يمضى نحو ستة آلاف أسير فلسطيني عيد الأضحى بعيدا عن أهاليهم، ويمر على بعضهم عقود من الزمن، فتصبح عائلاتهم بحجم أقسام السجون، وتنصهر عاداتهم لتصبح واحدة، وعيد الأضحى ليس استثناء.
تبدأ التحضيرات لعيد الأضحى في الأسر يوم عرفة، فيجهز الأسرى ملابسهم الجديدة، ويقفون في انتظار "حلاق القسم" الذي يملك ماكنة حلاقة واحدة يجب أن تكفي لأكثر من 90 أسيرا. وإن كنت محظوظا فستملك ماكنة حلاقة صغيرة بعد موافقة إدارة السجون.
لا يحرم الأسرى الفلسطينيين أنفسهم من فرحة العيد فيعدون الحلوى بما توفر ويقيمون طقوسا خاصة
يروي الأسير المحرر رامي البرغوثي، الذي أمضى 12 عاما في الأسر، أنه كان يتحضر للعيد ويتشوق لحلاقة شعره، وبعد بدء الحلاقة وقع مشط الماكنة، يقول: "في ثانيتين كانت هناك صلعة في وسط رأسي، اضطررت بعدها أن أحلقه كله، اعتبرته اللوك الجديد، ففي النهاية من أين لنا أن نحصل على ماكنة جيدة؟".
بالتأكيد؛ فإن العيد في الأسر أيضا لا يمر دون حلوى، إذ ينشغل الأسرى بعد عصر يوم عرفة أو اليوم الذي يسبقه بتحضير أنواع مختلفة منها. وسواء كنت تحضر كعك العيد أم الهريسة فإن الخبز ومشروب الصودا المكونيّن السرييّن في الأسر.
اقرأ/ي أيضا: جاهة وكنافة في سجن نفحة!
يبدأ أمهر الخبازين من الأسرى بتجفيف الخبز وطحنه، ويضيفون له السميد، وإن تمكنوا من الحصول على التمر أو العجوة فسيكون معمولا، وإن لم يتوفر لهم ذلك فسيكتفون بالشوكولاتة كحشوة.
أما أثناء إعداد الهريسة فــ"السبرايت" أو "السفن أب" يتكفلان بعمل الكربونة (بيكروبنات الصوديوم)، وذلك لصعوبة الحصول عليها، ولمن لا يعرفون ما عملها، فهي الأساس لنفخ العجينة.
ولا يمكن لأي عيد أن يمر دون القطايف، وهي التي تُعد، نظرا لعدم وجود الطحين، بخلط الخبز المطحون والسميد مع البيض، ولكن بعد أن منعت إدارة السجون اقتناء البيض النيء اضطر الأسرى لاستخدام مخلوط الشعيرية المطحونة مع الحليب.
يقول الأسير رمزي الخطيب، الذي عرف بمهارته الفذة في صنع الحلويات، إن الخبز يستخدم كبديل عن الطحين لعدم توفره، إضافة لاحتوائه على الخميرة التي لا يمكن الحصول عليها أيضا.
ويضيف الخطيب، "الحلوى المفضلة لدى الأسرى هي البوظة، فنحن نجفف الشمينت (لبن) بالمحارم جيدا حتى نستخرج منه كل السائل ونخلطه مع مبيض النسكافيه، والمربى كأساس النكهة، ونحفظه بالفريزر، كل كأس كانت تكلف 6 شيكل (نحو دولارين)، إلا أنه المفضل أثناء العيد!".
لا تختلف طقوس العيد داخل جدران السجون عن خارجها، فبعد صلاة الفجر يجهز الأسرى أنفسهم، ويرتدون ملابسهم الجديدة، ويتعطرون، ثم يتجمعون في الساحة قبل صلاة العيد بنصف ساعة، ويبدأون تكبيرات العيد، ثم الصلاة والاستماع للخطبة.
يقول رامي البرغوثي: "بعد الصلاة نتحلق بالساحة على شكل دائرة، ونتصافح مهنئين بعضنا بعضا بالعيد"، ثم يتم تقديم القهوة مع الحلوى المصنوعة مسبقا.
اقرأ/ي أيضا: لما نجوت في الحجّ الأكبر
وإن استطاع الأسرى الحصول على موافقة من إدارة السجون، (لأنه من غير المسموح تشكيل تجمعات لغير أهداف دينية)، فإنهم يتحلقون في الساحة، وتبدأ عروض المسرحيات والأناشيد، والمسابقات الترفيهية، وأحيانا يكتفون بنشاطات رياضية خلال فترة العصر، سواء بلعب كرة الطائرة أو التنس أو السلة، وبعض النشاطات في غرف الأسر تستمر حتى ساعات المساء.
يتبع ذلك تبادل الزيارات، إذ تزور كل غرفة الأخرى وتعايدها، في (العادة تضم كل غرفة من 8-10 أسرى)، ويخصّون بذلك الأسرى القدامى، أو المرضى. يضيف البرغوثي، "أحيانا كنا نزورهم بأيدٍ فارغة، وأحيانا كنا نحمل معنا بعض الحلويات كهدية".
ويحاول الأسرى أن يحصلوا على ضيافة الخضار (حصة من الخضار لكل أسير)، التي تأتي كل شهر أو شهرين، فيخططون سلفا أن يتزامن موعدها مع العيد، ولا يختلف ذلك بالنسبة إلى اللَّحمة.
لا يتاح لعائلات الأسرى إجراء زيارات خاصة لأبنائهم في الأعياد
يوضح البرغوثي، "نحصل على اللحمة، ويتم تفريزها من ثم طهيها بالمطبخ المركزي، وأمهرنا بالطبخ يقوم بتحضيرها مرة أخرى مع المنسف والمقلوبة، فعيد الأضحى ليس عيدا دون أي من هاتين الطبختين!".
ويضيف، "المطبخ المركزي يقدم الطعام في ساعات الصباح، وبهذا نجد أنفسنا ملزمين بتعديل الطعام ليكون مناسبا أكثر مع فترة الظهر، وجدول العيد".
ولا يخصص الصليب الأحمر موعدا للزيارة أثناء العيد، بل يكتفي بجدول الزيارات المعتاد، إلا أنه أحيانا تتزامن بعض الزيارات مع فترة العيد. فيما تمنح إدارة سجون الاحتلال الأسرى وعائلاتهم 10 دقائق إلى ربع ساعة إضافية في أول زيارة بعد العيد.
وعلى الرغم من محاولات الأسرى خلق جوٍ من الاحتفالية، إلا أن الحرمان من الأهل ينغص هذه الفرحة. يقول الأسير المحرر منير أبو شرار: "السجن هو حرمانك ممن تُحب، وفي الأسر يتعاظم شعور اشتياقك للتفاصيل الصغيرة في العيد، سواء كنا نحب هذه التفاصيل أثناء حريتنا أم لا".
اقرأ/ي أيضا: