09-يناير-2024
Andrew Lichtenstein/ Getty Images

Andrew Lichtenstein/ Getty Images

هنالك نوعان من أوامر وضع اليدّ لأغراض عسكرية وأمنية، المعروفة كإجراء احتلالي لمصادرة الأراضي الفلسطينية، أولها: الأوامر العادية طويلة الأجل والتي تصل مدتها من ثلاث إلى خمس سنوات، والأوامر المستعجلة قصيرة الأمد والتي لا تتجاوز مدة سريانها 60 يومًا، وكلاهما يعتبران أوامر لمصادرة الأرض بحجة وجود دواع أمنية وعسكرية تقتضي هذه المصادرة.

منذ 7 أكتوبر، أصبح من الملحوظ كثافة إصدار أوامر عسكرية مستعجلة بهدف وضع اليد على أراض في الضفة الغربية لأغراض عسكرية وأمنية 

وينص القانون الدولي في مقابل ذلك كله، أنّه وعلى القوة القائمة بالاحتلال، وعند انتهاء المقتضى الأمني والعسكري، أن تعيد الأرض إلى أصحابها، كما كانت عند وضع اليد عليها، وتقديم التعويضات نتيجة إشغالها بالسيطرة من قبل الجيش.

في السنوات الماضية، لم تذهب سلطات الاحتلال لإصدار الأوامر العاجلة، بل كانت تكتفي في معظم الأوقات بإصدار الأوامر طويلة الأجل، لكن ومنذ السابع من أكتوبر 2023، أي بعيد الحرب الإسرائيلية التي تشنّها على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي ظل الحالة الأمنية المتصاعدة بشكل لافت، أصبح من الملحوظ كثافة إصدار هذا النوع من الأوامر التي تستهدف أراضي الضفة الغربية، والتي وصل عددها وحتى نهاية 2023 أكثر من 25 أمرًا عسكريًا تقضي بمصادرة مئات الدونمات من أراضي المواطنين وفق هذه الأغراض والغايات.

تمتاز هذه الأوامر في كونها سارية المفعول بعد وقت قصير من إصدارها، أي في مدة لا تتجاوز الأسبوعين، الأمر الذي يحرم المواطنين من القدرة على الاعتراض عليها في محاكم الاحتلال، ما يدلل على أن سلطات الاحتلال تتعمّد إصدار هذا النوع من الأوامر لمحاصرة وإلغاء حق الفلسطيني في القدرة على التقاضي والاعتراض على مصادرة أرضه.

وبالإضافة إلى سريانها السريع، فإن القرار العسكري الإسرائيلي دائمًا ما يشتمل على مدة سريان تُحدد دائمًا بـ 60 يومًا، لكن، وعند مراجعة كافة الأوامر ذات الدواعي العسكرية والأمنية، التي تصدر وتستهدف قطعة أرض هنا أو هناك، فإن الملاحظ أن الغالبية العظمى منها يتم تجديدها بإعلان آخر يعطيها فترة زمنية أخرى يمدد من خلالها سريان الأمر الأول، ما ينفي عنها صفة "المؤقتية" التي اشترطتها القوانين الدولية التي تحكم وتنظّم عمل القوة القائمة بالاحتلال في الأرض المحتلة، إذ تتحايل دولة الاحتلال على واجب أن يكون القرار مؤقتًا بمواصلة تمديده إلى ما لا نهاية.

وبعيد السابع من أكتوبر مباشرة، كثّفت سلطات الاحتلال من إصدار هذا النوع من الأوامر بشكل كبير وغير مسبوق، وعلى سبيل المثال، استهدفت هذه الأوامر بلدة عزون شرق قلقيلية، وفي الأسبوع الأول من الحرب بثلاثة أوامر، الأمر الأول حمل الرقم (م د/14/23) وقضى بمصادرة ما مجموعه 21.75 دونمًا من أراضي قرية عزون لأغراض عسكرية ولإقامة أسيجة تمنع المواطنين من الوصول للأراضي المطلة على شارع نابلس والمحاذية لبلدة عزون، وحدد الأمر صلاحيته بـ60 يومًا قابلة للتجديد.

