07-أكتوبر-2024
لوحة سهاد الخطيب

لوحة سهاد الخطيب

365 يومًا تحوّلت فيهم حياتي من النعيم إلى قمة البؤس. خرجتُ فيها من بيتي الرحب الآمن إلى زنزانة وضنَك الخيام! تناولت الخبز اليابس ووضعته في الهواء الطلق كيلا يتعفّن، ومسحت سطحه المُخضَرّ برشفة ماء، وتناولت قضماته المتحطّبة، بعدما كنت أتناول أشهى المخبوزات الساخنة الطازجة من أرفع مخابز غزة.

 365 يومًا تحوّلت فيهم الإجابة على سؤال "كيف حالك؟" من "بخير" إلى: "نجوت. لم أمُت. لم يبتلعني صاروخ ما. لم يحترق جسدي بشظايا قنبلة ما. لم أتبخر بحزام ناريّ

غسلت ملابسي على يدي بالمياه المالحة مئات المرّات وأنا أفترش الأرض حتى اخشوشن جلدي واسوّدّ وأصابته شتى الأمراض، بعدما كنت أمتلك غسالة "أوتوماتيك" من أفضل الماركات.

افترشتُ أرض العراء المتعرجة ونمت على الحصير وتوسدّت حقيبتي؛ خشية نزوحٍ مُفاجئ، حتى أصابتني عللٌ لم يعرفها جسدي من قبل، وأصبحت في الثلاثين أتنقّل بكيسٍ من الأدوية وأخشى فقده كأنه أغلى ما أملك، بعدما كنت أحتار في تجديد أغطية سريري الوثير صيف شتاء من أجمل الخامات وأرقى التصاميم.

نظّفتُ آنيتي المعدودة على أصابع اليد، بجردلٍ صغير واستخدمت الرمل بعد انقطاع مواد التنظيف، وأنا التي كان دولاب مطبخي يحتوي أفضل الأنواع بروائح ونكهات شهية، وكان البوفيه الزجاجي الشفاف لا يخلو شهرًا تلو الآخر من أطقم البورسلان إلى الكؤوس المذهبة، تجلس في زواياها الزينة البنفسجية والخضراء وأشكال من التوليب الجميل.

وقفتُ في طوابير الخبز، وأخي في طوابير المياه، نتقدم بقوة الدفع ازدحامًا وقهرًا، ونعود نفترش الرمال ونلتحف حرقة الشمس، ونلتهب بنار الحطب وتمتزج أنفاسنا بدمع دخان الشحار.

ألوّك الصبر بديلًا عن الخبز. من موتٍ إلى موت، ومن عجزٍ إلى صمت، أبتلع زفيري وأختنق بقهري، وأمارس الحياة اضطرارًا بقسوةٍ فائقة

تعطّلتُ عن العمل وانغمست في أعمالٍ لا تُشبهني كثيرًا، وبتُ أمارس الأعمال اليومية بأعتى أشكال الحرب المتاحة، بعدما كنت أصحو أذهب لعملي الصحفي الذي نتقدم فيه يومًا تلو الآخر، فجأة توقفت خططنا، إنجازاتنا، أحلامنا، خطواتنا، شهاداتنا، واحترقت أوسمة جوائزنا.

365 يومًا تحوّلت فيهم الإجابة على سؤال "كيف حالك؟" من "بخير" على روتينية الحياة اليومية، إلى: "نجوت، لم أمُت، لم يبتلعني صاروخ ما، ولم يحترق جسدي بشظايا قنبلة ما، ولم أتبخر بحزام ناري.

365 يومًا وأنا ألوّك الصبر بديلًا عن الخبز، ليس وجبة واحدة؛ بل 24 ساعة في اليوم، من موتٍ إلى موت، ومن عجزٍ إلى صمت، أبتلع زفيري وأختنق بقهري، وأمارس الحياة اضطرارًا بقسوةٍ فائقة.

365 يومًا وأنا نازحة بعيدًا عن بيتي، أقطن الخيام، أيُّ لغةٍ تصفُ هذا؟!

365 يومًا وأنا خائفة!

 

دلالات: