تقرير: يوسف عيد - مريم شواهنة*
على وقع ضربات الجرافات الإسرائيلية واهتزاز الأرض تحت أقدامنا، وصلنا إلى حيث تقيم عائلات "العرب الخولي" في منطقة "العيون" بوادي قانا بين محافظتي سلفيت وقلقيلية، حيث الإرادة بالبقاء، والتمسك بالحجر والشجر، رغم إجراءات الاحتلال التهجيرية بحقهم، لتعزيز الاستيطان في المنطقة.
عائلة عساف الخولي" أبو خليل" وغيرها من العائلات القاطنة هناك، لم ترضخ لتنكيل الاحتلال بها، وما تزال متمسكة بمساكنها البدائية المبنية من الطين والحجارة، والمسقوفة بألواح "الزينكو"، والخالية من الماء والكهرباء، وحتى من الصرف الصحي.
عائلات تسكن بين 11 عين مياه في الضفة الغربية، تشتكي قلة الماء، بسبب إجراءات التهجير القسري التي يرتكبها الاحتلال بحقها
11 عينًا تقع بين سفحي جبلين، وخصرة يانعة على امتداد البصر تسرُّ الناظرين، في وادي قانا المصنف "منطقة ج"، ويتبع إداريًا وأمنيًا لسلطة الاحتلال. هنا حيثما وليت وجهك ترى طبيعةً خلابة تعانق وجه السماء، وأشجار أصلها طيّب وأكلها طيّب، تحكي قصة فلاح كان أحد جذورها الراسخة.
اقرأ/ي أيضًا: خيمة للزواج.. حُلمٌ مستحيل في سوسيا
بظهر منحنٍ استقبلتنا الحاجة أم خليل، وبتجاعيد تحكي عراقة التأصل في هذه البقعة؛ استقبلنا الحاج أبو خليل، من مواليد يافا عام 1932، هُجّر من بلاده وجاء ليسكن في منطقة "العرب الخولي"، لكنه لم يسلم وعائلته من بطش مؤسسات الاحتلال الرسمية، وعربدات المستوطنين أيضًا.
فسلطات الاحتلال وضعت هدفًا واضحًا للتعامل مع سكان هذه المنطقة، يتمثل بتهجيرهم قسرًا منها، لفتح المجال أمام مزيدٍ من التوسع الاستيطاني على حسابهم، في الأراضي التي تعد بئر مياهٍ جوفيةٍ للضفة الغربية.
وأمام إجراءات التهجير، ما زال أبو خليل متمسكًا بالوثائق التي تثبت حقه في الأرض التي يسكنها ويعمل بها، وهي إخراجات قيدٍ للأراضي يعود بعضها لعام 1948، وبعضها الآخر لعام 1967، ما ينفي مزاعم الاحتلال أن المنطقة "عشوائية" ولا تنظيم لملكيتها.
تعتاش عائلة "أبو خليل" من تربية الماشية، لكن سلطات الاحتلال أغلقت مؤخرًا كافة الطرق المحيطة بهم، وحرمتهم من رعي مواشيهم في أراضيهم التي صودرت لصالح المستوطنات، ما رفع سعر الأعلاف إلى الضعف، لتتشكل بذلك أكبر متاعبهم، وهي "الحرب على رزقهم".
تقول "أم خليل"، إن سلطات الاحتلال تحرم سكان المنطقة أيضًا من إقامة أي عمران، أو مشاريع تنموية، إذ تلتقط باستمرار صورًا للمنطقة لمراقبة أي إعمارٍ جديد.
وهدمت سلطات الاحتلال "بركسات" للماشية تملكها عائلة "أبو خليل"، وصلت تكلفة بنائها وتجهزيها بالمواشي إلى ستة آلاف دينار، لكن العائلة أعادت بناءها مجددًا، لتعاود جرافات الاحتلال بعد ثلاثة أيام فقط هدمها ودفن المكان بالتراب.
وتتحدث "أم خليل" عن تجريف الأراضي الزراعية، ومحاولات مستوطنين سرقة الماشية، وخلع أشجار الزيتون، إلا أن الزوجين لم يتوقفا عن الاهتمام بزيتونهم وأراضيهم، مشددين على تمسكهم بها حتى آخر نفس، وفي نهاية كل حديثٍ يقولان: "زيتونا بنقدرش ندشره بنقدرش".
تدخلت ابنتهما عبلة بعد أن أعدت لنا الشاي بالزعتر، وأخبرتنا عن استيقاظها باكرًا في كل يوم، لتحضر الماء من عيني الماء المتبقيتين في التجمع، وهما المصدر الوحيد للماء، مضيفة، أنهما لا يسدان حاجة المنطقة، فالسكان يضطرون لاستخدام مياه الأمطار التي تنزل عن سطح "الزينكو" في أعمال الغسل والتنظيف وغيرها، للتخفيف من حدة الأزمة.
هذه الأزمة كانت قريبة من الحل، لكن آمال السكان تبددت، بعد أن نقضت ما تسمى "الإدارة المدنية" التي تتولى إدارة سيطرة الاحتلال على المناطق المصنفة "ج"، اتفاقًا مع بلدية كفر ثلث، نص على تزويد البلدية منطقة "العرب الخولي" بالمياه، فبعد تمديد المواسير وتجهيزها لضخ المياه، تم نزعها وإلغاء الاتفاق.
الغاز ومشتقات الوقود أيضًا من المحرمات هنا، تقول "أم خليل"، وإعداد الطعام حتى يومنا هذا يتم من خلال النار، بالطرق التقليدية القديمة.
وتحيط بوادي قانا ست قرى فلسطينية، فمن الشرق قريتي ديراستيا واماتين، ومن الغرب كفر ثلث، ومن الشمال قريتي جينصافوط وعزون، ومن الجنوب قرية قراوة بني حسان، وتمتد على مساحة تزيد عن 10 آلاف دونم.
وبمحاذاة الوادي أقيمت ست مستوطنات هي: "عمانوئيل" من الجهة الشرقية، ويلقي مستوطنوهامياهها العادمة إلى الوادي لتلوث ما كان ينبوعًا عذبًا للواردين. فيما تطبق باقي المستوطنات الخمسة "ياكير" و"نوفيم" و"كرني شمرون" و"جنوت شمرون" و"معالي شمرون" قبضتها على المنطقة كسد يحيطها من كل جانب.
* طالبان في كلية الإعلام بجامعة النجاح الوطنية - نابلس
اقرأ/ي أيضًا:
يستطيع امتلاك مليوني شيكل ويفضل بيع الذرة