21-أبريل-2024
رفح

يتعاطى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع العملية العسكرية في رفح باعتبارها الخطوة الحاسمة فيما أسماها هزيمة حركة حماس والقضاء عليها، وتحقيق الانتصار المطلق. نتنياهو يزعم أن أربع كتائب عسكرية لحركة حماس تعمل في المدينة، ولا يمكن الحديث عن الانتصار الحاسم والنهائي والمطلق دون تفكيكها، إضافة إلى منع التهريب عبر الحدود المصرية الفلسطينية، كما وصل الخيال العبري إلى حد الحديث عن منع انتقال قيادات وهروب قيادات مركزية بحماس وحتى نقل أسرى إسرائيليين للأراضي المصرية.

نتنياهو يزعم أن أربع كتائب عسكرية لحركة حماس تعمل في المدينة، ولا يمكن الحديث عن الانتصار الحاسم والنهائي والمطلق دون تفكيكها. كما وصل الخيال العبري إلى حد الحديث عن منع انتقال قيادات وهروب قيادات مركزية بحماس وحتى نقل أسرى إسرائيليين للأراضي المصرية

العملية العسكرية ضد رفح التي تضم مليون وربع مليون نازح إضافة إلى ربع مليون من أهلها، واجهت وتواجه معارضة شديدة من الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمجتمع الدولي بشكل عام، مع تحذيرات من نتائجها الكارثية على معبر رفح، الأكثر تأثيرًا، ومنع إدخال المساعدات من خلاله باعتباره شريان الحياة لغزة، مع محدودية تأثير وفعالية إنزال المساعدات جوًّا وحتى إيصالها عبر الممر البحري الذي يحتاج إلى أسابيع وربما شهور إضافية لتشغيله، ناهيك عن العوائق السياسية والأمنية واللوجستية العديدة أمامه.

كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أكد أثناء اتصاله الهاتفي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نهاية مارس/ آذار الماضي والذي جاء بعد قطيعة لشهر تقريبًا على رفض  العملية برفح وطلب إرسال وفد إسرائيلي رفيع إلى واشنطن لنقاش مستفيض حولها، ثم ألغى نتنياهو الزيارة فيما بعد احتجاجًا على امتناع  أمريكا عن استخدام الفيتو ضد قرار مجلس الأمن الداعي لوقف النار بغزة في النصف الأخير من شهر رمضان الكريم.

لاحقًا، عاد ورضخ نتنياهو على أثر المعارضة الواسعة في كابينيت الحرب والجيش والأجهزة الأمنية والإعلام، وقرر الموافقة على سفر وفد رفيع يضم مقربين منه – وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي ومسؤولين كبار من الأجهزة العسكرية والأمنية المعنية.

شهد الأسبوع  الأول من نيسان/ ابريل عقد أول اجتماع عن بعد للوفدين الأمريكي والإسرائيلي حول العملية في رفح، وشهد خلافات وشدّ وجذب وتشنج من قبل موظفي نتنياهو، وقبل ذلك حصل نقاش مستفيض حولها أثناء زيارة وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت إلى واشنطن أواخر مارس/ آذار ولقاءاته مع كبار المسؤولين  السياسيين والعسكريين -مستشار الأمن القومي ووزيري الخارجية والدفاع- ورئيس الأركان الأمريكي تشارلز براون، الذي أجرى اتصالًا هاتفيًا بنظيره الإسرائيلي هرتسي هاليفي أثناء اجتماعه بغالانت طلب فيه معطيات ومعلومات محددة عن العملية برفح مع طرح الرؤى الأمريكية تجاهها.

وللتذكير، كان هليفى نفسه قد أبلغ نتنياهو والمجلس السياسي الأمني الموسّع منذ شباط/فبراير الماضي -نهاية العملية إكلينيكيًا في خان يونس- أن خطة الجيش جاهزة لعملية رفح ولكنها تحتاج إلى إجراءات لوجستية تشمل تجنيد وحشد المزيد من قوات الاحتياط والنظامية بعد تسريحها، إضافة إلى إجلاء النازحين بالمدينة، وتفاهمات سياسية مع مصر تحديدًا باعتبارها المعنية مباشرة بالملف كون العملية ستجري على حدودها وتمثل تجاوزًا لمعاهدة كامب ديفيد في حالة إعادة احتلال إسرائيل محور فلادلفي الحدودي.

