يستعرض الترا فلسطين في سلسلة المواد الحالية، تجربة الاعتقال في معسكر "سديه تيمان"، عبر شهادة أسير غزي، اعتقل من القطاع خلال العدوان المتواصل، وعاش فترة في معسكر الاعتقال "سديه تيمان"، الذي تحول إلى اسم بارز، نتيجة الفظائع المرتكبة فيه والموثّقة في عشرات الشهادات من قبل الأسرى.
يروي المدرب الرياضي تفاصيل 55 يومًا قاسية قضاها في سجن سديه تيمان الإسرائيلي؛ وضعية جلوس واحدة، سجانون يحضرون الكلاب لتتحرّش بالأسرى جنسيًا، وتتبوّل عليهم، صعق بالكهرباء وأصفاد طوال الوقت
وفي هذه المادة، نحاول عرض صوت الأسير حبّ الدين مقاط، عبر رواية التجربة الاعتقالية، وهي تجربة خاصة، تكشف عن تفاصيل محددة، دون تفاصيل أخرى عايشها الأسرى أيضًا طوال أشهر، من نقل أسرى غزة إلى "المحطة الأولى"، في رحلة عذاب طويلة.
حبّ الدين مقاط (38 عامًا) مدرّب في ناد رياضيّ، متزوّج ولدي 10 أبناء، اعتقلت في بداية شهر حزيران/يونيو الماضي عند بحر مدينة رفح، وبالتحديد من على الحدود مع مصر في محور صلاح الدين/فيلادلفي، كنتُ أعيش في حيّ الشيخ رضوان بمدينة غزة، ولكن استشهد ابني الكبير ساهر (15 عامًا) وأخي شريف ونجله محمّد، وكنت يومها معهم عندما تعرّضنا للقصف، وأنا الوحيد الّذي نجوت من بينهم.
بعدها بشهرين قصفوا منزلي واستشهدت ابنتي جمانة (عام ونصف)، وخرجنا من تحت الركام، ولكن بعدها مررت بظروف نفسيّة صعبة، لدرجة أنّ أهلي أصرّوا عليّ أن أنزح إلى الجنوب.
قرّرت النجاة بمن تبقّى من أسرتي، ونزحت للجنوب علمًا بأنّه كان من الصعب عليّ ترك المنزل الّذي توجد فيه رائحة ابنتي، والمنطقة الّتي استشهد فيها أفراد عائلتي.
نزحت في 25 نيسان/أبريل 2024، ومرّرت عبر حاجز نتساريم، ولم يكن هناك أيّ مشاكل مع الجيش الإسرائيليّ، أنا بدون انتماء تنظيميّ، أنا إنسان رياضيّ، وابني وسيم بطل فلسطين في الجمباز.
بعد الوصول إلى رفح أقمنا على الحدود مع مصر، وفي إحدى الليالي، شرعت زوارق الاحتلال بقصف الشاطئ حيث نوجد، حاولنا الاختباء بين السواتر الإسمنتيّة على الحدود، وفي الساعة 6 صباحًا دخل الجيش الإسرائيليّ إلى الشاطئ، وحينها كان بالإمكان الفرار إلى مصر، ولكن فضّلنا البقاء.
شاهدنا جنود الاحتلال ونكّلوا بنا، أخذوا هواتفنا بكلّ ما عليها من ذكريات، والأموال كلّها الّتي معنا، وأبلغوا زوجتي بأن تسير 4 كيلومترات تجاه الشمال.
اعتقلني الجيش الإسرائيليّ، واقتادني الجنود إلى منزل في رفح لمدّة ليلة، وفي اليوم الثاني نقلت إلى الداخل، بالتحديد إلى معسكر "سديه تيمان".
أما سدّيه تيمان، فهو عبارة عن 6 بركسات/براكيات، وهي في الحقيقة مزارع فراخ، لكنّها قريبة من معسكر للجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك، يدعى سدّيه تيمان.
هناك تنقّلت بين التحقيق مع الشاباك في الغرف القريبة في سديه تيمان، وبين البركسات حيث كان يحتجز الأسرى.
لم أتعرّض للضرب خلال التحقيق، فهم على علم بأنّه لا علاقة لي بالتنظيمات، وحاولوا أخذ معلومات منّي عن الأنفاق وقادة حماس وعن الأسرى الإسرائيليّين، ومن دخل الغلاف في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر.
المشكلة لم تكن في التحقيق، وإنّما في من ينقلون الأسرى من التحقيق إلى البركسات هناك، وأيضًا في وحدة القمع، حيث إنّه بمجرّد أن تخرج في البوسطة تتعرّض للضرب بالبساطير والهراوات والصعق بالكهرباء، وإهانة بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى.
كان يصل العدد إلى 100 أسير في البركس الواحد، وفقط نجلس على جلسة واحدة وهي مدّ الأرجل للأمام، وعلى عينك عصبة ومقيّد اليدين، وطوال فترة اعتقالي (55 يومًا) بقيت على الجلسة نفسها.
في أحد الأيّام دخلت علينا وحدة الكلاب، وطلبوا من الجميع النوم على البطن، ورموا علينا قنابل صوت.
الكلاب مدرّبة على أشياء "صعبة وعاطلة"، حيث يرتطم رأس الكلب وما عليه من حديد بجسدك، وينهش جسدك، وتتبوّل الكلاب وتتبرّز عليك، وبعض السجّانين يضع الكلب على الأسرى بوضعيّة ممارسة جنسيّة، ويتحرّش بالأسرى عبر الكلاب، وهذا أمر واقعيّ، وأنا شاهد عليه.
ممّا أتذكّره، صعقنا بالكهرباء، أنا لديّ من الأساس كهرباء في جسدي، وفي كلّ مرّة كنت أتعرّض للصعق كنت أتشنّج كلوح الخشب، حتّى أعطى أبرّ وحبوب دواء "ترامال" لمدّة 3 أيّام.
كان الأسرى في "سديه تيمان" يدخلون الحمّام وأيديهم مقيّدة للخلف، ولا يستطيعون تنظيف أنفسهم
ومن القصص أيضًا، بأنّك عندما تدخل الحمّام تكون مقيّد اليدين، وهذه معاناة كبيرة، فلا تعرف كيف تقوم بتنظيف جسمك، وأنت مقيّد فلا تستطيع الدوران بيديك للخلف، ولكن من الرحمة لنا بأنّ كمّيّة الأكل كانت قليلة، ولم نكن نستخدم الحمّام بشكل كبير، ولكن هناك أسرى كانوا يخرجون من الحمّام والفضلات على أجسادهم، بسبب صعوبة تنظيف أنفسهم بالماء.
أكثر قصّة مؤلمة، هي اعتقال رجل مسنّ متعلّم مثقّف ومعروف عمره (65 عامًا)، وكان الكلب قد نهشه وشوّه جسده من كثرة الإصابات عند لحظة الاعتقال، وجرى قصف منزله، ووصل مقيّدًا بالأصفاد البلاستيكيّة.
هذا الرجل بسبب ما تعرّض له، بدأ يتبرّز ويتبوّل على نفسه بشكل لا إراديّ، وكانوا يحضرون له الحفاظات، وكان يبكي مقهورًا على حاله.
وأيضًا في أوّل يوم لي في "سديه تيمان"، كان قد استشهد أحد الأسرى، والشباب كانت في حالة حزن شديد وأيضًا في حالة رهبة وخوف.
بعدما، أفرج عنّي من سدّيه تيمان، وعدت إلى عائلتي، ووجدت ابني بطل فلسطين في الجمباز، وقد نهش الجوع جسده، قرّرت كتابة كتاب عن هذه التجربة.