13-سبتمبر-2017

رئيس الوزراء البورمي آو نو في معسكر لجيش الاحتلال خلال أول زيارة لإسرائيل

منذ أكثر من نصف قرن، ما تزال إسرائيل تدعم بورما عسكريًا وتسلّحها، بشكل سري لا يتم الكشف عنه، وذلك في إطار علاقات وطيدة بدأت بعد خمس سنوات فقط من النكبة، واحتلال أجزاء من فلسطين وإقامة "دولة إسرائيل" عليها، إذ كانت بورما من أوائل الدول الآسيوية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وافتتحت لها سفارة هي الأكبر حجمًا وطاقمًا بين سفاراتها في العالم.

ويمر جزء كبير من العلاقات بين الطرفين عبر القنوات الاستخبارية والعسكرية، وتتراوح تلك العلاقات من تأهيل إسرائيل للموظفين البورميين في إسرائيل، وحتى تدريب الجيش والاستخبارات، وبيع السلاح من القنابل اليدوية حتى القذائف والطائرات.

كانت بورما من أوائل الدول الآسيوية التي اعترفت بإسرائيل، في حين كانت دول العالم تتداعى لمحاصرتها، وقد أقامت بورما في "تل أبيب" واحدة من أكبر سفاراتها في العالم

وكان عام 1952 مقدمة لفتح العلاقات بين الجانبين، عندما وصل إلى إسرائيل وفد من الحزب الاشتراكي البورمي، قبل أن يتم رسميًا افتتاح سفارة لإسرائيل في بورما عام 1953، وقد كان ذلك حدثًا على قدر كبير من الأهمية، إذ لم تكن أغلب دول آسيا قد اعترفت بعد بإسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: دماء الهنود الحمر من أجل غسل ذنوب إسرائيل

وكان بن غوريون رئيس وزراء الاحتلال، حينها، ومشي شاريت وزير الخارجية، يبحثان عن "بوابة إلى آسيا"، رغبة في تجاوز المقاطعة التي بادرت لفرضها الدول العربية، وتبنتها دول عدم الانحياز في قمة باندوغ، وقد وجد بن غوريون في بورما ضالته، إذ كانت هذه الأخيرة تعاني من علاقات سيئة مع محيطها – الهند والصين-، فادعت إسرائيل أن كلا الطرفين يملكان سمات مشتركة "الاستقلال عن بريطانيا في نفس الفترة تقريبًا، ودولتانا فتيّتان تحت قيادة أحزاب اشتراكية وزعماء كاريزماتين".

بوتيرة سريعة تعاظمت العلاقات الأمنية والعسكرية بين إسرائيل وبورما، مطلع عام 1954، فوصل إلى إسرائيل وفد مشتريات بورمي في زيارة أبرم خلالها صفقات سلاح بين الطرفين، بموجبها سلمت إسرائيل في شهر آذار/مارس من العام ذاته، 30 طائرة حربية "سوبر مارين" بريطانية الصنع، التي استخدمتها دول التحالف خلال الحرب العالمية الثانية حتى خمسينات القرن الماضي، إضافة لتدريب ستة طيارين على تلك الطائرات.

وفي العام ذاته، غادر إسرائيل وفد تقني من سلاح الجو لتدريب الجانب البورمي، وتضمنت تلك الصفقة بيع بورما مدافع ورشاشات وذخائر. وفي صفقة أخرى باعت إسرائيل 30 ألف بندقية للجيش البورمي، وأنشأت مدرسة للمظليين.

وفي شهر أيار/مايو من عام 1955، كان رئيس الحكومة البورمي آو نو، أول رئيس حكومة يزور "تل أبيب" علنًا، وقد أجرت إسرائيل له استقبالاً حافلاً، وجاء ذلك على خلفية قرار مؤتمر دول عدم الانحياز في باندوغ بمقاطعة إسرائيل. وكان في الاستقبال رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك موشي شاريت، ورئيس أركانه موشي ديان، والرئيس الإسرائيلي يستحاك بن تسفي، بالإضافة إلى الآلاف من الإسرائيليين الذي رحبوا كثيرًا بأول رئيس وزراء يزورهم.

