يوم الجمعة الأول في 2022، وقعت مشادة كلامية بين أهالي بلدة العيسوية في القدس المحتلة، كادت أن تتطور إلى شجار، عقب خطبة الجمعة التي تناول فيها الخطيب ما ورد في بيان صادر عن هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس، حذرت فيه الهيئة من خطورة "لجنة المخاتير" التي قالت إن بلدية الاحتلال في القدس تحاول تشكيلها بالتعاون مع جهاز "الشاباك"، لتضم 20 مختارًا "تم انتقاؤهم بعناية من الشاباك" وفق البيان.
قالت هيئة العمل الوطني إن هذه إجراءات احتلالية جديدة تحاول بلدية الاحتلال فرضها على أهالي القدس، وقد بدأت بالمحاكم الجماهيرية
وفي بيان لها، قالت هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس إن "بلدية الاحتلال وبالتعاون مع جهاز المخابرات شكَّلت قائمة من المخاتير المقدسيين في كل الأحياء والبلدات، تضم 20 مختارًا جرى انتقاؤهم من جهاز المخابرات بعناية".
اقرأ/ي أيضًا: مشروع التسوية في القدس: محاولة إسرائيلية للحسم الجغرافي
وأوضحت سكرتيريا الهيئة رتيبة النتشة، إن هذه إجراءات احتلالية جديدة تحاول بلدية الاحتلال فرضها على أهالي القدس، وقد بدأت بالمحاكم الجماهيرية، بإدخال المخاتير للسيطرة على "العنف في المجتمع" وتنظيم ملكيات الأراضي.
وأشارت النتشة إلى مشروع الاحتلال "تسوية أراضي" لعشرين حوض في مدينة القدس، من أجل المضي في مشروع التسوية والمخططات الهيكلية التي يريد فرضها، وعمل تسوية لملكيات الأراضي، مبينة أن الإجراءات في البلدية تتطلب ختم مختاريْن للتعريف بملكية الأرض، كون الأراضي في شرق القدس معظمها لم تمر في الطابو خلال السيادة الأردنية على مدينة القدس.
وأضافت، أن بلدية الاحتلال كان لها مجموعة من من المخاتير المعتمدين، لكن الجديد أن "الشاباك" قرر اختيار قائمة فيها 20 مختارًا وفرضها على البلدية لاعتمادهم في المحاكم الجماهيرية وتسوية الأراضي وتمثيل السكان في التخطيط الهيكلي للمناطق في شرق القدس.
أكدت النتشة، أن "الشاباك" اختار هؤلاء المخاتير لخلق جسم تابع له يمرر أهداف الاحتلال، مع إغراءات مالية بسطية أو تسهيلات لبعض الأفراد لاقناعهم بالتسويات وفوائد هذه المخططات
وأكدت النتشة، أن "الشاباك" اختار هؤلاء المخاتير لتمرير السياسات التي يريدها، ولخلق جسم تابع له يمرر أهداف الاحتلال، مع إغراءات مالية بسطية أو تسهيلات لبعض الأفراد لاقناعهم بالتسويات وفوائد هذه المخططات.
اقرأ/ي أيضًا: الشيخ جراح: قصة معركة مع الاستيطان في قلب القدس
وأفادت بأن هذه المخططات الهيكلية سيدخل فيها "حارس أملاك الغائبين" ومؤسسات استيطانية سوف تدعي الملكية، وستدخل فيها خلافات عائلية بين أهل القدس أيضًا، ما يؤدي إلى تفتيت الشارع المقدسي ضمن حسابات عائلية ضيقة، "فالعشائرية لا تلتقي مع الدولة الوطنية والمدنية".
عمر عطية، مختار العيساوية، قال إن هناك إجماعًا عليه في العيساوية، وكل من لديه مشكلة يتوجه إليه من أجل حلها، كما أن "له شخصية يعرف من خلالها كيف يجلب الحقوق"، منوهًا أنه أنشأ في عام 2014 جمعية "يد واحدة من أجل العيساوية"، وهذا، وفقًا له، "دفع الكثير من أهالي البلدة ليعرضوا عليه موقع المختار".
وبيّن عطية، أنه قبل بالمنصب بعد عدة اجتماعات، "واستلم بلدة لا يوجد لها حقوق، يدفع سكانها البالغ عددهم 20 ألف نسمة ما يقارب 420 مليون شيكل، لكنهم لا يحصلون مقابل ذلك على ما يحتاجونه من خدمات، مثل تعبيد الطرق وفتح مدارس، "وأنا أريد جلب حق بلدي من هذه الضرائب، وتحقيق عدة مطالب مثل وقف عمليات الهدم، فقد كان هناك 920 أمر هدم في العيساوية، توقفت كلها وبقي منها 9 أوامر" حسب قوله.
المختار عطية: أنا أريد جلب حق بلدي من الضرائب التي ندفعها، ونحن نرفض بعض مشاريع بلدية الاحتلال
ويرفض عطية الاتهامات الموجهة لهم بتمرير مخططات الاحتلال. ويقول: "الناس تعرف الحقيقة، فاليوم نجمة داوود تعمل في كل القدس والمراكز الجماهيرية تعمل في كل القدس إلا في العيسوية. لذا هذا كلام فارغ، فهم يحتلون القدس منذ 53 سنة، والقدس خسرناها، والآن لدينا قوة ونجابه بشكل قانوني ونعمل لبلدنا، ولا يوجد من لديه مشكلة إلا ويتصل علي".
