قبل أيام، كتب صحفي إسرائيلي، مقالةً قال فيه: "خلال الحملة الرئاسية الأميركية، لم يبذل بنيامين نتنياهو أي جهد لإخفاء تفضيله. فقد قال مرتين على الأقل في أثناء المداولات الأمنية إنه إذا انتُخِب دونالد ترامب، فسوف يكون الأمر أسهل بالنسبة لإسرائيل؛ لأن ترامب يفهم المشكلة الإيرانية. أما مع الحزب الآخر، فسوف يكون الأمر أصعب، كما كان الحال في عهد باراك أوباما، بل وربما أسوأ. وكان نتنياهو يعلم تمام العلم أن تصريحاته سوف تُسرب".
ما سبق، يفتح الحديث حول تفضيلات تل أبيب، للرئيس الأميركي القادم، بين دونالد ترامب، صاحب السجل الحافل في دعم إسرائيل، بداية من نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة وصولًا إلى الاعتراف بضم الجولان، وحتى صفقة القرن، أو كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي كانت وراء دعم أميركي مفتوح بداية الحرب الإسرائيلية على غزة.
يعتقد مقربون من نتنياهو أنه إذا انتُخب ترامب، فإنه سيمنح إسرائيل "حرية التصرف في غزة، ويرفع الضغوط التي من المتوقع أن تمارسها إدارة بايدن في الشهرين المقبلين"
وافتتح تقرير في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، بالقول: "لن يعترف أحد بذلك رسميًا، لكن عمليًا يصلي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من أجل فوز الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات في الولايات المتحدة وعودته إلى البيت الأبيض". مضيفًا: "سبق أن أعرب نتنياهو في محادثات مغلقة عن أن الإدارات الديمقراطية، بما فيها الإدارة الحالية، عملت خلف الكواليس للإطاحة به. هناك خلاف كبير بين نتنياهو وبطانته والحزب الديمقراطي الذي يعامله بعين الريبة. وليس من قبيل الصدفة أن اليد اليمنى لنتنياهو، وحامل الحقيبة الأميركية في الحكومة، وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، كان يُطلق عليه في الماضي لقب الناشط الكبير في الحزب الجمهوري".
وتابع تقرير الصحيفة الإسرائيلية: "لكن، وعلى الرغم من أمل نتنياهو بفوز ترامب، كما في المثل الشهير، عليه أن يكون حذرًا فيما يتمناه. الرئيس السابق ترامب هو شخص لا يمكن التنبؤ به ويمكن أن يسبب لنتنياهو مشاكل أكثر من المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس. الليلة غرد على حسابه فيه "إكس" (تويتر سابقًا): نحن نبني أكبر وأوسع تحالف في تاريخ أميركا السياسي. وهذا يشمل أعدادًا قياسية من الناخبين العرب والمسلمين في ميشيغان الذين يريدون السلام. إنهم يعرفون كامالا وحربها. وقال ترامب إن من يصوت له ’سيعيد السلام’". وعقب التقرير الإسرائيلي، بالقول: "إذا تم انتخاب ترامب، فستكون ولايته الثانية والأخيرة في الرئاسة، وعلى هذا النحو قد نكتشف رئيسًا لا يدين بأي شيء لأي شخص آخر، ولن يفعل إلا ما هو الأفضل لنفسه. على سبيل المثال، سيتحرر من ضغوط المسيحيين الإنجيليين المؤيدين لإسرائيل، الذين دفعوه في الولاية الأولى إلى دعم إسرائيل".
وتحت عنوان "هل يعيد ترامب صفقة القرن إلى الطاولة؟"، قال تقرير "يديعوت أحرونوت": "من الممكن أن يحاول ترامب إحياء صفقة القرن. وفي الاتفاق المقترح، ستوجد دولتان جنبًا إلى جنب، حيث سيكون 70% من الضفة الغربية و100% من قطاع غزة تحت الحكم الفلسطيني. يمكن لترامب أن يحاول السير في اتجاه إحلال السلام من أجل الفوز بجائزة نوبل ومحو الفضائح الكثيرة المحيطة به".