وعندما أصبح موشي ديان رئيسًا لحكومة الاحتلال، رد على الزيارة البورمية، فاتحًا الطريق أمام زيارة رئيس أركان الجيش يستحاك رابين عام 1966، ثم زيارة أبا أبيان وزير الخارجية عام 1966، ليعود ديان ويجري زيارة ثانية عام 1979.

تطورت العلاقات بين الجانبين أكثر في عام 1988، بعد انقلاب عسكري استمر حكمه العلني حتى عام 2010، فيما ظلت آثاره حتى الآن. فبعد الانقلاب فرضت أوروبا والولايات المتحدة حظر تصدير السلاح على بورما، فيما كان العسكر الحاكم هناك يبحثون عن سلاح عصري، فتوجهوا إلى إسرائيل.

عقدت إسرائيل مع بورما صفقات تسليح كبيرة، في حين كان العالم يحظر بيع الأسلحة لها، بسبب انقلاب وقع فيها واستمر حكمه العلني حتى 2010، وآثاره حتى الآن

وبالفعل، في شهر آب/أغسطس من عام 1989، كسرت إسرائيل الحظر الدولي، وأرسلت سفينتان إلى بورما محملتان بسلاح مصنوع في دول أوروبا الشرقية، كانت إسرائيل قد استولت عليه من  الفلسطينيين بعد اجتياح جيشها للبنان عام 1982، وقد تنوعت تلك الاسلحة بين البنادق الآلية، والصواريخ المضادة للدروع من طراز 55مم، وقاذفات قنابل من طراز 40 مم.

ومن المعلوم أن الرقابة العسكرية الاسرائيلية، ترفض نشر أي معلومة حول الصادرات العسكرية؛ قبل أن تمر من خلال مقص الرقيب، خاصة في الحالات التي تتعلق بتصدير السلاح إلى دول تمارس تطهيرًا عرقيًا بحق أقليات مضطهدة، كما تفعل بورما بحق مسلمي "الروهنغا"، ومع ذلك فإن وسائل الإعلام العبرية تنشر باستمرار معلومات عن العلاقات بين الطرفين، مع الإشارة إلى أن تلك المعلومات لا تصوّر حقيقة الموقف.

ففي عام 1991، وصل وفد أمني إسرائيلي إلى بورما؛ وباع 500 رشاش من طراز "عوزي"، وقد بدأ الجيش البورمي بإنتاج بندقية آلية تشبه بندقية "غاليلي" إسرائيلية الصنع. وفي عام 1997، فازت شركة "البيت" الإسرائيلية بعطاء تطوير 36 طائرة حربية، ثم زودت الجيش البورمي بمنظومات توجيهٍ وأجهزة رؤية ليلية، وبعد ذلك بعام اشترت بورما من إسرائيل 16 مدفعًا من طراز 155 مم عبر طرف ثالث.

وإسرائيل ضالعة، بحسب وسائل إعلام عبرية، في بناء ثلاث سفن عسكرية بورمية زودتها بعتاد تقني ومدافع 76 مم، وفي عام 2014 زار البلاد نائب وزير الخارجية الإسرائيلي تساحي هنغبي. وفي العام الذي تلاه أجرى رئيس أركان الجيش البورمي زيارة رسمية إلى "تل أبيب"، ليعلن عن شراء سفينة عسكرية من إنتاج الصناعات العسكرية الإسرائيلية.


اقرأ/ي أيضًا: 

إيلان بابيه يفضح فكرة إسرائيل

امبراطورية تجارة الأعضاء.. إسرائيل وراء كل هذا

علماء آثار يتساءلون عن حقيقة علمانية إسرائيل