الأمر العسكري الإسرائيلي الأول الصادر مؤخرًا، لمصادرة 21.75 دونمًا من أراضي عزون
الأمر العسكري الإسرائيلي الأول الصادر مؤخرًا، لمصادرة 21.75 دونمًا من أراضي عزون

وفي ذات اليوم، أرفقت سلطات الاحتلال أمرًا عسكريًا آخر حمل الرقم (م د/15/23) يقضى بمصادرة ما مجموعه 15.85 دونما من أراضي نفس البلدة، عزون، لأغراض عسكرية وأمنية، ستخصص لبناء طرق عسكرية تمنع الفلسطينيين من الوصول للأراضي المطلة على شارع نابلس والمحاذية لبلدة عزون، وحدد الأمر صلاحيته بـ60 يومًا أيضًا، قابلة للتجديد.

أمرٌ عسكري ثان بمصادرة 15.85 دونمًا من أراضي عزون
أمرٌ عسكري ثان بمصادرة 15.85 دونمًا من أراضي عزون

وعند تحليل الأمرين العسكريين اللذان استهدفا أراضي عزون في الأيام الأولى من الحرب، ستتم ملاحظة الأثر الكبير الذي ستتركه هذه الأوامر على قدرة المواطن على الوصول إلى أراضيه، وبحسبة أن الأمرين العسكريين يصادران 37 دونمًا محددان في تفاصيل الخرائط المرفقة، فإن الأمرين يمنعان المواطنين من الوصول إلى أكثر من 500 دونم في المناطق المحيطة من الأراضي المستهدفة، نظرًا لأن الهدف من هذه الأوامر هو وضع حالة أمنية تحدّ من قدرة المواطنين على الوصول عبر الأراضي إلى الشارع الذي يصل بين محافظتي نابلس وقلقيلية والذي يمر عبر بلدة عزون.

ولم تتوقف الأمور عند هذا الحدّ، فقد أصدرت سلطات الاحتلال وبعد أقل من أسبوع أمرًا ثالثًا بوضع اليد لأغراض عسكرية وأمنية، يستهدف ذات المنطقة، وقد حمل الرقم (م د/13/23) ويقضى بمصادرة ما مجموعه 0.250 دونمًا من أراضي المواطنين في عزون أيضًا لأغراض إقامة نقطة عسكرية، وحدد الأمر صلاحيته بـ60 يومًا قابلة للتجديد.

أمر عسكريّ إسرائيلي ثالث يقضي بمصادرة 0.250 دونمًا من أراضي عزون
لغاية بناء برج مراقبة.. أمر عسكريّ إسرائيلي ثالث يقضي بمصادرة 0.250 دونمًا من أراضي عزون

ولعل أول ما يتبادر إلى ذهن المتابع، هو في كيف يمكن لأمر محدد سريان مفعوله ب 60 يوماً فقط، أن يهدف إلى بناء برج عسكري لهذه الفترة المحدودة وقصيرة الأجل، إذ لم يكن في ذهن سلطات الاحتلال من الأساس مواصلة تمديده إلى ما لا نهاية؟!

ومن خلال نظرة بسيطة إلى طبيعة هذه الأوامر تحديدًا، يمكن فهم كيف تجيّر دولة الاحتلال كل القوانين والإجراءات من أجل السيطرة على الأراضي مرة بالدواعي العسكرية والأمنية، ومرة بحُجّة الاستملاك لمصلحة الجمهور، وهي مسميّات تسيطر على الأرض لغاية معيّنة في ظاهرها، لكنّها في جوهرها إجراءات ترسّخ الاحتلال وتشكل وجهًا جديدًا للتوسّع الاستيطاني الاستعماري الذي تتوقف وظيفته الوحيدة عند إفراغ الأرض من سكانها الأصليين لصالح إحلال المستعمرين، وهذا يكمن أحد وجوهها.