. سلم عليه ضابط المخابرات بحرارة كمن يعرفه منذ سنوات، وبلغة تملؤها الفكاهة والمزاح، شرع يسأله عن حاله، وعن عمله، وعن أحوال بلده، وعن أبرز النشطاء فيها، ولماذا يريد الحصول على تصريح بعد رفع المنع الأمني.

[[{"fid":"76013","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":480,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

اقرأ/ي أيضًا: صفحة المنسق: مؤشر عودة الإدارة المدنية للضفة وغزة؟

انتهى اللقاء بعد معلوماتٍ عامةٍ حصل عليها ضابط "الشاباك" من محمد برفض إزالة المنع الأمني عنه بذريعة انتمائه لحركة حماس، وبحجة صعوبة ضمان نواياه، لكنه رتب معه لقاءً آخر سيكون مطولًا في مقر "الشاباك" قرب سجن عوفر.

ما يزيد عن نصف الحالات التي قابلها ضابط "الشاباك" في ذلك اليوم أزيل عنها المنع الأمني، وفي عرض مختصر لنتائج الحالات التي استعلمت عنها الترا فلسطين، تبين أن رفع المنع الأمني تم عن كافة كبار السن، وعن كل شخص لم تكن له صلة بتنظيمي حماس والجهاد الإسلامي وقضايا السلاح.

من نال شهادة ضابط "الشاباك" بات في سجلهم شخصًا "نظيفًا" ورفع عنه المنع الأمني، وقد حصل في نفس اليوم على تصريح يخوله الدخول إلى "إسرائيل" مدة أسبوع للبحث عن العمل، ومن رُفضَ خرج منتكسًا يجر أذيال الخيبة.

يُزيل "الشاباك" المنع الأمني عن كبار السن ومن ليس لهم قضايا سلاح، ويضرب مواعيد أخرى مع المرفوضين وبعض المقبولين

وفي سياق الحملة، رتب ضابط المخابرات مواعيد فردية مع فئات من المرفوضين والمقبولين في مقر "الشاباك" قرب سجن عوفر.

اقرأ/ي أيضًا: هل بدأت إسرائيل بتحضير بديل للسلطة الفلسطينية؟

هنا يُضيف محمد لـ الترا فلسطين أنه ذهب بعد يومين إلى عوفر، وبعد إجراءاتٍ معقدةٍ من التفتيش وساعاتٍ من الانتظار، قابل مجددًا ضابط مخابرات الاحتلال في مكتبه. قال: "داخل المكتب تُقدم لك القهوة وأنت تجلس على أريكة مريحة، بسكويت وكولا ودخان ومكسرات كلها أمامك على الطاولة، نل منها ما تشاء أثناء تبادل الحديث المفصل مع الكابتن قيس".

[[{"fid":"76014","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":480,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

استمرّت مدة مقابلة محمد مع الضابط "قيس" ساعة ونصف، تبادلا خلالها الحوار عن الوضع الاقتصادي في إسرائيل والمناطق الفلسطينية، وعن مستقبل الصراع، ونوايا كلا الطرفين السياسية. أيضًا جرى الحديث بشكل مفصل عن عمل محمد وكيف يقضي يومه وبماذا يفكر، وهل من الممكن أن ينفذ عملياتٍ في المستقبل. كما تحدث ضابط "الشاباك" عن أسرته هو الآخر، وكيف يقضي حياته في إسرائيل.

بدا من الحوار أن ضابط المخابرات يريد جمع أكبر قدر من المعلومات عن المجتمع الفلسطيني من محمد، وأيضًا يبحث عن أي ثغرة في شخصيته قد تقود لإسقاطه، ولكن دون جدوى، وهنا قدم له العرض الصريح "أرفع عنك المنع الأمني وبالمقابل تخبرني عن أي شخص يحاول التواصل معك لأمر ما" لكن محمد رفض، فطُرِدَ بطريقةٍ غيرت مسار الحديث المنمق إلى آخر أكثر واقعية وأقل احترامًا لشخص الفلسطيني.

ما هو هدف إسرائيل من حملات رفع المنع الأمني؟

مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية هنيدة غانم، أجابت على تساؤل الترا فلسطين بشكل مقتضب بأن الهدف من حملات رفع المنع الأمني هو "جمع المعلومات".

