23-أبريل-2018

جدارية قرب مدخل مخيم قلنديا شمال القدس - (Getty)

صدر في أيار/مايو 2017 عن مركز قلنديا الإعلامي، وبتمويل من اللجنة الشعبية في مخيم قلنديا، كتاب توثيقي موسوم "حكايات شهداء مخيم قلنديا: 1967-2017". ويقع الكتاب في 256 صفحة توثق حكاياتٍ وسِيَر ورواياتٍ عن شهداء مخيم قلنديا من عام 1967- 2017، وقد أُطلق الكتاب في الذكرى الـ50 للنكسة في 5 حزيران/يونيو 2017، في مقر اللجنة الشعبية لمخيم قلنديا.

تأسس مركز قلنديا الإعلامي في أيار/مايو من عام 2015، وهو "مؤسسة إعلامية شبابية مستقلة تسعى إلى نشر الرواية الفلسطينية، وتعزيز حرية الرأي والتعبير، وتفعيل الدور الإعلامي للشباب الفلسطيني، وخلق منظومة إعلامية مستجيبة لاحتياجات الجمهور الفلسطيني بشكل عام، ومجتمعات اللجوء بشكل خاص، وذلك من خلال تغطية إعلامية متكاملة لكافة القضايا ذات العلاقة. وتوفر قاعدة أرشيفية بواسطة طاقم إعلامي متخصص ومؤهل، والتشبيك مع المؤسسات الإعلامية ذات الصلة". أي أن المركز يتجاوز عمله المشاريع السياسية والمؤسسية العاجزة في التعبير عن فلسطين بروايتها التاريخية وسردياتها الكبرى للأرض والناس والحكاية التاريخية.

"حكايات شهداء مخيم قلنديا" كتاب يوثق حكايات وسِيَر وروايات عن شهداء المخيم بين عامي 1967-2017، أصدره مركز قلنديا الإعلامي

كَتَبَت السير وحررتها أسيل عيد من المركز الإعلامي، وأجرى المقابلات نحو 20 شابًا وشابة من المخيم، وقد كان من ضمن المبادرين لهذا المشروع ثلاثة صحفيين، هم محمد مناصرة، إياد سجدية، أحمد جحاجحة، ثم تحولوا أثناء تنفيذ المشروع إلى شهداء. كان الصحافيون الثلاثة قد انضموا إلى المشروع كفاعل صحفي؛ وأضحوا بفعل آلة الحقد الاستعماري الغاشمة شهداء موثقين في الذاكرة الجمعية لمخيم قلنديا ولفلسطين، في مشروعهم التوثيقي النبيل كتاب "حكايات شهداء مخيم قلنديا".

اقرأي أيضًا: الوداع الأخير: شهداء يحبسون دموعهم

طُبِعَت على غلاف الكتاب الأسود خارطة فلسطين التاريخية، ونُسجت صور شهداء مخيم قلنديا داخل الخارطة لتحيل الصورة/الصور إلى أن فلسطين جغرافيا الشهداء من بحرها إلى نهرها؛ ومن رأسها إلى أخمص جغرافيتها في أم الرشراش. في جوار الخريطة، يُرَفرف العلم الفلسطيني، وعند ولوج الصفحة الأولى من الكتاب تحط عند عبارة تشكل عتبة له: "ولنا في المخيم حكايا عز وفخر، لن تفيها مجلدات الدنيا حقها وإن كتبت بماء الذهب". في هذه العبارة الافتتاحية والمفتاحية اعتراف ضمني باستحالة توثيق وأرشفة فعل المقاومة والصمود لمخيم قلنديا في كتاب أو مجلدات، كون المخيم يعيش المقاومة كمنهج حياة يومي بالصمود والبقاء وحلم أهله بالعودة إلى قراهم المهجرة: ساريس، صرعة، اشوع، لفتا، جمزو، وغيرها من القرى الخمسين المهجرة إثر النكبة، ويعود أصل السكان لها.

يهدي الكتاب نفسه بشاعرية وطنية إلى الشهداء؛ وإلى أصحاب خيام التهجير. وفي الافتتاحية يفيض النص باللغة والخطابة، ويبدأ نص الافتتاحية بكلمة/ جملة "المخيم... محطة الانتظار الوحيدة التي نسجت من دفء زقاقها وطنًا مؤقتًا لا بديلًا عن قرى اللاجئين المهجرة". وهذا ما يؤكد أن مركزية القضية الفلسطينية التي يتدفق الشهداء على دفعات للذود عنها؛ هي قضية أرض وناس وحكاية، انبترت عن مكانها الطبيعي (القرية)، وعاشت منفوية قصرية في المخيم، وتحول هذا المخيم المكان إلى هوية جمعية حفَّزت النضال والصمود، وأيقونة تشير إلى الزمن الأول: زمن النكبة والفقدان والضياع والتيه. لكن المخيم ما زال عنوانًا للهوية بمكوناتها المركزية: الأرض والناس وحكايتهم الوطنية والقومية، وهذا ما يحدي بأهل المخيم بسلوكهم العفوي بإطلاقهم مقولة "ويصرخ ساكنوه لزائرهم أن اخلع نعليك فترابه من دمائنا".

إن الاستعارة والتناص التي وُظّفت في الصرخة السابقة مستبطنة النداء الإلهي لموسى النبي، يمكن تأويلها أن المخيم مقدس وطني بتبنيه لاهوت المقاومة المستمرة والمتدفقة، وتعبيره عن حكايات النضال والتمرد، وبما يمثله من الأمل بالعودة وألم النكبة المستمرة، ويمتد المخيم ليشكل ذاكرة وطنية وأرشيف البطولة والفداء، بصور الشهداء، والغرافيتي، والكتابات الجدارية، والذاكرة الشفوية المتواترة عبر الأجيال.