في السياق، قالت وسائل الإعلام العبرية إن وزير الجيش الإسرائيلي سمع أثناء لقاءاته في واشنطن لغة غير مسبوقة حتى مع الاستقبال الدافئ باعتباره أحد معارضي نتنياهو وأكثر انفتاحًا تجاه  المقاربة الأمريكية لرفح وحرب غزة بشكل عام، حيث أبلغه نظيره الأمريكي لويد أوستن أن عدد القتلى المدنيين لا يزال مرتفعًا، وكمية المساعدات الإنسانية لا تزال منخفضة وأقل من اللازم، وعليه تحتاج العملية في رفح إلى بيئة مختلفة، إضافة لافتقاد تل ابيب إلى خطط وتصورات واقعية ومنطقية وناجعة وقابلة للتطبيق.

وعليه، تعتقد واشنطن أن العملية ستكون كارثية على المدنيين والمنطقة، وقد تؤدي إلى تصعيد إقليمي وتأثيرات سلبية على سمعة وصورة الدولة العبرية في العالم، والدعم الدولي لها في حربها ضد غزة.

مع ذلك، يجب الانتباه إلى أن واشنطن لا تعارض العملية من حيث المبدأ ضمن دعمها القاطع لما تصفه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأمنها، وهزيمة حماس لمنعها من تهديد الدولة العبرية في المستقبل، لكنها تعترض على الخطط والتفاصيل. ولذلك، طرحت من جانبها عدة مطالب أهمها تشكيل غرفة عمليات مشتركة لإدارة العملية، إضافة إلى تصوراتها الخاصة التي تتضمن ثلاث نقاط ومعطيات أساسية، بعد إجلاء أكبر عدد ممكن من النازحين طبعًا، وهي محاصرة رفح وعزلها، وتأمين الحدود مع مصر، وتنفيذ عمليات محددة وموضعية داخل المدينة بناءً على معلومات استخباراتية ستساهم بالطبع في توفيرها بعيدًا عن الاجتياح الموسع، في ظل عدم الثقة بقدرة إسرائيل على إخلاء مليون وربع نازح، وفشلها إداريًا منذ بداية الحرب، ومن يتعذّر عليه إدخال 50 شاحنة مساعدات إلى شمال غزة كيف سيجلي ملايين النازحين من رفح كما قيل في اللقاء عن بعد الذي شهد خلافات وتشنج وتوتر خاصة من قبل وزير نتنياهو المقرب وذراعه الأيمن ووزير خارجيته الفعلي  رون ديرمر، الذي تسخر منه الصحافة العبرية لافتقاده للخبرة العسكرية، وتقول إنه قضى خدمته في ميامي بيتش بإشارة إلى أنه ولد وعاش معظم حياته بالولايات المتحدة.

هذا يعيدنا إلى بداية حرب غزة والشق البري من العدوان الإسرائيلي، حيث أرسلت واشنطن وزير دفاعها وبصحبته الجنرال جيمس غلين  بحجة امتلاكهما خبرة إثر مشاركتهما في غزو العراق وقتال تنظيم الدولة لطرح نموذج الموصل - الرقة لا الفالوجا، بمعنى القيام باجتياحات موضعية لا موسعة وشاملة لقطاع غزة كله، وفعلًا وحسب النصيحة الأمريكية بدأ العمل البري أولًا في الشمال -غزة وبيت لاهيا وبيت حانون- مع فصل القطاع إلى قسمين (شمال وادي غزة وجنوبه) من خلال شق الشارع العرضي الذي بات يعرف بممر نتساريم، وبعد ذلك تم نقل النموذج جنوبًا إلى خان يونس أوائل كانون أول/ ديسمبر الماضي.

العملية البرية في شمال وادي غزة انتهت واستنفذت أغراضها منذ منتصف شباط/فبراير، لكن لم يتم الإعلان عن الانسحاب والانتهاء من المرحلة الثانية لأسباب سياسية، في ظل معارضة الوزراء الأكثر تطرّفًا، وانصياع نتنياهو لهم على اعتبار أن الحرب الحقيقية الجدية التي يخوضها هي حرب بقائه السياسي. وبالفعل، خضع كعادته للضغوط ولذلك أعلن بعد الانسحاب المتأخر من خانيونس -أوائل نيسان/ابريل- عن موعد محدد لعملية رفح، قبل أن ينفي غالانت لنظيره الأمريكي هذا الأمر.

مع ذلك، لا تزال العملية على الطاولة وهي كانت دائمًا مسألة متى وكيف، وليس هل؟ تمامًا كما كانت العملية البرية نفسها منذ الأيام الأولى للحرب بل الساعات الأولى ما بعد طوفان الأقصى.

والآن يجري الحديث عن تطبيق نموذج الموصل نفسه بشكل مصغّر داخل رفح نفسها، كما يحصل حاليًا في منطقة المخيمات الوسطى، حيث بدأت في النصيرات  على أن تنتقل  بعد ذلك إلى المغازي ودير  البلح، علمًا أنها منطقة صغيرة ولا تضم عددًا كبيرًا من المواطنين كما هو الحال في رفح.

الآن يجري الحديث عن تطبيق نموذج الموصل نفسه بشكل مصغّر داخل رفح نفسها، كما يحصل حاليًا في منطقة المخيمات الوسطى، حيث بدأت في النصيرات  على أن تنتقل  بعد ذلك إلى المغازي ودير  البلح

يجب الانتباه كذلك إلى الخطاب الدعائي لنتنياهو  تجاه رفح، حيث لا قوات جاهزة، ولا إجلاء النازحين قبل أسابيع أو شهور، ولا توافق سياسي مع مصر  رغم الموقف اللافت من نظام  عبد الفتاح السيسي المستعد للانخراط كما كان دائمًا في المشاريع والخطط الأمريكية، ولكنه طلب مساعدات مالية  إضافة لتركيب ونصب أجهزة مراقبة واستشعار أمريكية على الحدود في محور فلادلفيا ومعبر رفح أيضًا، وذلك ضمن ترتيبات أمنية لليوم التالي للحرب، مع الاستعداد للتساوق مع الخطط الأمريكية لا الإسرائيلية، ورفض العملية الموسعة التي تخلق فوضى وموجات هجرة وتداعيات سلبية على المنطقة والإقليم برمته .

إذن، أمريكا لا تعارض العملية ولكنها تعمل من أجل هدنة وصفقة تبادل أسرى كي تقرّب نهاية الحرب، وتمهد لليوم التالي، بمعنى أن العملية في رفح ستمثل نهاية العدوان والحرب بشكل عام. علمًا أنها لا تعتبر نتنياهو شريكًا في رؤيتها وتصوراتها للحرب وما بعدها، إنما إسرائيل كذلك بالتأكيد.

شهدت الأيام والساعات الأخيرة وبعد الاستعراض الإيراني ليلة السبت- الأحد، تطورات ومستجدات تخص عملية رفح، حيث باتت مؤجلة بناء على إملاءات أمريكية لا تستطيع تل أبيب رفضها. بعدما أظهر الاستعراض الدعائي مدى حاجة وتعلّق تل أبيب بواشنطن، وهو نفس ما تبدى بعد طوفان الأقصى والجسر الجوي والقبة الفولاذية السياسية والإعلامية والاقتصادية والقضائية والتي وفرتها أمريكا للتعاطف مع تل أبيب والتحالف الإقليمي والغربي للدفاع عنها الأقرب للاحتضان الذي سيقيّد حركتها في رفح مع دعم العملية هناك، ولكن بالشروط الأمريكية، وضمن تجاوب إسرائيل مع أسئلة وسيناريوهات اليوم التالي في غزة المطروحة والمدعومة إقليميًا ودوليًا أيضًا، والتي تستوجب التأكيد الجامع فلسطينيًا على رفض المقاربات العسكرية ونتائجها الكارثية من الفالوجا والموصل إلى غزة ورفح، وضرورة امتلاك مقاربة صلبة ومتماسكة لليوم التالي، تستند إلى المصالح الوطنية والتمسك بعدم العودة إلى مساء 6 تشرين أول/أكتوبر والحصار والانقسام وتجاوز القضية الفلسطينية وإزاحتها عن جدول الأعمال العربي والإقليمي والدولي.