 وبشيء من التفصيل أكد الأكاديمي عبد الرحمن إبراهيم على ما قالته غانم، وقال: "إسرائيل قبل أن تصبح دولة، عملت الجمعيات اليهودية الداعية للاستعمار والاستيطان على دراسة القرى والتجمعات الفلسطينية والعلاقات بين الأسر. وبالتالي فإن الهدف من مقابلات المنع الأمني مع الشبان الفلسطينيين هو تحديث المعلومات أولًا".

يرغب "الشاباك" من حملات رفع المنع الأمني بجمع المعلومات، والتعرف على كيفية تفكير الفلسطينيين وآرائهم الشابة

أما ثانيًا، بحسب إبراهيم، فالهدف يكمن في التعرف على كيفية تفكير الفلسطينيين وآرائهم الشابة والجديدة بغرض دراسة النفسيات.

ويتبين الهدف الثالث في إطلاع ضابط "الشاباك"، المقابَلين على معلوماتٍ تخص عائلته، "وهذا من باب إبراز جوانب العدو الإنسانية، ولمحاولة التماهي مع الفلسطيني لفحص مشاعره وتوجهاته" وفق ما يرى إبراهيم، مضيفًا "يحاول الضابط خلال رفضه إزالة المنع الأمني عن أي من المقابلي نأن يبين نواياه الحسنة في رفع المنع الأمني واضطراره للرفض متحججًا بالنظام والسياسة المتبعة لدى حكومته: الاحتلال".

عصمت منصور أضاف على آراء غانم وإبراهيم، أن الاحتلال يريد أن يحيد الأفراد عن المشاركة في المقاومة حتى بأشكالها البسيطة، وهو يعتبر أن بادرات "حسن النية" كما يسميها ضباط المخابرات وتحسين وضع الفلسطينيين الاقتصادي سيدفعهم إلى الابتعاد عن دائرة المقاومة، وأخذ موقف محايد وربما رافض لها.

ولكن هل يمكن أن يكون الهدف إسقاط الشبان في وحل العمالة؟ أجاب منصور، أن هذا الدور قامت به الإدارة المدنية تاريخيًا وابتزت الناس من خلال استغلال حاجاتهم، لكنه لا يعتقد أن هذا الهدف هو الأساسي من وراء سياسة حملات رفع المنع الأمني.

ويرى منصور في حديثه لـ الترا فلسطين، أن الهدف أبعد من ذلك وأكثر شمولًا، "وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار تجاوز قناة الاتصال التي أوجدها اتفاق اوسلو، ألا وهي الشؤون المدنية الفلسطينية أو الارتباط، والتواصل مع الناس مباشرة، فهذا يشير إلى تهميش السلطة، وعودة الاحتلال للتعامل بشكل مباشر، وخاصة في مناطق C التي يخطط الاحتلال لضمها، أي أن الأهداف بعيدة المدى، وأكبر من محاولة تجنيد شاب".

موقف السلطة الفلسطينية

منصور ضمن حديثه عن أهداف حملات إزالة المنع الأمني أشار إلى تهميش الاحتلال لدور السلطة الفلسطينية وتجاوزها، وهنا توجهنا إلى هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية. وليد وهدان الناطق الرسمي باسم هيئة الشؤون المدنية قال باختصار: "نحن لا علاقة لنا في هذا الأمر لا من قريب ولا من بعيد، ونرفض التنسيق معنا في مثل هذه المواضيع".

ما هو المطلوب؟ يُجيب على هذا السؤال، منصور -وعن تجربة طويلة له مع الاحتلال مقدارها عشرين عامًا في الأسر- مبينًا أنه لا ينصح بالتجاوب مع هذه الحملات، ويعتبر التجاوب "تسليمًا بسياسة الاحتلال". لكنه استدرك يقول: "لا ألوم الأفراد لأنهم الحلقة الأضعف، وإنما اللوم على القوى الاجتماعية والسياسية التي تدير حياتنا".


اقرأ/ي أيضًا:

السلطة والفصائل سقطت في معركة الدبلوماسية الرقمية

الابتزاز الإلكتروني: الشاباك وباحثون عن الجنس والمال

مستوطنون زبائن في ورشات ومتاجر فلسطينية