06-أغسطس-2017

هل فكرت يومًا في أنّ الأشخاص العنصريين ما هم إلا أشخاص يمارسون الحب اتجاه الأشياء أو الأفكار التي يتهمُهم من حولهم أنهم عنصريون اتجاهها؟ أو أنهم يؤمنون بها بشدّة، لدرجة تجعلهم يكرهون كل من يشكك فيها أو ينتقدها؟ بل وربما جاءت عنصريتهم لأنهم ظنّوا أنّ الانتماء لفكرة أو مكان يتطلب منهم دحض كل ما يقابله والتقليل من شأنه خوفًا من أي منافسة؟ وإذا كانت العنصرية أصلها حب، فهل كل حُب مُعرّض لأن يتحوّل إلى عنصرية؟

 إذا كنت خائفًا من أن تكون عنصريًا دون أن تنتبه فتعال لنقرأ هذه المشاهد عن الحب والعنصرية 

مشهد أول: في فيديو مصوّر تبكي عارضة الأزياء آشلي غراهام بينما تتحدث عن كره النساء لأجسادهن الممتلئة، وانتقاصهن من أنفسهن لمجرد أن مقاسهنّ أكبر من أن يعتبره المجتمع جميلًا. وفي ذات الفيديو تشجّع غراهام مجموعة من النساء على ارتداء ملابس تكشف أكثر الأجزاء التي يكرهنها في أجسادهن: البطن المترهل أو الأذرع الممتلئة أو السيقان التي نال منها السليوليت. أربع نساء بكين أمام الكاميرا لأنهن يتعرضن لمضايقات بسبب امتلاء أجسادهن، ولأنهن يعتقدن أنّه من غير الممكن أن يكون الانسان جميلًا وممتلئ في ذات الوقت.

مشهد ثانٍ: تم تصوير أطفال خلال إحدى الحصص المدرسية في المدرسة الدينية اليهودية (اليشيفا) وتبادلت معهم المعلمة مجموعة من الأسئلة وكانت إجاباتهم على النحو التالي:

* بماذا تشعرون عندما تقابلون طفلًا عربيًا؟

- بالغضب.. أريد أن اقتله.

* وماذا تشعرون عندما تقابلون طفلًا علمانيًا؟

- أشفق عليه لأنه لم يولد متديّنًا، ولأنه لا يسير في الطريق الصحيح.

* كيف ترون القدس بعد عشرة أعوام؟

- كلها يهود متدينون، ويوجد عرب ولكنهم عبيد لنا.

وإذا كان هذا المشهد يهوديًا فيمكننا أن نتخيّل نفس الحوار المتطرف مع استبدال كلمة يهودي بما يقابلها في أي دين آخر.

مشهد ثالث: في برنامجها (هي مش فوضى) استضافت الإعلامية المصرية رغد سلامة شابين لبنانيين متحولين جنسيًا، سلامة لم تترك من طريقة للتقليل من شأن الفتانين (الشابين سابقًا) إلا واتبعتها، وبينما يفرض العلم علينا أن ندرك أن التحوّل الجنسي يعتبر ضرورة نفسية وجسدية أحيانًا، فإن المذيعة قدمت الفتاتين كمواد للإهانة على أساس أن التحوّل الجنسي يكون بغرض الدعارة وممارسة الجنس المدفوع فقط لا غير، ولم يثنها أي شي عن تقديم نصائح للرجال الذين يقصدون بيوت الدعارة للانتباه وتوخي الحذر خوفًا من أن تكون الفتاة التي دفعوا المال مقابل علاقة حميمة معها، هي مجرّد شاب متحول جنسيًا، "انتبهوا إلى حجم الأقدام والأيدي والأكتاف قبل أن تتورطوا" هذه كانت النصيحة التي وجهتها المذيعة على الهواء.

محاولة لنرى الأمور التي تؤرقنا والتي يصعب علينا البت بصحيحها من خاطئها، جميلها من قبيحها، خيرها من شرها 

مشهد رابع: تفقد امرأة أمريكية أعصابها في عيادة طبيب الأسنان لأنّ طبيبها الأبيض ليس موجودًا، وهي ترفض أن يعالج طفلها أي طبيب آخر من الأطباء الموجودين. تردد المرأة في الفيديو أنها تريد طبيبًا أبيض لأنه سيعرف كيف يعالج طفلها، لا تريده غامق اللون ذو أسنان صفراء ولا يجيد التحدث بالانجليزية، هكذا تصف كل الأطباء غير البيض، المرأة ذاتها اتهمت كل الذين اتهمونها بالعنصرية من المراجعين بأنهم عنصريون اتجاهها لأنها بيضاء، "لقد أصبح من الصعب أن تكون أبيضًا في أمريكا"، قالت المرأة.

مشهد خامس: جولدي نيرا المسلمة المحجبة واحدة من الشخصيات الأساسية في المسلسل الأمريكي (Degrassi) والذي يتناول يوميات مجموعة طلاب في المدرسة الثانوية بكل ما فيها من مغامرات جنسية ومشاكل عائلية وتحديّات تعليمية. تقدم الممثلة (سومي بهاتيا) دور جولدي وهي ناشطة في حقوق الإنسان، وتسعى لتحقيق المساواة من خلال تشكيلها حراكًا نسويًا داخل المدرسة، ولكن ورغم كل ما تبذله من جهد إنسانيّ داخل المدرسة إلّا أنّ هذا لم يمنع أن تتجه أنظار الطلاب إليها في درس التاريخ، عندما تحدث المدرس عن العمليات التفجيرية لأنهم يتوقعون لمجرّد كونها مسلمة أن تعرف الكثير عن هذه العمليات.

مشهد أخير: كثيرًا ما نقول بلهجتنا العامية وضمن وصفنا لأحدهم ودون الكثير من الانتباه: "مسيحي بس منيح. مش متعلم بس فهمان. متدين بس مش معقد. بنت بس جدعة. سمرا بس حلوة. مش محجبة بس محترمة. فلاح بس راقي، ناصحة بس وجهها ناعم".

ليس في هذا المقال أي دعوة للوقوع في حب جديد لعلاج عنصرية ما، تسبب بها حب قديم، وإنما هو محاولة لنرى الأمور التي تؤرقنا والتي يصعب علينا البت بصحيحها من خاطئها، جميلها من قبيحها، خيرها من شرها من خلال نافذة أوسع من تلك التي بُنيت فينا بحكم العادة أو التكرار أو حتى الحب.


اقرأ/ي أيضًا:

ربيع القدس.. خريف تل أبيب!

المثقف الأكاديمي: الصمود المقاوم أولى من الساكن

لهذا عمّر أجدادُنا وهرمنا في شبابنا..