يكشف انفجار أجهزة الاتصال "البيجر"، يوم أمس، في لبنان عن مسار طويل قطعته الأجهزة، وصولًا إلى اختراقها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مع ترجيح معظم الفرضيات وجود قطع من المفتجرات فيها.
وقال مصدر أمني لبناني كبير ومصدر آخر لـ"رويترز" إن "جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) زرع متفجرات داخل 5000 جهاز اتصال لاسلكي استوردها حزب الله اللبنانية قبل أشهر من تفجيرات الثلاثاء".
قالت صحيفة "وول ستريت جورنال": "تتكون الرسالة التي سبقت الانفجار من سلسلة من الأرقام". مشيرةً إلى أنه "تم تركيب الشحنة المتفجرة العام الماضي"
وأشار مصدر أمني لبناني إلى أن أجهزة البيجر من إنتاج شركة غولد أبولو التايوانية، لكن الشركة قالت في بيان إنها لا تصنع الأجهزة. وأضافت أن الشركة التي تصنع الأجهزة هي شركة تدعى بي أيه سي - مقرها في العاصمة المجرية - ولديها ترخيص باستخدام علامتها التجارية، لكنها لم تذكر المزيد من التفاصيل.
وقالت عدة مصادر لوكالة "رويترز" إن "المؤامرة يبدو أنها استغرقت عدة أشهر في التحضير". وأكد المصدر الأمني اللبناني الكبير أن حزب الله طلب 5 آلاف جهاز استدعاء من شركة غولد أبولو، والتي تقول عدة مصادر إنها أدخلت إلى البلاد في وقت سابق من هذا العام.
وقال مؤسس شركة غولد أبولو هسو تشينج كوانج إن أجهزة البيجر المستخدمة في الانفجار صنعتها شركة في أوروبا أطلقت عليها غولد أبولو في بيان اسم "BAC".
وقال هسو للصحفيين في مكاتب الشركة في مدينة تايبيه الجديدة بشمال تايوان يوم الأربعاء "المنتج لم يكن ملكنا. كان يحمل علامتنا التجارية فقط".
كان العنوان المذكور لشركة BAC Consulting في بودابست عبارة عن مبنى فخم يقع في شارع سكني في ضاحية خارجية. وقد تم نشر اسم الشركة على الباب الزجاجي على ورقة بحجم A4.
وقال أحد الأشخاص الموجودين في المبنى والذي طلب عدم ذكر اسمه إن شركة BAC Consulting مسجلة في العنوان، ولكن ليس لها وجود فعلي هناك. كما تم تسجيل العديد من الشركات الأخرى في هذا العنوان على الرغم من عدم رد أي منها على المكالمات الهاتفية والاستفسارات الفعلية من رويترز.
وتقول الرئيسة التنفيذية لشركة BAC Consulting، كريستيانا بارسوني أرسيدياكونو، على حسابها الشخصي على موقع LinkedIn إنها عملت كمستشارة لمنظمات مختلفة بما في ذلك اليونسكو. ولم ترد على رسائل البريد الإلكتروني من رويترز. ولا يشير موقع الشركة على الإنترنت إلى التصنيع.
وحدد المصدر الأمني اللبناني الرفيع صورة لنموذج جهاز البيجر، وهو من طراز AP-924، والذي مثل أجهزة البيجر الأخرى يستقبل ويعرض الرسائل النصية لاسلكيًا.
وقال مصدران مطلعان على عمليات حزب الله لـ"رويترز" هذا العام، إن مقاتلي حزب الله يستخدمون أجهزة البيجر كوسيلة اتصال منخفضة التقنية في محاولة للتهرب من أنظمة تعقب المواقع الإسرائيلية. لكن المصدر اللبناني قال إن الأجهزة تم تعديلها "على مستوى الإنتاج" من قبل جهاز التجسس الإسرائيلي.
وأضاف المصدر أن "الموساد قام بحقن لوح داخل الجهاز يحتوي على مادة متفجرة تتلقى شفرة من الصعب جدًا اكتشافها بأي وسيلة حتى باستخدام أي جهاز أو ماسح ضوئي".
وقال المصدر إن 3 آلاف من أجهزة النداء انفجرت عندما وصلت إليها رسالة مشفرة، ما أدى إلى تفعيل المواد المتفجرة في الوقت نفسه.
وقال مصدر أمني آخر لـ"رويترز"، إن ما يصل إلى ثلاثة غرامات من المتفجرات كانت مخبأة في أجهزة الاتصال الجديدة ولم يتم اكتشافها من قبل حزب الله لعدة أشهر.
بدورها، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال": "تتكون الرسالة التي سبقت الانفجار من سلسلة من الأرقام". مشيرةً إلى أنه "تم تركيب الشحنة المتفجرة العام الماضي".
وأضافت: "الشخص الذي فتح الرسالة أصيب بالعمى أو فقد إصبعه، ومن لم يتمكن من ذلك - أصيب في ساقيه وصدره".
وأكد الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان، أحد مؤلفي كتاب "جواسيس ضد نهاية العالم" وغيره من الكتب عن الاستخبارات الإسرائيلية، أن أجهزة النداء المتفجرة "تم توريدها مؤخرًا"، وأضاف: "نعلم أن الموساد قادر على اختراق حزب الله مرارًا وتكرارًا". لكنه شكك في "الحكمة الاستراتيجية وراء الهجوم" الذي أسفر عن استشهاد فتاة تبلغ من العمر 10 أعوام وطفل يبلغ من العمر 11 عامًا.
وحذر ميلمان من أن "هذا الأمر يعزز من احتمالات تصعيد أزمة الحدود إلى حرب"، وأضاف أن "هذا الأمر يشكل إشارة إلى الذعر"، لأنه في حين قال إنه أظهر "قدرة غير عادية على ضرب قلب حزب الله، فإنه لم يكن استهدافًا كبيرًا، ولن يغير الصورة الاستراتيجية الأوسع". وخلص إلى القول: "لا أرى أي تقدم في هذا الأمر".
وأشار ميلمان، إلى التقارير الإسرائيلية التي تزعم محاولة اغتيال موشيه يعالون، وزير الأمن الإسرائيلي الأسبق، ورئيس أركان جيش الاحتلال خلال الانتفاضة الثانية، قائلًا: "الهجوم على جهاز البيجر كان بمثابة تحذير قاتم من أي شيء تستطيعون القيام به، يمكننا القيام به بشكل أفضل. ولكن هذا لن يكون المرة الأولى التي تتورط فيها إسرائيل في اغتيال أو هجوم مذهل آخر وتؤدي النتائج إلى نتائج عكسية ــ أو لا يتطور الموقف كما كان مقصودًا".
إسرائيل تترقب رد حزب الله بعد تفجيرات لبنان.. أكثر تفاصيل مع مراسلة التلفزيون العربي كريستين ريناوي @christinerinaw3 pic.twitter.com/AXD1sv7RoU
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) September 18, 2024
وفي وقت سابق، كشف موقع واللا الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، أن إسرائيل قررت تفجير مئات من أجهزة الاتصالات التي حملها عناصر حزب الله في لبنان وسوريا أمس الثلاثاء، بعد مخاوف متزايدة من أن التنظيم قد يكتشف قريبًا الثغرة الأمنية في هذه الأجهزة، وفقًا لما أفاد به ثلاثة مسؤولين أميركيين.
وأكد مسؤول أميركي بارز أن إسرائيل كانت أمام خيارين: إما استخدام الأجهزة المفخخة أو المخاطرة بفقدانها، مشيرًا إلى أن إسرائيل أوضحت هذا الأمر للولايات المتحدة بشأن توقيت الهجوم.
وبحسب مسؤول إسرائيلي سابق، كانت الاستخبارات الإسرائيلية قد خططت لاستخدام هذه الأجهزة المفخخة، التي نجحت في زرعها مع عناصر حزب الله، كضربة افتتاحية في حرب شاملة ضد حزب الله، بهدف شلّ حركته مؤقتًا ومنح إسرائيل ميزة كبيرة في أي هجوم قادم.