أظهر الجزء الثالث من سلسلة الأفلام الوثائقية "قائمة الاغتيالات" التي تبثّها القناة 13 الإسرائيلية، أن عملية اغتيال القيادي في حركة فتح، خليل الوزير "أبو جهاد" هي أضخم عملية اغتيال نفّذتها "إسرائيل"، وأكثرها كلفة.
700 جندي وضابط إسرائيلي شاركوا في اغتيال "أبو جهاد" وهي العملية التي اشترك في تنفيذها الموساد وأمان، وسلاح الجو والبحرية، وسييرت ميتكال والشاباك
وبحسب القناة العبرية فقد شارك في العملية جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية "الموساد" وجهاز "الشاباك"، ووحدة النخبة في الجيش "سييرت متكال" ووحدة البحرية الخاصة 13.
استعرض معدّ الفيلم في الدقائق الأولى سلسلة عمليات عسكرية زعم قادة جيش الاحتلال واستخباراته أنّ أبو جهاد أشرف عليها شخصيًا، من بينها عملية فندق "سافوي" في تل أبيب، والعملية التي قادتها دلال المغربي.
اقرأ/ي أيضًا: فيديو | يعلون: هكذا قتلنا "أبو جهاد"
ويكشف "ابرهام بن شوشان" قائد سلاح البحرية الإسرائيلي في حينه أنّ اغتيال خليل الوزير تقرر بعد أن أظهرت التحقيقات مع الأسرى الذي تم اعتقالهم بعد إغراق سفينة "اتابيروس" قبالة يافا التي كانت في طريقها لتنفيذ هجوم في تل بيب عام 1985، أنّ أبو جهاد أشرف على تدريب 20 فدائيًا. ويضيف بن شوشان : "بعد أن تمّ كشف التفاصيل حول من درّب المهاجمين ومن أعدّهم على مدار عامين، ومن قدّم لهم الإرشادات الأخيرة قبل التنفيذ، قلنا إنّ حُكم هذا الرجل هو الموت، والآن يجب العثور عليه.
ويعقّب على ذلك نائب رئيس أركان جيش الاحتلال آنذاك، "ايهود باراك" بالقول: "هذا الأمر وضعته في أعلى سُلّم أولويّات الاستهداف". ويقول اللواء "حاييم مندل" الذي كان رئيس مكتب نائب رئيس الأركان لحظة الاغتيال: "أبو جهاد استغلّ نجاح الانتفاضة وصبّ الزيت على النار وشرع بالحركة وضخ الأموال، ومنذ تلك اللحظة بدأنا تعقّبه بشكل جديّ، لأننا كنّا بحاجة لوقف هذه الموجة".
ثم يقول "يفتاح عتير" القائد في سلاح البحرية الإسرائيلي آنذاك، إنه وفي شهر كانون ثاني/ يناير 1988 أي قبل أربعة أشهر من تنفيذ الاغتيال، تم بحث عملية "استعراض الهدف"، حيث جاءني أحدهم من "الموساد" وقال لي إنّ هذا هو الهدف، واقترح أن يتم تنفيذ العملية بشكل مشترك.
ويقول ضابط في الموساد جرى إخفاء هويته: إنها عملية وتعاون بين "سييرت متكال" وجهاز "الموساد"، ومنذ تلك اللحظة بدأت العملية المشتركة.
ويشرح باراك للقناة العبرية لماذا تم اللجوء إلى عملية مشتركة، بالقول: "كانت مهمة ملقاة على عاتق جهاز الموساد، وجاؤوا إلينا في الجيش انطلاقًا من حقيقة أنّ حلقة الحراسة التي تحيط بأبي جهاد عندما يخرج من المنزل لا تسمح للموساد بتنفيذ علمية اغتياله بسهولة، لذلك توجهوا إلينا لمعرفة إذا ما كان بالإمكان فعل شيء ما.
اقرأ/ي أيضًا: "إسرائيل" تكشف أسرارًا عن اغتيال عدوان وناصر والنجار
ويتحدّث "مندل" عن أهمية جمع المعلومات الاستخبارية الضروية لتنفذ عملية الاغتيال، بالقول إنهم يبدأون إعداد ملف للشخص المستهدف، ويتم إجراء تشريح نفسي للشخص وجمع المعلومات على نحو يصل درجة الهوس الفعلي، من أجل محاول توقّع القرارات التي سيتخذها في حالات مختلفة، وعندما تجمع معلومات عن المنازل مثلًا، فيجب معرفة لمن تعود ملكيتها، ومن يسكن الحيّ من الدبلوماسيين مثلًا، وكذلك معرفة جيرانه من اليمين والشمال، ومعرفة البيوت المأهولة وغير المأهولة.