اقرأ/ي أيضًا: حديقة إسرائيلية على أسطح أسواق القدس: تهويد واقتصاد
وأضاف: "كل العالم تخلى عن المقدسيين وأولهم القيادة الفلسطينية والفصائل، وتركت القدس لوحدها، ولا يوجد من يجلب لهم الحقوق"، مؤكدًا أنهم يرفضون بعض مشاريع بلدية الاحتلال، "فهي تعمل على حديقة توراتية ونحن نرفضها". وتابع: "أصبح لدينا جسم في القرية يساعد الناس، والناس تشاهد العمل على الأرض، وعملنا بشكل صحيح".
وكان رئيس بلدية الاحتلال في القدس قد نشر عبر صفحته صورة من احتفالية بمناسبة السنة الجديدة، كان عطية بين المشاركين فيها، إضافة لعدد من المخاتير.
وفي رده على سؤالنا بهذا الخصوص، أجاب عطية بالإشارة إلى أنه شارك العام الماضي في إفطار جماعي أقامته بلدية الاحتلال خلال شهر رمضان، "لا توجد لديه مشاركة في ذلك" كما يقول.
وأوضح، أنه ألقى كلمة في الاحتفالية الأخيرة، قال فيها لرئيس بلدية الاحتلال بأنه أول رئيس بلدية يعمل لمصلحة السكان العرب منذ 50 عامًا، وطالبه بعدم هدم أي منزل إلا إذا كان في شارع أو ليتم بناء مدرسة مكانه. وتابع: "قلت لهم لماذا بعد احتلال 53 عامًا وتركنا نبني لماذا يتم الهدم الآن؟ لماذا لم تقوموا بإعداد مخطط هيكيلي من البداية؟".
المختار عطية قال لرئيس بلدية الاحتلال إنه أول رئيس بلدية يعمل لمصلحة السكان العرب منذ 50 عامًا
وأضاف، أنه تحدث عن "العنصرية بين العرب واليهود"، وعن خوفه أن يموت أطفاله في الانتفاضة الثانية.
في المقابل، يرفض الباحث المتخصص في شؤون القدس عبد الله معروف فرضية تحقيق المخاتير "لإنجازات"، متسائلاً: "إن كانت أوامر الهدم قد توقفت بسبب جهود المخاتير، فماذا عن عمليات الهدم التي تحدث بشكل شبه يومي إذن؟". واعتبر، أن ما يحدث هي عملية "ذر للرماد في العيون ليس إلا"، من خلال تأجيل أوامر الهدم، بهدف "إضفاء الشرعية" على هذا الجهاز.
ورأى معروف، أن هناك فرقًا بين التعامل اليومي مع أجهزة الاحتلال باعتبارها أمرًا واقعًا مفروضًا على كل فرد في القدس، وبين التنسيق مع هذا الاحتلال باعتباره صاحب ولاية وسيادة على القدس وأهلها.
وأضاف: "الشؤون اليومية للأفراد في القدس يقوم بها أهل القدس مباشرةً في دوائر الداخلية التابعة للاحتلال لأنهم يقعون تحت الاحتلال، وهذا معنى الأمر الواقع، وليس معناه بأي شكل الاعتراف بالأجهزة التي يفرزها هذا الاحتلال، وهنا خطورة لجنة المخاتير، فالقبول بها يعني الاعتراف بسيادة الاحتلال".
عبد الله معروف: الشؤون اليومية للأفراد في القدس يقوم بها أهل القدس مباشرةً في دوائر الداخلية التابعة للاحتلال لأنهم يقعون تحت الاحتلال، وهذا معنى الأمر الواقع
وأكد معروف، أن سلطات الاحتلال ستوقف عمل المخاتير تمامًا في حال وجد أنها تُهدد مصالحة، "وعند ذلك فإن الشعب الفلسطيني في القدس يكون قد فقد أهم عنصر من عناصر قدرته على وقف وإلغاء قرارات الهدم في القدس، وهو التكاتف والضغط الشعبي، لصالح لجنةٍ شكلها الاحتلال".
من جانبه، يؤكد الناشط المقدسي ناصر أبو خضير، أن مهام "المخاتير" ليست خدماتية بل "يُسند لهم مهمة خلق نوع من الجسر المتواطئ مع الاحتلال، وخلق بدائل تشبه إلى حدٍ ما روابط القرى، من إبراز رجالات الاحتلال والموالين له للسيطرة على المجتمع الفلسطيني في القدس".
ورأى أبو خضير، أن الاحتلال استغلَّ حالة الفراغ التي تمر بها القدس في ظل تراجع المد الوطني على مستوى فلسطين عمومًا في إنشاء لجنة لتكون بديلاً عن الحركة الوطنية في القدس، وعن اللجان المنتخبة في الأحياء المقدسية، "وليتصدر رجاله المشهد الاجتماعي".
وأكد، أن الاحتلال يستهدف ضرب البنى الاجتماعية التي تشكل ضمانة إلى حد ما في تماسك المجتمع المقدسي، وبالتالي صموده وقدرته على مواجهة كافة مخططات الاحتلال التهويدية، وفي نفس الوقت للتغطية على ما يمارس ضد أبناء شعبنا في القدس من سياسات التهميش والتفقير وضرب كل حقوقه المدنية والاجتماعية عدا عن حقوقه السياسية.
اقرأ/ي أيضًا: