10-يونيو-2024
تعيش سلوى أبو مصطفى أيامًا حزينة وقد حرمتها الحرب من أداء فريضة الحج

تعيش سلوى أبو مصطفى أيامًا حزينة وقد حرمتها الحرب من أداء فريضة الحج (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

لن ترتدي سلوى أبو مصطفى وزوجها أحمد ملابس الإحرام التي لطالما حلما بها على مدار سنوات، وفيما ارتقى الزوج شهيدًا في غارة جوية إسرائيلية، فإن أرملته وآلاف الفلسطينيين من حجاج فلسطين في قطاع غزة تحرمهم الحرب الإسرائيلية من السفر للديار الحجازية لأداء فريضة الحج.

داخل خيمتها، تكابد أم فادي لضبط الإذاعة على أي محطة إذاعية دينية تنقل مشاعر الحج، ولا يفارق مخيّلتها أن الحرب الإسرائيلية على غزة حرمتها من أن تكون بين الحجاج تطوف حول الكعبة وتؤدي المشاعر والمناسك

منذ سنوات طويلة والزوجين يدّخران المال من أجل الحج، لكن القدر كان له كلمته، ولم يحالفهما الحظ بالقرعة السنوية التي تجريها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية من أجل اختيار قوائم الحجاج وفق الأعداد التي تحددها السلطات السعودية، إلا هذا العام، حيث قطاع غزة تحت وطأة الحرب الإسرائيلية الضارية للشهر التاسع على التوالي، بالتالي فإن حجاج غزة لن يتمكنوا من أداء الفريضة هذا العام.

)سلوى أبو مصطفى واحدة من بين آلاف الحجاج في غزة حرمهم الاحتلال من السفر للحج (أحلام حماد/ الترا فلسطين
سلوى أبو مصطفى واحدة من آلاف حجاج غزة الذين منعهم الاحتلال السّفر للحج (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

ووصلت قوافل الحجاج الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة إلى الأراضي المقدّسة لأداء فريضة الحج. وتقدر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أعدادهم بنحو 4500 حاج وحاجة ممن حالفهم الحظ في قرعة أجرتها في فبراير/شباط الماضي، فيما الحرب تفتك بحجاج قطاع غزة وتحرمهم أداء هذه الفريضة.

"حاج برتبة شهيد"

وتقول سلوى وتكنّى بأم فادي لـ "الترا فلسطين": "اصطفى الله أبو فادي شهيدًا، وأدعو أن يسكنه الله الفردوس الأعلى، وأن يكتب له أجر فريضة الحج التي كان يحلم بأدائها منذ سنوات، ويتشوق لزيارة مكة والمدينة ورؤية الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف".

واستشهد أبو فادي، قبل بضعة أشهر، جراء صاروخ أطلقته مقاتلة حربية إسرائيلية على أرض يمتلكها مقابل منزله في منطقة "جورة اللوت" جنوب شرقي مدينة خان يونس جنوب القطاع، مخلّفًا أسرة مكونة من 10 أفراد أصغرهما توأم في الثالثة عشرة من العمر.

سلوى أبو مصطفى داخل خيمتها تعرض صورة لزوجها الشهيد أحمد أبو مصطفى
سلوى أبو مصطفى داخل خيمتها تعرض صورة لزوجها الشهيد أحمد أبو مصطفى (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

وقبيل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي كان الزوجان في زيارة للعاصمة المصرية القاهرة لرؤية نجلهما محمود المغترب في أوروبا منذ سنوات طويلة. وتقول أم فادي: "كان أبو فادي سعيدًا للغاية برؤية محمود وكان يود لو رأى البكر فادي المقيم في أوروبا ولم يتمكن من الحضور لظروف طارئة".

حجاج غزة.. مقاعد مؤجّلة للعام المقبل

بعد هذه الزيارة كان أبو فادي ينتظر بلهفة موعد السفر لأداء فريضة الحج، "لكن القدر أراد له سفرًا آخر إلى جنات النعيم"، تقول أم فادي والدموع في عينيها، وتضيف: "كان زوجًا كريمًا عطوفا طيّبًا ويستحق الشهادة".

وفيما استشهد أبو فادي من دون أن يحقق حلمه بأداء فريضة الحج، فإن أم فادي لن تحج هذا العام جرّاء احتلال جيش الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح البري وهو المنفذ الوحيد لزهاء 2.2 مليون فلسطيني في القطاع الساحلي الصغير على العالم الخارجي عبر الأراضي المصرية.

وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي احتلال هذا المعبر منذ بداية عمليتها العسكرية البرية على مدينة رفح الحدودية مع مصر في 7 أيار/مايو الماضي.

صبر وصمود

وفي داخل خيمتها التي تقيم بها مع أسرتها في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس، تكابد أم فادي من أجل ضبط الإذاعة في هاتفها المحمول على أي محطة إذاعية دينية تنقل مشاعر الحج من الأراضي الحجازية، ولا يفارق مخيّلتها أن الحرب حرمتها من أن تكون بين الحجاج تطوف حول الكعبة، وتؤدي المشاعر والمناسك.

وبعد لحظات صمت وقد تعلّق نظرها بسقف الخيمة الصغيرة، تابعت ويكاد القهر والحزن يعتصران صوتها: "انظري يا ابنتي والله أشعر أنني اختنق في هذه الخيمة، كان المفروض أكون مع زوجي رحمه الله هناك في رحاب الكعبة وإلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الله لم يقدر لنا ذلك".

تقيم سلوى أبو مصطفى وأطفالها في مخيم من الخيام لذوي شهداء الحرب على غزة
تقيم سلوى أبو مصطفى وأطفالها في مخيم من الخيام لذوي شهداء الحرب على غزة (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

وجراء القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي لحقت أضرار مادية جسيمة بمنزل هذه الفلسطينية وهي معلمة متقاعدة عملت لسنوات طويلة في مدارس تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

"بعد سنوات من العمل والتعب وتربية الأبناء كنّا ننتظر أن نتوِّج رحلة العمر بأداء فريضة الحج، لكن قدّر الله وما شاء الله فعل، ولعل الغيب يخبئ لنا الأفضل والأحسن"، بهذه الكلمات تعبر أم فادي عن رضاها وصبرها على محنة غياب زوجها شهيدًا، وفقدانها فرصة السفر لأداء فريضة الحج.

الحج درجات

ويقول وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في رام الله حسام أبو الرب لـ "الترا فلسطين": إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتداعيات الحصار وإغلاق معبر رفح البري مع مصر حرمت حجاج القطاع من السفر لأداء فريضة الحج.

وبحسب أبو الرب فإن تعداد حجاج فلسطين هذا العام، ويشمل طواقم من الإداريين والبعثات المرافقة بمختلف تخصصاتها يصل إلى نحو 4500 حاج وحاجة.

نحو 4500 حاج خرجوا من الضفة الغربية وفق القوائم الرسمية لوزارة الأوقاف بعد أن وقعت عليهم القرعة من بين 22 ألفًا تقدّموا لها

وإضافة إلى هذا العدد من الحجاج على القوائم الرسمية وفق الحصة المخصصة لفلسطين، تشير مصادر مطلعة إلى أن الأعداد أكبر من ذلك بكثير، مع لجوء حجاج فلسطين من الراغبين في الحج إلى استخدام طرق ووسائل بعيدًا عن وزارة الأوقاف، أبرزها التأشيرة السياحية متعددة الزيارات التي تصدرها السعودية، رغم أن غالبيتها لا تتيح لحامليها أداء الحج.

وتصنّف وزارة الأوقاف الحج وتكاليفه المالية إلى عدة مستويات، وبحسب وكيل الوزارة فإن هذه التصنيفات جاءت بناء على الخدمات المقدمة ومدى قرب أو بعد مكان الإقامة عن الحرم المكي وعدد الحجاج في الغرفة الواحدة، بحيث تبدأ الرسوم من 3485 وحتى 5986 دينارًا أردنيًا (الدينار الأردني= 1.41 دولار أميركي).

وفيما يستخدم حجاج الضفة الغربية جوازات سفر فلسطينية أو أردنية، ويتوجب عليهم المرور بنقطة عبور فلسطينية بمدينة أريحا، ثم نقطة العبور الإسرائيلية المعروفة بالجسر، ثم نقطة العبور الأردنية، ومن هناك إلى موقع يطلق عليه "مدينة الحجاج"، حيث يتم ترتيب سفرهم إما برًا أو جوًا إلى الأراضي السعودية، فإن حجاج غزة يسافرون سنويًا عبر معبر رفح ومنه إلى مطار القاهرة الدولي حيث يطيرون إلى السعودية.