وعن انطلاق مرحلة جمع المعلومات يتحدث ضابط في الموساد، بالقول إن قيادة منظمة التحرير غادرت لبنان نحو تونس وهناك أقامت في منطقة سياحية جميلة محاذية لشاطىء البحر، وبالنسبة لنا فالوصول لمكان كهذا أكثر سهولة منه في بيروت، شعرنا بالأفضلية في ذلك الحيّ، كما أنّ عناصر منظمة التحرير كانوا أقلّ حذرًا في تونس، مقارنة بما كانوا عليه في لبنان، وهذا ما منحنا القدرة على تنفيذ أمور كان من الصعب تنفيذها هناك، بالفعل لقد حددنا مكان منزله، وكان من السّهل علينا نسبيًا، الاقتراب منهم ومراقبة أنشطتهم.
وتنتقل القناة العبرية في فيلمها بعد ذلك، لرواية شهادات منفذي العملية في الميدان، وتبدأ بالحديث مع قائد وحدة "سييرت متكال" أنذاك "موشيه يعلون"، القائد الميداني للعملية، حيث يقول: "الفلسفة التي درستها أنه ليس ثمة مهمة من غير الممكن تنفيذها، قمت بتشكل قوة، وبدأنا في إجراء التدريبات".
ثم يتحدث "ايلان اوستلبلد" أحد جنود "سييرت متكال" المشاركين في العملية، قائلًا: "كنت شابًا يافعًا وعمري أقل من 25 عامًا، والمهمة الأولى التي ألقيت على عاتقي هي تنفيذ هذه العملية".
ويشير "مندل" إلى أنّ حوالي 700 جندي وضابط شاركوا في عملية الاغتيال، مبيّنًا أنّ العملية كانت معقدة للغاية، وتقوم على التنسيق بين كل الجهات من سلاح الجو وسلاح البحرية وأمان، ووحدة 8200 ووحدة البحرية 13، والموساد".
ويصف "يؤاف غالانت" الذي كان قائد وحدة البحرية 13 ويشغل الآن منصب وزير الإسكان، العملية بالقول: "لقد كانت عملية كوماندوز مكوّنة من مراحل، مع جهد استخباري عميق من الموساد".
وبدأت مرحلة تدريب أفراد العملية على التنفيذ في منشآت التدريب الخاصة بوحدة "سييرت متكال" في البداية، وعن ذلك يقود أحد عناصر الوحدة: "تدرّبنا في منازل تعود لضباط في الوحدة". ويوضح يعلون الأسباب التي دفعت القوة إلى التمرّن في منزل شقيقه، لأنها تشبه سكن خليل الوزير من ناحية المحيط والبيئة والقرب من البحر، وجرى التمرّن بعد أن غادر أخي وأسرته المنزل دون أي يعرفوا أي شيء.
وقبل سبعة اسابيع من تنفيذ العملية في شهر فبراير من عام 1988م، تم اطلاع وحدة التنفيذ على نموذج تم رسمه يوضح تفاصيل ومعالم منزل ابو جهاد ويقول عن ذلك الجندي الذي شارك في اقتحام المنزل :"جاءو بمجسم المنزل وضغوه على الطاولة فجأة اصبحت وكأني ابن ذلك المنزل فرأيت كل شيء وعرفت كل التفاصيل عن المنزل".
اقرأ/ي أيضًا: عائد إلى "ديمونا": أبو جهاد في ذكرى استشهاده الثلاثين
وتبرز القناة عامل الحفاظ على أمن العملية بالحرص على التكتّم حتى على الأفراد الذي سيشاركون فيها، وعن ذلك يقول "يوآف غالانت" أنه الوحيد داخل سلاح البحرية الذي كان يعرف بمخطط العملية، ويشير إلى أنّ قائد الوحدة بالبحرية لم يكن يعرف هوية الشخص المستهدف.
ويشير يعلون إلى الهدف، هو تنفيذ عملية ومغادرة البلاد دون ترك أيّ أثر يشير إلى أن "إسرائيل" هي المسؤولة عمّا حدث، كان يجب أن نعرف كيف سنصل، وننفذ، وننسحب سرًا، دون ترك أيّ بصمات. كان يتوجّب علينا معرفة في أي غرفة يتواجد أبو جهاد، ومَن مِن أبناء الأسرة في المنزل، وعرفنا مقدار ارتفاع الجدار المحيط، فلربما نضطر للقفز عنه.
ويتابع الفيلم الإسرائيلي أنه في شهر آذار/ مارس 1988، أي قبل تنفيذ عملية الاغتيال، نفذت مجموعة تابعة لحركة فتح هجومًا في ديمونا بالنقب، ما أسفر عن مقتل ثلاثة إسرائيليين، ويقول باراك نائب رئيس الأركان وقتها، أنه في أعقاب ذلك الهجوم، تم طرح العملية لكي يصادق عليها المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والعسكرية "الكابنيت". وقد قدّم باراك شرحًا لكيفية الحصول على مصادقة على العملية، ويشير إلى أن "الكابينيت" لم يبحث هل بالإمكان تنفيذ العملية أو لا، وإنما تساءل عن فوائد المخاطرة بتنفيذ عملية كهذه.
وتطرّق الفيلم إلى عقبة المسافة الطويلة التي يتوجّب على "إسرائيل" قطعها للوصول إلى "أبو جهاد" وهي تتجاوز 2500 كيلومتر، فيقول غالانت: "المسافة كانت تحد كبير"، والزمن الذي استغرقته القوات الإسرائيلية للوصول إلى الشاطىء هو أربعة أيام. ويقول مندل: "عندما أبحرنا لم يكن لدينا معلومات تشير إلى أنّ خليل الوزير ينوي مغادرة تونس".
"وصلنا لمنطقة في البحر تبعد ساعتين بالزوارق، وفي تلك اللحظة لم يكن يعرف الجنود من هو الشخص المستهدف، وبلغ عددهم 40، نصفهم من البحرية ونصفهم من سييرت ميتكال"، يقول غالانت ذلك، عندما كانت الساعة تشير إلى ساعتين قبل تنفيذ العملية يوم 16 نيسان/ ابريل.
أمّا عن الكيفية التي أرادت "إسرائيل" من خلالها التأكد من أنّ "أبو جهاد" ما يزال في منزله، يقول رئيس جهاز الشاباك "يعقوب بيري" أنّهم قاموا باعتقال أحد أقارب أبو جهاد من غزة، اعتقادًا بأنّ شخصًا ما سيتصل على منزل خليل الوزير في تونس، ليخبره باعتقال قريبه، وهذا ما حدث بالفعل.
وفي إجراءّ ثان يهدف للتأكد من وجود أبو جهاد في منزله، أجرى "الشاباك" اتصالًا ثانيًا من تل أبيب -عبر محطة وسيطة في أوروبا- على منزل أبو جهاد، فردّت زوجته على الهاتف، وقالت بعد قليل سيردّ عليكم أبو جهاد.
قبل نصف ساعة من تنفيذ الاغتيال، وصلت "إسرائيل" معلومة استخبارية مفادها أن أبو جهاد سيغادر تونس
ويواصل يعلون حديثه بالقول إنه وبمجرّد وصول القوة إلى الشاطئ، وصلت معلومة استخبارية تفيذ بأن أبو جهاد سيغادر تونس -عبر المطار- خلال نصف ساعة، فاتصل القيادة من البحر تقول: "سارع يا يعلون بعد نصف ساعة سيغادر".
"بنحاس بوكريس" نائب قائد وحدة "سييرت متكال" الذي شارك في الاقتحام، يقول لمعدّ الفيلم: "تملّكتني الدهشة من المعلومات والأوصاف الدقيقة للمنزل والحي التي قدّمها لنا جهاز الموساد". وعن تلك المعلومات يقول ضابط في الموساد: "عدد ليس بقليل من مصادرنا تجوّلوا في الحيّ، وجلبوا لنا معلومات دقيقة ومركزيّة".
وبعد وصول القوّة الإسرائيلية قرب منزل أبو جهاد لاحظ أفرادها وجود حارس داخل سيارة متوقفة أمام المنزل، وجرى تكليف اثنين من جنود "سييرت متكال" بالقضاء عليه، فتقمّصا دور السيّاح، واقتربا من السائق وسألاه عن مكان على خريطة ورقيّة، وعندما بدأ الحديث جرى إطلاق النار عليه من سلاح كاتم للصوت.
في تلك اللحظة كان يعلون يراقب المشهد عن بعد، معلنًا انطلاق العملية، وخلال خمس دقائق تم اقتحام المنزل والدخول من بابه الرئيس بعد تفجيره بمتفجرات خفيفة أعدّت له خصيصًا.
أحد عناصر وحدة الاقتحام يقول: "صعدنا من الداخل، وطاقمنا أطلق النار على الحراس، ويعلون دخل مع الخلية الأولى، وكان البيب مظلمًا. اقتربنا من غرفة "أبو جهاد" في الطابق العلوي، وقبل فتح الباب سمعنا صوته وهو يسحب أقسام المسدس، فأطلقنا النار عليه.
ويقول نائب قائد "سييرت متكال" إنه وخلال عملية الانسحاب لاحظ أن سكان الحي اكتشفوا أنّ أمرًا يحدث وكانوا يطلون من النوافذ، وبعد ربع ساعة وصل النبأ إلى الشرطة التونسية، ولكن جهاز "الموساد" كان قد أعدّ خطة تمويه حيث تم الاتصال بالشرطة وإبلاغها بوقوع عمليات قتل في عدة أماكن، الأمر الذي أتاح للقوة الإسرائيلية الانسحاب من المكان في نحو رُبع ساعة بعد لحظة الاغتيال.
اقرأ/ي أيضًا:
طاقية حاييم التي نسيها في اليمن
الاستيطان يزحف لمطار قلنديا مهددًا الوجود الفلسطيني في القدس