29-أكتوبر-2023
gettyimages

يواصل الاحتلال عدوانه على قطاع غزة (Getty)

كرست صحيفة "هآرتس" العبرية مقالًا مطولًا، استعرضت فيه خيارات الاحتلال في نهاية عدوانه على قطاع غزة، للمستشرق القادم من جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" والمعروف بتوجهاته المتطرفة مايكل ميلشتاين، الذي خلص إلى أن كل الاحتمالات بعد الحرب سيئة لـ"إسرائيل"، وبعضها سيجر عليها "الكوارث".

وكاتب المقال ميلشتاين، هو باحث ورئيس قسم العالم العربي في معهد السياسات والاستراتيجية في جامعة رايخمان (معهد هرتسليا)، ورئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان لدراسة الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب وعقيد احتياط، إذ شغل سابقًا منصب مستشار الشؤون الفلسطينية لمنسق عمليات حكومة الاحتلال في الضفة الغربية، ورئيسًا للساحة الفلسطينية في جهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي "أمان".  

كل الخيارات والبدائل أمام دولة الاحتلال في قطاع غزة، سيئة وغير فعالة، وفق التقدير الإسرائيلي 

وجاء المقال بعنوان: "وراء شعار ’إسقاط حكم حماس’: تختفي أربعة خيارات كلها سيئة"، وقال ميلشتاين: "بعد الهجوم المفاجئ على الجنوب، تهدف إسرائيل إلى إخراج حماس من غزة. لكن كل الاحتمالات التي تظهر لمستقبل القطاع خطيرة، وبعضها كارثي بكل معنى الكلمة".

ويقدم المقال تشخيصًا للوضع في قطاع غزة، بالقول: "يتواجد في قطاع غزة حاليًا عشرات الآلاف من الأشخاص المنتمين إلى حركة حماس، ومندمجين في كامل تنظيمها، وعلى رأسهم جناحها العسكري الذي يبلغ تعداده نحو 30 ألف. قد يكون من الممكن اغتيال كامل القيادة العليا والقيادة العسكرية لحركة حماس، وإلحاق أضرار جسيمة بالتشكيل العسكري للمنظمة، وبنيتها التحتية، بل وحتى اعتقال الآلاف من الناشطين"، مشيرًا إلى تجربة جماعة الإخوان المسلمين، "التي عاشت لعقود من الزمن في ظروف صعبة من الاضطهاد والاغتيالات والصراعات".

ثم يقترح الكاتب على صُناع القرار في دولة الاحتلال: "من الضروري أن نتعلم من أسلافنا في الماضي. لم تجرب إسرائيل قط الإطاحة بالحكومة المحلية في المنطقة. وأقرب ما يكون إلى ذلك حرب لبنان الأولى، التي انتهت بإجلاء قوات منظمة التحرير الفلسطينية عن البلاد، لكنها كانت آنذاك كيانًا أجنبيًا وليست جزءًا من المجتمع اللبناني".

ويمضي الكاتب، بالقول: "يتمتع الأميركيون بخبرة غنية في هذا المجال. لقد كان احتلال العراق وأفغانستان غارقًا في التظاهر بامتلاك القدرة على تغيير الوعي المحلي وإقامة نظام جديد في هذه البلدان. وانتهت كلتا الحالتين بفشل مرير: ففي العراق تشكلت دولة فاشلة تحت النفوذ العميق لإيران، وفي أفغانستان استعادت طالبان السلطة".

ثم يبدأ الرئيس السابق للساحة الفلسطينية في الاستخبارات العسكرية بسرد الخيارات الإسرائيلية بعد نهاية الحرب على غزة، بالقول: "أمام إسرائيل حاليًا أربعة بدائل فيما يتعلق بغزة، كلها سيئة، وعليها أن تختار الأقل سوءًا. والخيارات الأولى كارثية"

وبحسب ميلشتاين: "الخيار الأول يتلخص في استعادة قطاع غزة، وهو الهدف الذي تتمنى العناصر الصهيونية الدينية تحقيقه علنًا، بما في ذلك إعادة إنشاء المستوطنات التي تم التخلي عنها أثناء خطة فك الارتباط في عام 2005. ومن المتوقع أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى إغراق إسرائيل في نموذج مصغر للعراق بعد عام 2003، أي تحدٍ أمني صعب، وعبء اقتصادي ثقيل، وإلحاق الضرر بمكانتها الدولية. وذكر ديفيد بن غوريون وموشيه دايان الأسباب نفسها في وقت مبكر من عام 1957 عندما قرروا الانسحاب من قطاع غزة، على الرغم من الانتقادات اللاذعة التي وجهت إليهما من قبل كل من حزب حيروت بقيادة بيغن وحركة الوحدة العمالية، التي أعطت الأولوية للحفاظ على سلامة إسرائيل بدلًا من التمسك بالأرض".

getty

أمام البديل الثاني، والذي يصفه بـ"الرهيب"، فهو يقوم على "اجتياح واسع النطاق لغزة، والذي سينتهي بإلحاق أضرار جسيمة بحماس إلى حد انهيار حكمها، ولكن بعد ذلك مباشرة خروج سريع من المنطقة. وقد يترك مثل هذا السيناريو وراءه فراغًا، وستعود حماس أو غيرها للحكم".

وعن الخيار الثالث يقول الكاتب: "أمام هذه الخيارات يقف بديلان مليئان بعلامات الاستفهام وليس بالتحذيرات، لكنهما أفضل. الأول هو إقناع السلطة الفلسطينية بالعودة إلى قطاع غزة، وهي خطوة لا يزال مستقبلها غير واضح في ظل الضعف العميق للسلطة التي تجد صعوبة في السيطرة على الضفة الغربية، وتعاني من صورة سلبية لدى الجمهور الفلسطيني، ويتجلى ذلك في الاحتجاجات المناهضة لها الأسبوع الماضي. إذا لم يكن ذلك كافيًا، ففي غزة نفسها نشأ جيل كامل من الشباب الذين لا يعرفون السلطة الفلسطينية في الواقع، بل كانت هي الكيان الذي يفرض عقوبات غزة، أو كانت حكومة متعاونة مع إسرائيل". 

أما البديل الرابع، بحسب الكاتب: "والذي يبدو أن الحكومة الأمريكية تناقشه مع إسرائيل، فهو إنشاء نوع من الإدارة المدنية المحلية بعد الإطاحة بحماس، وهي هيئة تشبه الحكومة المؤقتة التي تم تشكيلها في العراق بعد الاحتلال الأمريكي. وستكون هذه الإدارة مسؤولة عن الإدارة والنظام في المجال العام وستتألف من ممثلين عن القوى المحلية، إلى جانب كبار مسؤولي فتح. ومن المستحسن أن تعمل نفس الإدارة بشكل وثيق مع السلطة الفلسطينية وبمشاركة عميقة من مصر والولايات المتحدة وربما حتى دول الخليج مثل السعودية والإمارات".

أما في حال فشلت كل الخيارات يقترح الكاتب: "السيناريو الخامس، المكروه والمفروض في إسرائيل، ولكنً يجب على الأقل تركه كخطة طوارئ في حالة انهيار جميع البدائل الأخرى، خاصة في ظل خطر الفوضى في غزة. وهو القبول بحكومة تابعة لحماس ستكون مبتورة، وبلا قدرات عسكرية وبتأثير سياسي محدود. وستركز على قضايا تقديم الخدمات المدنية، وستكون ملزمة بقبول وجود السلطة الفلسطينية، وستكون عرضة للأذى من إسرائيل في كل مرحلة إذا حاولت تطوير قدراتها العسكرية، ناهيك عن الإضرار بإسرائيل"، وفق تعبيره.