أمّا على صعيد المرشحة الديمقراطية، فقد قال التقرير: "إذا تم انتخاب هاريس، فإنها ستكون تحت الضغط نظرًا؛ لأن هذه هي ولايتها الأولى". وتابع التقرير: "من المتوقع أن تكون هاريس أقل ودية تجاه إسرائيل من جو بايدن، الذي عُرِّف بأنه ’آخر رئيس صهيوني’. ومن المتوقع أن تمارس حكومة ديمقراطية الضغوط على إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، سواء كان ذلك من خلال الترويج لحل الدولتين أو تحقيق انفراج سياسي يؤدي إلى نوع من الانفصال مع الحفاظ على أمن إسرائيل وحماية حقوق الإنسان. وبشكل عام، من المتوقع أن تظهر هاريس وحزبها موقفًا أكثر تأييدًا للفلسطينيين، وأن يعملوا على إحياء السلطة الفلسطينية في قطاع غزة. وقد تصبح العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن على المستوطنين العنيفين أسوأ بكثير في ظل إدارة هاريس. ومن المتوقع أن تتحرك ضد البؤر الاستيطانية غير القانونية، وقد تصل إلى حد فرض عقوبات على الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش".
ووفق "يديعوت أحرونوت": "فيما يتعلق بالقضية الإيرانية، لا يستبعد المرشحان التوصل إلى اتفاق نووي جديد، لكن يمكن التقدير أن يمارس ترامب ضغوطًا على الإيرانيين أكبر من تلك التي تمارسها هاريس، وسيتصرف بسخاء أكبر تجاه إسرائيل. وفي جوانب أخرى أيضًا، قد يكون ترامب أكثر اهتمامًا بالمصالح الإسرائيلية. مع ترامب، على سبيل المثال، قد يكون من الأسهل تطبيق التغييرات التي تطلبها إسرائيل في القرار 1701 لإزالة حزب الله من حدود إسرائيل".
وأفاد التقرير: "بغض النظر عن هوية الفائز في الانتخابات، فمنذ اليوم التالي للانتخابات وحتى تنصيب الرئيس في 20 كانون الثاني/يناير 2025، ستدخل إسرائيل مرحلة حرجة. سيرغب الرئيس المنتهية ولايته بايدن في ترك سجل نظيف لخليفته فيما يتعلق بالحرب في الشرق الأوسط. وقد صرح كل من هاريس وترامب بالفعل أنهما سيضغطان من أجل إنهاء الحرب وعودة المختطفين".
ماذا عن الإدارة المقبلة؟
ويتناول التقرير إدارة الرئيس المقبل، قائلًا: "مسألة الدعم والصداقة تجاه إسرائيل لا تعتمد فقط على الرؤساء، بل على الخلية التي سيبنونها لأنفسهم. ومن المتوقع أن يعين ترامب شخصيات مؤيدة لإسرائيل مثل مايك بومبيو، الذي قد يتولى منصب وزير الخارجية أو وزير الدفاع. ويعتبر ديفيد فريدمان، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، مرشحًا أيضًا لمنصب رفيع في الإدارة، وربما حتى وزيرًا للخارجية. ومن بين المرشحين الآخرين المحتملين لمنصب وزير الخارجية، السيناتور ماركو روبيو ونيكي هالي. وهم مؤيدون واضحون لإسرائيل".
ووفق التقرير: "من غير المتوقع أن يعود غاريد كوشنر وجيسون غرينبلات إلى منصب رسمي، لكن من المرجح أن يستمرا بالهمس في أذن ترامب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لنتنياهو الاعتماد على أعضاء مجلس الشيوخ المؤيدين لإسرائيل مثل ليندسي جراهام لمواصلة التأثير على ترامب لصالح إسرائيل".
