01-أبريل-2019

كشفت الأيام الاخيرة عن أعطابٍ واضحةٍ في شفافية الحكومة المنصرفة، وعُطبٍ آخر في قسمٍ من الجمهور يبدو ثوريًا على الحكومات، وفي واقع الأمر هو ابن لحظته، فإن هيمنت الحكومة، يتصور مع وزرائها لتغيير صورة البروفايل على السوشال ميديا، وإن وهنت أو أفل نجمها، يبدأ بتوجيه النقد الحاد لها.

الطابع الإعلامي طغى على غالبية أزمات الحكومة السابقة في آخر ساعاتها، من الإدارة الإعلامية السيئة لموضوع الضمان الاجتماعي، إلى شخصنة الأزمة مع الطبيب سليم الحاج يحيى رئيس مستشفى النجاح، إلى تسريب قرار سائق لكل وزير في الحكومة السابقة بعد تغييرها، الذي استدعى من الرئيس وبعد ساعات من التسريب الرد على وزير المالية بعدم قبول قرار "سائق الوزير السابق"، وإنما المعاملة حسب القوانين والأنظمة المعمول بها.

قبل أن نغضب على الحكومة المنصرفة في آخر ساعاتها، يجب أن نغضب على مؤسسات الدولة

هزات ثقة كثيرة ترتكبها الحكومات مع الجمهور، لكن هذه الهزات لم تكن يومًا من الأيام منصة لفعلٍ فلسطينيٍ منظمٍ ومحكمٍ لأخذ قرارٍ ضد الاشتباه في فسادٍ أو ضد التشكك في مصداقية رئيس حكومةٍ أو وزيرٍ أو غفير. كانت الأمور تترك لتغرق في مكبٍ كبيرٍ من "النميمة العامة" التي لا يحكمها لا صاحب المعالي القانون، ولا فخامة صالون المؤسسات الرسمية المنوط بها محاربة الفساد أو حماية الشفافية.

اقرأ/ي أيضًا: سقوط مدوٍ للتعليم القانوني في تعيين قضاة

وحدها منصات التواصل الاجتماعي التي تحاربها الدولة هي من يحاسب ويكشف ويجلد ويخطئ ويصيب و"يتهبل" في مواجهة هذه الهزات الحكومية الكبيرة، ورغم جرأتها وكيدية بعض ما يرد فيها، وأصالة "الثرثرة العامة المفيدة" فيها، يهاجمها الناطقون والاتصاليون التقليديون، علمًا أنها بفوضاها أجرأ وأكثر استقامة من منصاتٍ رسميةٍ وأهلية كثيرة.

لا أمدح السوشال ميديا هنا، بل إن أي مراقب سيعطيها حقها بأنها جهازٌ "فوضوي" هو الأجرأ في مواجهة الأزمات. وهذا يكشف ظهر صفٍ كبيرٍ من أنصار الحكومة في مواجهة هذا الإعلام الشعبي العارم، علمًا أن هؤلاء ومؤسساتهم ما زالت سرعاتهم في العمل مربوطة بسرعة الفاكس في تحسس الأزمات الشعبية أو تكييف الشكاوى العامة ضد مسؤولين، أو الرد بشفافية على تساؤلات الجمهور.

محزنٌ أن من يدفع ثمن غياب النزاهة في وقتها هم "ثلة من الصحفيين والنشطاء الجريئين"، فجهاد بركات، رغم أنه كان في مهمة تصوير خارجي، اتهم بالتواجد في مكان ممنوع، ونائلة خليل ورامي سمارة رغم النوايا الحسنة لشأنٍ عامٍ يحاكمان، وفايز السويطي ابن الصدق العام الفلسطيني، يحاكم على انفعالاته التي لا تقف خلفها لا دولٌ خارجية ولا أجندات.

لدينا هيئة مكافحة فساد موقرة ومنجزة، ولكنها تأتي متأخرة جدًا في مواجهة القضايا، لدينا ديوان رقابة مالية وإدارية، لكنه ينتظر عامًا كاملاً حتى يكتب تقريره، لدينا إعلام سلطة رابعة لكنه يتنفس فقط بعد تسريباتٍ تأتي في كثير من المرات لأغراض غير نبيلة، أو من مسربين يصعب توقع مقاصدهم الصحفية، ولدينا نيابة عامة ومحكمة عدل عليا لكنها تعيش أزماتها ومطلوبٌ منها التدخل أكثر في أزمات البلد، لدينا صوت مدوٍّ من العمل الأهلي منذ سنوات يطالب بإقرار حق الحصول على المعلومات، الذي إن نُفّذ بثقافة فلسطينية جديدة عن العمل العام، سيصيب يد كل مسؤولٍ برعشةٍ كاملةٍ قبل التوقيع على أي ورقة فيها مخالفة أو مغالطة أو استمتاع بمنصب أو احتفاظ به أو استثمار له أو به في أموال الدولة.

قبل أن نغضب من الفيسبوك، وقبل أن نغضب على الحكومة المنصرفة في آخر ساعاتها، يجب أن نغضب على مؤسسات الدولة. لماذا تعطلت ماكينة النزاهة عن مراقبة العمل العام والحكومة وهي على رأس عملها، وتستأسد الآن بعد أن رفع عنها القلم؟ ألا يستدعي ذلك أن نحترم أنفسنا بدفع آليات الشفافية العامة لتكون حاضرة في كل وقت؟ وفي كل مكتب حكومي؟ قبل أن نصحو على هذه النهايات غير اللطيفة.


اقرأ/ي أيضًا: 

القضاء والإعلام.. وصراع أباطرة الحكم

الرئيس يبدل أحصنته وسط المعركة.. ما السبب؟

اقتناص الوظائف العليا في دولة يحدها حزب واحد