28-أكتوبر-2017

"الأكراد يعتبرون فلسطين قبلة إسلامية تاريخية يرغبون العيش فيها والانخراط مع العرب. والحضارات قديمًا تسير على قاعدة من يحكم غزة والقدس، يحكم فلسطين". هكذا تحدث عيسى حتحت (77 عامًا) كبير عائلة حتحت ذات الأصول الكردية، عند لقائنا به في حارة الأكراد، في الشجاعية بمدينة غزة.

وعائلة حتحت من أصول كردية في شمال شرق سوريا التاريخية، أتى معظم أفرادها من بلاد الشام بشكل فردي إلى فلسطين ومدينة غزة القديمة، خلال الحكم العثماني. ولا تزال العائلات الفلسطينية من أصل كردي تستذكر أصولها التاريخية التي أغفلها المنهاج الفلسطيني، إذ تؤكد أن بداية وصولها إلى البلاد كان قبل 850 عامًا، برفقة صلاح الدين الأيوبي، في حربه من أجل تحرير القدس.

جاء الأكراد إلى فلسطين مجاهدين مع صلاح الدين الأيوبي، ثم تجارًا وموظفين إبان العهد العثماني، واندمجوا بين أهلها

وتعيش العائلات الكردية في حارة الأكراد، المعروفة اليوم بحارة بغداد في حي الشجاعية. وهناك يوجد "قصر حتحت" القديم، الذي بناه إبراهيم جلبي حتحت في القرن الثاني عشر حسب التاريخ الهجري، وتوارثته العائلة، وقد أعادت ترميمه جمعية محلية للحفاظ على موروثه التاريخي. وإلى جانب القصر يقع مسجد الست رقية، وجامع ابن عثمان الأثريان، وهما من أقدم المساجد في فلسطين.

اقرأ/ي أيضًا: غزة وبديهيات الحب في حارة العبيد

يقول عيسى حتحت لـ"ألترا فلسطين"، إن عائلته توارثت لمئات السنين العمل في مهنة النسيج، لكن هذه المهنة اندثرت مع بداية الاحتلال الإنجليزي لفلسطين، وقد عمل قسمٌ من العائلة في الفلاحة.

عيسى حتحت كبير عائلة حتحت الكردية

ويوضح حتحت، أن إبراهيم (صاحب القصر المذكور) كان يلقب بـ"فخر التجارة"، وقد تجرأ، قبل قرنين من الزمن، على الشكوى ضد متصرف غزة إبان الحكم العثماني، وهو الحاكم الإداري لها، فتوجه إلى القدس لكنه لم يلق ردًا على الشكوى، ليقطع مسافة طويلة على حصانه من القدس إلى الآستانة (الاسم القديم لاسطنبول العاصمة التاريخية للدولة العثمانية) من أجل أن يقدم شكواه إلى السلطان.

على إثر تلك الزيارة، منح السلطان، التاجر حتحت، حجة تعفيه مدى الحياة من الضرائب المفروضة على تجارتهم ومعصرتهم، التي كانت أفضل معصرة زيتون في مدينة غزة، وفق حتحت، قبل أن تتطور العلاقة أكثر بين الرجلين، وتفضي إلى زواج إبراهيم من أخت السلطان.

قصر حتحت التاريخي
قصر حتحت التاريخي
قصر حتحت التاريخي

وتؤكد الباحثة في الآثار والتاريخ نرمين حمودة، أن حضور الأكراد في غزة بدأ في عهد الأيوبيين، خلال عهد الملك الصالح أيوب سنة 637ه (1239م)، أثناء الحروب الصليبية، وقد أقاموا في غزة بحي الشجاعية، وقد سميت الشجاعية نسبة لشجاع الدين عثمان الكردي، الذي استُشهد في نفس العام.

وتوضح نرمين لـ"ألترا فلسطين"، أن الأكراد أتوا إلى فلسطين لعدة أهداف، أولها الالتحاق بالجهاد والجيش ومحاربة الصليبيين، بعدما نادى صلاح الدين الأيوبي للجهاد، ثم واصلوا التوافد لاحقًا بهدف التجارة، والعمل، والالتحاق بالوظائف التي أتاحتها الدولة العثمانية إبان حكمها لفلسطين.

حي الشجاعية في غزة يحمل اسمه نسبة لشجاع الدين عثمان الكردي الذي استُشهد بعد مجيء الأكراد لفلسطين أثناء الحروب الصليبية

وتضيف، "غزة وفلسطين كانت مزدهرة في عهد العثمانيين بحكم موقعها الاستراتيجي، والأكراد كوّنوا تجارة وأقاموا المحلات وبنو البيوت. وفي العهد العثماني كان عدد بيوتهم في حيّ الشجاعية يُقدّر بـ200 بيت، وكانت منطقة سكنهم تسمى حارة الأكراد، وقد اعتلى أشخاصٌ منهم مناصب رفيعة في زمن المماليك، وكذلك في الجيش العثماني، وكان منهم علماء لهم شأن في ذلك الوقت".

وأبرز العائلات الفلسطينية من أصول كردية حاليًا: الكرد، والكردي، والأيوبي، والظاظا، وحتحت. تقول الباحثة نرمين، إن هذه العائلات عاشت مع الفلسطينيين عرقًا واحدًا، وعاصروا الحروب والويلات، وقد كان لهم حضور بارز في مدن القدس والخليل ونابلس، وتعد حارة الشرف في القدس من أبرز مناطق وجودهم.

وأورد المؤلف عثمان مصطفى الطباع في كتابه "إتحاف الأعزة عن تاريخ غزة"، ضمن المجلد الثالث للعائلات والأنساب، أن هناك ست عائلات من أصول كردية في غزة، جاءت إليها بين القرن الثاني عشر والحقبة العثمانية، إلى جانب عائلة الصوراني، نسبة إلى مدينة صور شمال مدينة حماة السورية، وكان يسكنها الأكراد الأيوبيون.

تسكن العائلات الكردية في غزة والخليل والقدس ونابلس، وتعد حارة الشرف في القدس العتيقة من أبرز أماكن سكنهم

ويمكن القول إن فلسطين هي الدولة الوحيدة التي دمجت الأكراد في مجتمعها منذ أن قدموا إليها، وهو ما يؤكد عليه المؤرخ جميل بريكة قائلاً إن العائلات الفلسطينية، هي أكثر العائلات العربية التي تقبل العيش مع جميع الطبقات والأعراق والاختلافات في منطقة واحدة.

ويضيف بريكة، "كانت فلسطين الأرض الصغيرة الوحيدة في العالم التي تجمع أديانًا ثلاثة، خصوصًا يهود السامرة وليس الصهاينة، وفي منطقة واحدة تجد ثلاث طبقات ما بين البدوية والفلاح والمدن، بينما في دول العالم تلك الطبقات بينها مسافات عشرات الاف الكيلو مترات".

ويشير بريكة إلى أنه خلال دراسته التاريخ في سوريا والعراق، تبيّن له أن الأكراد يحبون العرب ويعتبرون أنفسهم واحدًا معهم، مشددًا على أن ذلك يخالف ما يشاع حاليًا عن عداء كردي تاريخي تجاه العرب، تحاول إسرائيل الترويج له وتغذيته من خلال تدعيم علاقتها بالقيادة الكردية، وتعزيز حراكها إلى الانفصال عن العراق.


اقرأ/ي أيضًا:

الاستقبالات النابلسية: رحلة في عالم النساء المنسي

السامريون: لا ذكر للقدس في التوراة وجرزيم قبلتنا

مدرسة جرزيم: سلام وطني وفاتحتان إسلامية وسامرية