المخيم مقدس وطني بتبنيه لاهوت المقاومة المستمرة والمتدفقة، وتعبيره عن حكايات النضال والتمرد، وبما يمثله من الأمل بالعودة وألم النكبة المستمرة

يحكي الكتاب قصصًا وحكاياتٍ نحو 70 شهيدًا وشهيدة من شهداء مخيم قلنديا، وكانت منهجية التوثيق تقوم على جمع المعلومات عبر العمل الميداني بالتواصل مع أهل الشهداء وأصدقائهم، ولم يتم إضافة أي معلومات أخرى من قبل معدي الكتاب حفاظًا على المصداقية، وقد رُتّبت سِيَر الشهداء ترتيبًا زمانيًا من الأقدم إلى الأحدث.

اقرأ/ي أيضًا: فيديو | سلواد.. البلدة القلعة

تكشف الحكايات مخزونًا ضخمًا من الذكريات والبطولات للشهداء، من اعتقال وتخفي وتنفيذ عمليات، وتُطلعنا الحكايات على قصص طريفة في العمل التنظيمي والنضالي الممتد من مخيم قلنديا إلى مناطق أخرى في فلسطين، مثل حكاية الشهيد عمر أبو ليلة الملقب "مجاهد أبو بكر"، الذي اكتشفت الأجهزة الاستعمارية الإسرائيلية انضمامه لصفوف منظمة التحرير الفلسطينية، فلوحق وشوهد متخفيًا في زي يهودي في القدس بالقرب من باب العامود، وتنقل بين مدن عدة في الضفة الغربية، واستقر في جنين، ثم اعتقل بعدها، وخلال اعتقاله؛ وهو في دورية الاعتقال، أنقض عمر على جندي الحراسة الصهيوني واغتنم سلاحه رغم تكبيله بالقيود من قبل الجنود، وهجم على سائق الدورية الإسرائيلية وقفز من الدورية الإسرائيلية، إلا أن رصاصة الحقد والغدر أتته من الخلف؛ من الدورية التي تحرس دورية الاعتقال وترافقها، فارتقى عمر شهيدًا بتاريخ 9/8/1967.

كما يروي الكتاب حكايات مأساوية مثل حكاية مصطفى خليل فيالة، الذي استُشهد في أحداث "أيلول الأسود" عام 1971 دون معرفة تاريخ أو يوم أو مكان استشهاده، وقد رفض والده تلقي أي مبلغ من منظمة التحرير، كما رفض فتح بيت عزاء؛ كون فقدان نجله كان هو الخبر، أما ما تبقى من أخبار وأحداث ما هي إلا سراب.

يكشف كتاب "حكايات شهداء مخيم قلنديا" مخزونًا ضخمًا من الذكريات عن المقاومة والاعتقال والتخفي، وقصص طريفة في العمل التنظيمي

وفي حكاية شهيد آخر، تُحيلنا إلى وسم مخيم قلنديا باسم "قلعة الشهيد بشير نافع" احترامًا وتخليدًا لمسيرة الشهيد بشير نافع، وهي مسيرة مكللة بالبطولة والفداء. اعتُقل نافع أول مرة وهو في عمر (14 عامًا)، وبقي في الزنازين 50 يومًا، وقد تجاوزت سنوات اعتقاله 10 سنوات، امتدت لسلسة من الاعتقالات الإدارية تجاوزت 30 اعتقالاً، دون تسجيل أي اعتراف له.

نُفي نافع عام 1988 إلى جنوب لبنان، واستمر في عمله التنظيمي والنضالي في العراق وتونس ولبنان، وعاد بتدخل من ياسر عرفات بعد اتفافية أوسلو، لكنه قُتل في العاصمة الأردنية عمّان عام 2005، إثر تفجيرات نظمها أبو مصعب الزرقاوي. وبعد رحيل بشير نافع، سُمي المخيم باسمه "قلعة الشهيد بشير نافع" تخليدًا لذكراه كمقاوم وبطل وطني رفض المساومة والانحناء، وتصدى للعواصف الداخلية والخارجية بحسم وصلابة، ليعود إلى مخيم قلنديا على عهد الشرفاء والشهداء.

وفي كتاب "حكايات شهداء مخيم قلنديا" العديد من القصص والبطولات والانتصارات والانكسارات، وهو يكشف عن عنف الاستعمار الصهيوني في تصفيات ميدانية بدم بارد، كما يوثق قصص الشهداء مع المكان، مع أزقة المخيم وبابه، وقصص متواليات شهداء المخيم، الأصدقاء والأخوة أحيانًا.

ويُعيد "حكايات شهداء مخيم قلنديا" القارئ إلى حقب تاريخية ونضالية متعددة، من النكسة عام 1967، إلى مقاومات تلتها، مرورًا بالانتفاضة الشعبية 1987، وانتفاضة الأقصى 2000، والهبة الجماهيرية 2015-2017. وتتجاوز الحكايات جغرافيا مخيم قلنديا إلى مواقع الاستشهاد، أو ما يمكن وسمه بجغرافيا الشهادة في الضفة الغربية والأردن ولبنان، وأماكن أخرى، وكذلك عند تقديم بيولوغرافيا عن الشهيد، وعن القرية أو البلد الذي هُجّر منه أو أهله من قبله. كما لا يمكن تجاهل مشاعر الأهل والأمهات اللواتي يروين قصص أبنائهن الشهداء، فالروايات تفيض بمشاعر الألم والفقدان والمناجاة والذكريات التي يكرهها الغزاة.


اقرأ/ي أيضًا:     

الفلسطينيون الحقيقيون في كوبر والقدس

دير أبو مشعل.. القرية التي لا تهدأ

"عيون الحرمية".. استعادة الانتفاضة الثانية