ووفق تقارير إعلامية، لا تعرف إسرائيل على وجه اليقين من سيوجه سياسة ترامب في الشرق الأوسط إذا عاد إلى البيت الأبيض. نشر جاريد كوشنر، صهر الرئيس الذي نسق توقيع اتفاقيات التطبيع، مقالاً على "إكس"، في أيلول/سبتمبر، أعرب فيه عن دعمه لاستمرار الحروب في غزة ولبنان. كما أعرب عن أمله في أن تضرب إسرائيل إيران بشكل كبير. في مقاله، لم يذكر كوشنر الرهائن تقريبًا. فيما نشر السفير الأميركي في إسرائيل خلال إدارة ترامب، ديفيد فريدمان، مؤخرًا كتابًا يدعو فيه إلى ضم رسمي للضفة الغربية من قبل إسرائيل. وقال تقرير لـ"هآرتس": "في هذه المرحلة، من غير الواضح ما إذا كان كوشنر وفريدمان سيعودان إلى مناصب رئيسية في الإدارة إذا فاز ترامب، لكن آراءهما تثير الأمل بين اليمينيين المتطرفين في حكومة نتنياهو".
أمّا من ناحية هاريس، قال التقرير: "من المفترض أن تكون الخلية أقل ودية تجاه إسرائيل، ولكنها ليست معادية بالضرورة. ومن بين الأسماء المذكورة للمناصب العليا، هناك بشكل رئيسي أشخاص من إدارة أوباما: فيل جوردون، وويندي شيرمان، ورام إيمانويل. الخوف في إسرائيل هو خلق هيمنة على الحكومة من قبل أعضاء الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الذين يعتبرون منتقدين بشدة لإسرائيل".
ووفق صحيفة "هآرتس"، فإنه على مر السنين، دعمت هاريس خطًا يعتبر مؤيدًا لإسرائيل. فقد زارت إسرائيل ضمن وفود من اللوبي المؤيد لإسرائيل "أيباك". أمّا حول إدارته، ووجود يهود فيها، مع إمكانية أن يصبح الرجل الأول في أميركا يهوديًا، قال مسؤول إسرائيلي كبير: "كان هناك الكثير من اليهود المؤثرين حول الرئيس سابقًا أيضًا. وبالنسبة لنتنياهو، فإن هذا ليس بالضرورة ميزة".
وختم التقرير، بالقول: "ما يشترك فيه كلا المرشحين هو أن كلاهما سيتكون من أشخاص غير مهتمين بالصراعات العسكرية. وفي حالة ترامب، فإن عودته إلى الرئاسة يمكن أن تساعد أنصار الخط الانعزالي في الحزب الجمهوري، أولئك الذين يعارضون التورط الأميركي في الصراعات الدولية. وإذا كان الأمر كذلك بالفعل، فهذه أخبار سيئة للغاية بالنسبة لإسرائيل".
ماذا يريد نتنياهو من ترامب؟
كتب الصحفي الإسرائيلي رافيف دراكر، مقالةً كشف فيها عن أمنيات نتنياهو بفوز ترامب، لكنه قال: "السؤال الكبير هو ما الذي يمكن لنتنياهو أن يحصل عليه حقا من ترامب إذا انتخب. ومن الواضح أنه لا يوجد أحد في أي مكان يستطيع أن يقدم إجابة صادقة. وحتى ترامب لا يعرف كيف سيتصرف. ولكن من الممكن أن نتصور بعض الخطوط الحمراء المعقولة. ولن يكون من المنطقي أن يقود ترامب حربًا ضد إيران. وإذا كان هناك خط ثابت في سلوك هذا الرجل غير المستقر، فهو الانعزالية، والرغبة في عدم خوض الحروب نيابة عن شخص آخر، وبالتأكيد ليس في الشرق الأوسط. فقد قال ترامب مرارًا وتكرارًا إنه يريد عقد صفقة مع إيران وإنهاء الحرب في غزة ولبنان".
وأضاف: إن "الافتراض الأكثر منطقية هو أن ترامب سوف يمد يد العون إلى خطة نتنياهو الأكثر طموحًا، والتي تشكل في الواقع مصلحة إسرائيلية مهمة، ألا وهي توجيه ضربة عسكرية قاتلة للنظام الإيراني، ونتيجة لذلك، وكلاؤه أيضًا. لكنه سوف يطلق العنان أيضًا للرؤية الأخرى المخيفة لائتلاف نتنياهو: ضم الضفة الغربية والحد من الضغوط على المستوطنين المتطرفين".
واستمر في القول: "وبما أن هذه القرارات مجرد أفعال إعلانية، فمن السهل على ترامب أن يفعلها. فلم يجد صعوبة في الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان والقدس الشرقية. وبقدر كاف من الإقناع والتملق والمال من ميريام أديلسون، أو أي شخص آخر، فقد يعترف بضم جزء من قطاع غزة، أو الضفة الغربية، أو حتى القمر، طالما لم تكن هناك حاجة إلى استثمار الأموال الأميركية أو إرسال قوات أميركية".
وختم، بالقول: "لكن هذا لا ينبغي أن يكون سببًا للخوف من انتخاب ترامب. فإسرائيل ربما تكون الدولة التي يتمتع فيها ترامب بأكبر قدر من الدعم. فالرجل الذي ينتقد حلف شمال الأطلسي، ويحب فلاديمير بوتين، ويستخف بتغير المناخ، ويعد بفرض سياسات استبدادية في الداخل، سوف يلحق الأذى بكل إسرائيلي، حتى ولو بدا وكأنه صديق لإسرائيل، بل وحتى يتذكر أن يلاحظ مدى جمال زوجة رئيس الوزراء"، بحسب ما ورد.
وتطرق المحلل البارز في صحيفة "هآرتس"، يوسي فارتر، إلى جانب مهم داخل إسرائيل في فوز ترامب، قائلًا إنه "الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في المعركة من أجل الديمقراطية في إسرائيل"، مشيرًا إلى خطة نتنياهو والائتلاف الحكومي في إسرائيل للتعديلات القضائية.
كما أشار إلى أنه حال فوز ترامب "فإن الساعة الرملية لوزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت سوف تنفد بسرعة. فلديه مؤيدون في إدارة بايدن، وخاصة البنتاغون. ومن وجهة نظرهم، فإن غالانت هو الوزير الوحيد الذي لا يكذب عليهم، ويعاملهم باحترام وعدالة باعتبارهم شركاء".
بين ترامب وهاريس.. ماذا عن غزة؟
وبحسب ما ورد في صحيفة "هآرتس"، يستعد كبار المسؤولين الإسرائيليين لضغوط أميركية متزايدة لإنهاء الحرب في غزة بعد الانتخابات الرئاسية، بغض النظر عمن سيفوز. ويقول مسؤولون إسرائيليون، إن الرئيس الأميركي جو بايدن سيتخذ خطوات خلال الشهرين والنصف الأخيرين من ولايته لإنهاء الحرب بسرعة. ويشمل ذلك القرارات التي تجنبها حتى الآن، مثل عدم حماية إسرائيل في المحافل الدولية أو إبطاء إمدادات الأسلحة الأميركية التي تعتمد عليها إسرائيل.
وتستند هذه النظرة جزئيًا إلى رسالة وجهها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إسرائيل الشهر الماضي. وحذر المسؤولان من أنه إذا لم تعمل إسرائيل على تحسين تسليم المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل ملحوظ في غضون ثلاثين يومًا، فقد يتوقف الدعم الأميركي، بما في ذلك تدفق الأسلحة.
يعتقد مقربون من نتنياهو أنه إذا انتُخب ترامب، فإنه سيمنح إسرائيل "حرية التصرف في غزة، ويرفع الضغوط التي من المتوقع أن تمارسها إدارة بايدن في الشهرين المقبلين".
على مر السنين، دعمت هاريس خطًا يعتبر مؤيدًا لإسرائيل. فقد زارت إسرائيل ضمن وفود من اللوبي المؤيد لإسرائيل "أيباك"
وأشار المسؤول إلى أن ترامب وعد بإنهاء الحرب في لبنان في محاولة لكسب أصوات الناخبين من أصل لبناني، لكنه لم يصدر أي تصريح واضح مماثل بشأن غزة. وقال: "من الصعب التنبؤ بما سيفعله ترامب، ولكن إذا كان هناك مسرح من المرجح أن يستمر فيه في الضغط، فهو المسرح اللبناني".
وبحسب "هآرتس": "فيما يتعلق بغزة، فإن فوز ترامب قد يدفع نتنياهو إلى استنتاج أنه يحتاج فقط إلى استكمال المرحلة الأخيرة من إدارة بايدن، ويأمل أن يمنح ترامب إسرائيل مزيدًا من الحرية بعد ذلك".