22-مايو-2024
الكنيست الإسرائيلي

من داخل الكنيست الإسرائيلي

تُظهر جملة القوانين ومقترحات أو مشاريع القوانين التي تجري عملية دراستها وفق مراحلها الرسمية (التمهيدية وقراءاتها الثلاث والمصادقة) من أجل اعتمادها واعتبارها قانونًا داخل دولة الاحتلال، حقيقة الذهن الاحتلالي الاستيطاني، وأبرز توجهات هذا الذهن في المستقبل القريب، إذ يبدو واقع الأراضي الفلسطينية هذه الأيام، من ظروف صعبة ومعقدة يتفشى فيها الاحتلال وسطوته وإجراءاته مثل السرطان في مراحله المتقدّمة، نتيجة مباشرة ومنطقية لما جرى من نقاشات داخل أروقة الكنيست، باعتبار أن هذه النقاشات، وهي محض أفكار وأحلام وخيالات مريضة لأصحابها، يتم تحويلها إلى مقترحات قوانين تخص ذهنية كل حزب من أحزاب هذا الكنيست.

تظهر أهمية متابعة ورصد نقاشات كنيست الاحتلال باعتبارها مزاجًا عامًا لما يعتمل في ذهن المجتمع الاحتلالي، وباعتبارها تؤشر إلى أين تريد أن تذهب سياط الاحتلال في المستقبل القريب

تشطح الكثير من الأحزاب في اقتراحاتها ومشاريع قوانينها إلى أقصى يمين الفكر الصهيوني المتطرّف الذي لا يرى في الفلسطيني إلّا وحشًا يستوجب على الاحتلال أن يربيه ويعيد تشذيبه بما يتوافق مع رؤيته للأرض ودينامية الحياة عليها، يلاحق من خلالها كل أفق للعيش والحياة والتنفس للفلسطيني، يحسده عليها، ويحرمه منها، ويفاوضه بكل وضاعة على استرجاعها.

تظهر أهمية متابعة ورصد نقاشات كنيست الاحتلال بكل ما فيها من اقتراحات باعتبارها مزاجًا عامًا لما يعتمل في ذهن المجتمع الاحتلالي، وباعتبارها تؤشر إلى أين تريد أن تذهب سياط الاحتلال في المستقبل القريب، وهي سياط تستهدف من جملة ما تستهدف رقاب الفلسطينيين وأرضهم على حد سواءً.

ولعلّ أقل نظرة يجري تسليطها على كل ما يتم مناقشتها داخل كنيست الاحتلال، يلحظ دائمًا ودون أدنى شك طبيعة هذه القوانين، من حيث طبيعتها العدائية والعنصرية، والتي تحاول من خلالها الجهات التشريعية في دولة الاحتلال أن ترسّخ منظومة قمع الفلسطينية أو إمعان الفصل العنصري والأبارتهايد.

ومن الأمثلة على ذلك مشروع القانون الذي جرى تقديمه لصالح التعامل مع المستعمرات المقامة على أراضي محافظة الخليل، حيث جاءت خطورة هذا القانون في أنّه يعتبر واحدًا من قوانين وإجراءات الضم، أو بمعنى آخر، التعامل مع مستوطنات الضفة الغربية، بشكل تدريجي، كبلدات ومدن في الداخل المحتل، القانون الذي حمل الرقم 25/ 4486 جرت عملية إيداعه في الثالث من نيسان/ ابريل، بانتظار قراءات أخرى لتحديد وضعه القانوني والتنفيذي.

بالعادة، تبدو الأفكار المتداولة في أروقة الكنيست، خيالية وبعيدة، لكنها سرعان، ما يجري المصادقة عليها وتمريرها وتنفيذها، هكذا بدأت الكثير من القضايا، وليس آخرها مسألة إعادة الاستيطان مرة أخرى إلى شمال الضفة الغربية، بعد أن أقرّ ذات الكنيست في العام 2005 خطة فك الارتباط وبالتالي الانسحاب من مستعمرات شمال الضفة الغربية، ليعود ذات الكنيست، بوجوهه الجديدة لتعديل القانون وإقرار العودة من جديد. ولعلّ أكثر العناوين الصارخة التي يجري تداولها هذه الأيام، والتي كانت وحتى وقت قصير بعيدة المنال وغير قابلة للتطبيق، إلا أن تمثّلات الواقع الآن تشير إلى ما بات يبدو قابلًا للتطبيق وتحديدًا تداول مسألة إعدام الأسرى الفلسطينيين، ولعلّ المتابع لما يجري نقاشه هذه الأيام في الكنيست، وكثافة النقاش الجاري حول هذه القضية والخلفية القومية والأيديولوجية لمن يقومون بعملية نقاش يدرك الآن قرب تحقق ذلك.

آخر ما تم إيداعه مطلع نيسان/ ابريل الماضي، من قبل نائبة من كتلة "الليكود"، مشروع قانون حمل الرقم 25/ 4550 يقضي بفرض عقوبة الإعدام، إلى جانب عقوبة السجن، على من أدين في المحاكم العسكرية بعمليّات أدت لمقتل إسرائيليين، أو تضرروا منها، على أن يكون هذا الحكم مع وقف التنفيذ، ويتم تنفيذ حكم الإعدام، في حال طلبت "منظمة إرهابية"، بحسب نص مشروع القانون، إطلاق سراحه.

وفي إطار آخر يبدو أنه يؤسس لمرحلة جديدة من مراحل الضمّ الصامت والهادئ لأراضي الضفة الغربية ما قدّمه مؤخرًا أعضاء كنيست من حزب قوة يهودية (تحديدًا النائب سون هار ميلخ) من قانون للإيداع على جدول أعمال الكنيست، يقضي بالتعامل مع مستوطنات جنوب الضفة الغربية (الخليل) على أنها مستوطنات في الداخل، بمعنى أن يتم ضم هذه المستوطنات إلى ما يعرف بسلطة تطوير النقب.

وتبدو سلطات الاحتلال عازمة أشد العزم بالكثير من التشريعات والقوانين على إطباق مسألة الضم هذه، بشكل بطيء، صامت وغير معلن، كانت أولى مؤشراتها ما فعّلته منتصف العام 2023 من دمج لمخططات المستعمرات المخصصة لأغراض توسعتها ضمن مواقع المخططات المخصصة لمدن الداخل المحتل، في إشارة تبدو واضحة لما بات يعرف بالضم الإداري، ليأتي القانون الذي تجري عملية تداوله، قبل المصادقة، كإشارة جديدة على عزم دولة الاحتلال في المضيّ قدمًا نحو الحسم.